fbpx

نظام الأسد وجريمة بيع المقاتلين السوريين لحفتر

0 1٬645

منذ قيام الثورة السورية والكشف عن تفاصيل فضائح النظام لا يتوقف، فمن اعتقال وتعذيب وقتل المعارضين، إلى الاستيلاء على ثروات الشعب السوري، واستهداف المدنيين الآمنين بالصواريخ والقنابل والغازات السامة، إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت في قضية مقايضة نظام الأسد أرواح مواطنيه الذين يتم بيعهم للعمل كمرتزقة مقابل حفنة من الدولارات توضع في حساباته البنكية، وبعض المكاسب السياسية التي تضمن له الاستمرار في السلطة رغم أنف السوريين.
ففي خطوة أثارت الكثير من الدهشة وعلامات الاستفهام، تم مؤخراً الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية السورية/الليبية، التي ظلت مجمدة لثماني سنوات كاملة، وتم فتح السفارة الليبية في دمشق، وتسليمها لعناصر تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، فيما بدا وكأنه إعلان رسمي عن انضمام سوريا الأسد إلى الجبهة التي تقودها الإمارات، وتحديداً محمد بن زايد لدعم حفتر الذي يفتقر إلى الشرعية، ضد حكومة الوفاق الوطني الممثل الوحيد للشعب الليبي.
ورغم أن العلاقات بتلك الصورة، أخذت شكلاً دبلوماسياً وسياسياً بامتياز، إلا أن ما تم الكشف عنه لاحقاً أوضح الصورة الحقيقية لذلك التقارب المريب بين حفتر والأسد، حيث تم نشر وثائق خاصة بعدد من الرحلات الجوية انطلاقاً من دمشق وصولاً إلى شرق ليبيا، في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، قامت بها شركة أجنحة الشام “شام وينجز”، التي تملكها مجموعة “شموط التجارية” المقربة من نظام الأسد، وأوضحت تلك الوثائق أن الرحلات المذكورة نقلت مقاتلين سوريين للقتال إلى جانب ميليشيات حفتر.
وتزامناً مع تسريب هذه الوثائق، قامت صحيفة “لوموند” الفرنسية بنشر تقرير يشير إلى تشكيل محور جديد في المنطقة يضم كل من نظام الأسد وخليفة حفتر المدعوم من الإمارات ومصر والسعودية، لمواجهة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
وكشف التقرير – نقلاً عما سماه مصادر عسكرية – أن مرتزقة تابعين للنظام السوري، وصلوا بالفعل إلى ليبيا للانضمام إلى ميليشيات خليفه حفتر الذي يحظى بدعم مطلق من جانب الإمارات، التي تحولت مؤخراً إلى دعم الأسد، بعد أن كانت تدعم معارضيه في بدايات الثورة السورية.
وألمح المتحدث باسم رئاسة الأركان الليبية التابعة لحكومة الوفاق إلى أن الدول التي تدعم حفتر هي نفسها الدول الداعمة لنظام الأسد في سوريا، ولذلك فمن الطبيعي أن نرى تنسيقاً بين الأسد وحفتر، طالما تطابقت وجهات النظر، وتلاقت الرؤى حول مستقبل شعوب المنطقة، التي يجب وضعها تحت حكم أنظمة ديكتاتورية تستعبدها، وتمتص دمائها، وتستحل ثرواتها لصالح فئة معينة دون غيرها من مكونات مجتمعاتها.
ويبدو أن التنسيق بين الأسد وحفتر لم يكن وليد اليوم كما قد يتصور بعضهم، بل إنه في الحقيقة يعود إلى أكثر من ثلاث سنوات مضت، وبالتحديد منذ العام 2017 حينما تم الإعلان عن استعداد روسيا لإرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا للقتال إلى جانب مرتزقة حفتر، مقابل رواتب شهرية تصل إلى ألف دولار، ستقوم الإمارات بدفعها.
ونقلت العديد من وسائل إعلام محلية وغربية حينذاك معلومات حول طبيعة هؤلاء المقاتلين، الذين قيل إنهم ينتمون إلى ما يسمى “لواء النخبة” بقيادة أبو جعفر ممتنة، الذي كان ضمن صفوف “جيش ثوار سوريا” أحد فصائل “الجيش السوري الحر” قبل أن ينفصل عنه، ويقوم بتشكيل فصيل مستقل تحت اسم “لواء النخبة” بدعم من الكيان الصهيوني عام 2017، والذي تصالح مع نظام الأسد، بعد سيطرته على كامل محافظة القنيطرة بدعم جوي روسي.
ووفق ما كشفت عنه وسائل الاعلام الغربية فإن 300 عنصراً من ذلك الفصيل وصلوا إلى أحد المعسكرات التابعة لروسيا في حمص، وخضعوا لتدريبات عسكرية محدودة قبل أن يتم إرسالهم إلى ليبيا.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، كشف الرئيس الروسي بنفسه عن وجود مقاتلين مرتزقة تم نقلهم من سوريا للقتال في ليبيا ضمن ميليشيات حفتر، أكثرهم من الشباب السوري، والقليل من المواطنين الروس، إلا أنه نفى وجود صلة بين هؤلاء وبين الدولة الروسية بشكل رسمي.
تصريح بوتين جاء بمثابة اعتراف ضمني يكشف بوضوح عن وجود مرتزقة روس يحاربون إلى جوار حفتر، وعن الدور الذي تقوم به شركة “فاجنر” الروسية في ليبيا، حيث تتولى مهمة تجنيد العناصر المقاتلة وتدريبهم ثم إرسالهم لأرض المعركة في ليبيا.
وشيئا فشيئاً بدأت تتكشف الأمور الخاصة بعملية إرسال الشباب السوري إلى ليبيا لمساندة حفتر في حربه غير المشروعة ضد الحكومة الشرعية هناك، ففي فبراير/شباط الماضي انتشرت العديد من الاخبار حول قيام عسكريين روس بتجنيد شباب من الغوطة بدمشق، ومن محافظة السويداء، تمهيداً لإرسالهم للقتال في صفوف حفتر، بعد وعود بذلت لهم بتقاضي رواتب شهرية تصل إلى 1500 دولار، وتعهدات بعدم استدعائهم للخدمة العسكرية في صفوف جيش نظام الأسد.
كما كشفت صحيفة الـ “لوموند” الفرنسية عن وصول 1500 من قوات الكوماندوز السورية إلى بنغازي الليبية بالتنسيق مع علي مملوك قائد الأمن في النظام السوري، لمساندة مرتزقة حفتر.
بينما كشف موقع ” السويداء 24″ المحلي عن قيام “حزب الشباب السوري الوطني” المقرب من نظام الأسد، بتجنيد مرتزقة من المواطنين في السويداء ومحافظات مختلفة، بدعم من شركة “فاجنر” الروسية، بهدف إرسالهم للقتال في ليبيا.
كل هذه الحقائق والمعلومات التي تم تسريبها والإعلان عنها حول وجود مرتزقة سوريين يقاتلون في ليبيا إلى جانب ميليشيات حفتر تؤكد عدة حقائق هامة يجب الانتباه لها، وهي:
1- إن عمليات تجنيد الشباب السوريين وإرسالهم إلى الحرب في ليبيا تتم تحت سمع وبصر نظام بشار الأسد، بل وبتحريض كامل منه.
2- إن نظام الأسد يقوم بالمتاجرة بأرواح الشباب السوري، ويقدمهم قرابين لجبهة كارهي ثورات الشعوب العربية مقابل الحصول على دعم مالي وسياسي يؤمن له إطالة أمد بقائه على رأس السلطة.
3- إن التحول في موقف الإمارات من دعم فصائل المعارضة لدعم نظام الأسد سببه الرئيس حاجة محمد بن زايد إلى نظام يقبل بكل رحابة صدر بيع أبناء شعبه كمرتزقة ليخوضوا حرباً لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تحت ضغط الحاجة والخوف والإرهاب الذي تمارسه السلطة الديكتاتورية ضدهم، لتدفع بهم إلى أتون المجهول دون شفقة ولا رحمة.
4- إن التنسيق الحاصل حالياً بين حفتر والأسد تحت مُسمى عودة العلاقات الدبلوماسية ما هو إلا إعلان رسمي عن علاقة مشبوهة لطالما جمعت بين شخصيات فاسدة في الخفاء تحت عباءة الإمارات، وآن لها أن تخرج إلى العلن دون وسيط أو كفيل.

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني