نظام الأسد ودبلوماسية الكبتاغون
منذ منتصف العام 2023 شهدت المنطقة نشاطاً دبلوماسياً موجهاً باتجاه دمشق، هذا النشاط بدأ مع الحديث الأردني عن فتح علاقات دبلوماسية مع دمشق، الموقف العربي المنقسم أصلاً بين داعم لنظام الأسد ومقاطع له دبلوماسياً، بدأت المقاطعة العربية للنظام السوري مع بداية الحراك الشعبي واتخاذ نظام الاسد الحل الأمني ورفضه مبادرة الجامعة العربية، حيث سحبت معظم الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج سفرائها من دمشق، تبع ذلك حملة مقاطعة اقليمية قادتها تركيا ودولية، تمثلت في سحب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الغربية لسفرائها.
عقد من الزمن مضى والمقاطعة مستمرة لم يكسرها الفيتو الروسي والصيني على محاولات معاقبة نظام الأسد، ولا محاولات النظام إحداث خرق في العلاقات الدولية من خلال ممارسة دبلوماسية خلف الكواليس، وكذلك فشلت محاولات النظام الاستفادة من الحالات الإنسانية بما فيها دبلوماسية الزلزال والادعاء المستمر بأن العقوبات الغربية بما فيها قانوني سيزر والكبتاغون الأمريكيين يتسببان بأزمة إنسانية في مناطق سيطرة النظام، من جهة أخرى حاولت روسيا الضغط من أجل تعويم النظام بالضغط لتعديل القرار2165 للعام 2014 والقاضي بقانونية المساعدات الحدودية إلى سوريا عبر أربع منافذ من أصل 6 كانت تستخدم من قبل مع حتمية تجديد التفويض كل عام.
وذلك من أجل حصر إدخال المساعدات عن طريق دمشق وبالتالي فرض التعاون معها فيما يتعلق بالتنسيق وإدخال المساعدات عبر الحدود، مما يحتاج لتعاون اقليمي ودولي يؤدي إلى انفتاح على النظام.
كذلك ومنذ العام 2011 حاول النظام استغلال أزمة اللاجئين للضغط على الدول من خلال التهديد بإرسال مزيد من اللاجئين إلى دول الجوار ومن ثم وصولهم إلى أوربا، هذا الملف حقق تقدماً جزئياً
وذلك بسبب تخوف الحكومات من أزمات داخلية بسبب تزايد أعداد اللاجئين من جهة، والازمات الاقتصادية التي عصفت بالعالم خاصة بعد اجتياح وباء كورونا للعالم، وهذا ما حصل في دول الجوار بشكل خاص، حيث استغلت المعارضات هذه الازمات للتصعيد ضد حكومات بلدانها، كما حدث في تركيا إذ أصبح ملف اللاجئين ورقة ضغط بين الحكومة والمعارضة، كذلك وجدت الحكومات المؤيدة للنظام الفرصة سانحة للاستثمار في ملف اللاجئين من خلال التهديد بإعادتهم إلى مناطقهم التي خرجوا منها، ذات الأمر مارسه اليمين المتطرف الذي بدأ يصعد في أوربا، خاصة تلك البلدان التي تعتبر مناطق عبور أو استقرار للاجئين، وبالتالي بنى سياساته الانتخابية على قضية مكافحة الهجرة واللجوء.
كل هذه الملفات ساعدت على تغير النظرة والمواقف من نظام الأسد، إلا أنها لم تكن كافية لإعادة فتح السفارات وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه.
لعل السبب الأبرز في بحث الدول عن محاولة للتواصل مع نظام الأسد وإعادة العلاقات الدبلوماسية معه، سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي، يكمن في التهديد الذي تسببت فيه تجارة المخدرات التي استخدمها نظام الأسد، كسيف ذو حدين.
الأول هو إنعاش خزينته التي أنهكتها الحرب والعقوبات الاقتصادية، حيث صنفت عائدات تجارة الكبتاغون آخر ثلاث سنوات على الأقل بأنها الأعلى عالمياً، وتعد المصدر الأول لتمويل اقتصاد الحرب الذي أنشأه النظام، واعتمد على ظهور شخصيات جديدة استفادت من ظروف الحرب والفوضى وانتشار السلاح لتشكل طبقة من تجار الحروب والذين يعتمدون على المخدرات بالدرجة الاولى لتمويل مشاريعهم، هؤلاء وجدوا بتوسيع رقعة تجارتهم إلى الدول المجاورة لسوريا، أو حتى الاقليمية مثل دول الخليج وليبيا، وصولاً إلى أورباً مجالاً لزيادة نفوذهم.
الثاني: هو تهديد الأمن الاجتماعي وبالتالي القومي لتلك الدول من خلال غزو مجتمعاتها بالمخدرات، والتي تعتبر الأرخص والأسهل تهريباً عبر الحدود كونها مدعومة من أجهزة النظام الأمنية، هذا التهديد بدأ يظهر مبكراً على دول الجوار خاصة الأردن، والتي أصبحت طريقاً للوصول إلى دول الخليج والتي أصبحت مركزاً رئيساً لتصريف المخدرات التي ينتجها النظام بالتعاون مع حزب الله اللبناني، هذا التهديد دفع الأردن ولاحقاً دول الخليج وفي ظل انسداد أي أفق للحل السياسي في سوريا وبالتالي ابعاد النظام عن الواجهة، التفكير بحلول بديلة وإن كانت قاصرة من أجل الحد من دخول المخدرات إلى بلدانها، وذلك من خلال التعامل مع النظام بشكل مباشر وبالتالي محاولة احتواءه والتخفيف من خطر المخدرات، حيث بدأ الأردن أولى خطوات التطبيع مع النظام السوري عبر اللقاء الخماسي الذي جرى في العاصمة عمان، والذي كان أهم بند فيه هو مكافحة تجارة المخدرات وإعادة النظام السوري للجامعة العربية، وذلك من أجل احتواء النظام ومن أجل الحصول على شرعية دولية، جرى العمل على ربط هذا المسار بمبادرة المبعوث الدولي غوتيرش من خلال العمل على مبدأ خطوة مقابل خطوة، حيث لم يقدم النظام أي خطوة مقابل الخطوات التي قامت بها الدول المنخرطة بمحور إعادة التعويم، والتي بدأت بإعادة سفاراتها تباعاً.
أوربا والتي وجدت نفسها في عين عاصفة الكبتاغون، بدأت تستشعر الخطر خاصة ايطاليا والتي أصبحت المحطة الأولى أوربياً لتهريب الكبتاغون المنتج في سوريا، عن طريق ليبيا أو عن طريق البحر المتوسط، وزاد من تخوف الحكومة الإيطالية (اليمينية والتي لا تمانع أساساً بإعادة العلاقات مع النظام ) هو اكتشاف عدد من شحنات الكبتاغون مخبأة في شحنات تجارية مصدرها سوريا، كذلك ظهور نشاط لعدد من رجالات المافيا الاوربية وخاصة الايطالية في سوريا، وبالتالي ومن أجل احتواء هذه المخاطر وبدلاً من الضغط لتغيير النظام أو تغيير سلوكه على أقل تقدير، ذهبت هذه الدول للدعوة لإعادة العلاقات معه، حيث بدأت عدد من دول أوربا الشرقية وقبرص إضافة لإيطاليا بالحديث عن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
نستطيع إطلاق تسمية دبلوماسية الكبتاغون على الممارسات التي قام بها نظام الأسد من أجل الضغط على الدول لإعادة العلاقات معه، وكذلك الخطوات التي قامت بها تلك الدول من أجل إعادة العلاقات، وبالتالي ظهور شكل جديد من القوى الناعمة ولكن بصورتها (القذرة) للضغط على الدول من أجل تحقيق مصالح ومكاسب سياسية، وهذا نموذج سيء للعلاقات الدولية بات يظهر للعلن.
نشرت في الشرق نيوز