نظام الأسد.. إذ يحكم لبنان
معاناة المواطن
اللبناني إثر انهيار العملة المحلية، وبدء الحديث عن احتمالية أن يحتاج قرابة 70 بالمئة
من اللبنانيين للمساعدات الغذائية قبل نهاية العام، باتت تضع الشعب اللبناني أمام
مشهد قطاع غزّة من جانب، ومشهد فنزويلا من جانب آخر، بين الجوع والتضخم، بين
الأزمة والكوارث المتلاحقة التي لا مجال لتداركها. لكن الجانب الآخر من المعادلة،
أن اللاجئ السوري لم يعد متهماً بالتسبب بالأزمة الاقتصادية في لبنان، بعد وضوح
الصورة أمام مختلف الأطياف اللبنانية، فالأزمة لبنانية بامتياز، غير أن ارتهان بعض
الأطراف اللبنانية، وتواطئهم مع نظام الأسد، كان له كبير الأثر المباشر في الأزمة،
فنظام الأسد يغرق، وشركاؤه في لبنان يعملون على إسقاط لبنان لأجل نظام الأسد وليس
إنقاذ لبنان.
هوية وطنية للفساد:
مناهضة أمريكا وإسرائيل
بقيت هي بطاقة الهوية التي يبحث عنها الفاسدون تحت مسمى المقاومة بقصد إخفاء جرائمهم
عن أعين الناس، فالاحتماء تحت كلمة مقاوم، هي واحدة من أعمق أزمات المنطقة، لأنها
تتيح للفاسد والمستبد أن يستمر بما هو عليه، وبمقابل ذلك تبقي الشعب تحت سطوة هذه
الفئة، فهي البطاقة التي أجبرت الشعب السوري على الصمت وتحمل قهر نظام الأسد نصف
قرن من الزمن، وهي التي جعلت من حزب الله تاجر المخدرات والممنوعات زعيم المقاومة الذي
هزم إسرائيل وأمريكا وفرض معادلة محور المقاومة في شرق المتوسط. بالتالي إن أزمة
لبنان على شاكلة أزمة سوريا، وما فعله نظام الأسد في سوريا لا يعني أن لبنان سيكون
بمنأى عن ذات النتيجة وبأدوات حزب الله وشركائه، ولعل الإجابة واضحة، وهي أن الذين
فرضوا حصار الجوع على مناطق عديدة في سوريا تضم مئات آلاف المدنيين، هم ذاتهم الذي
يشاهدون أبناء جلدتهم يأكلون من حاويات القمامة في الحارات اللبنانية البائسة، وهو
ما يطرح لغز المعادلة، من هو الذي يحكم لبنان؟
لبنان كحديقة خلفية:
أن يدرك اللبنانيون
الآن أن معاناتهم كان سببها نظام دمشق، بدءاً من الحرب الأهلية، وصولاً إلى الحالة
الراهنة، وما بينهما سلسلة الحروب الطويلة، واغتيال الحريري الذي كان نجاحه في
لبنان مؤشراً على قيام نهضة واسعة في عموم المنطقة، غير أن التجربة السياسية
والاقتصادية الواعدة التي زرعها الحريري لم تكن تناسب من يريدون أن تعج شوارع بيروت
بالقمامة، لذلك استبقوا نهضة لبنان حتى لا تؤثر على جواره، ثم صنعوا أكذوبة انتصار
تموز أغسطس 2006 كما أوهموا الشارع اللبناني من قبل أن الانسحاب الإسرائيلي كان
عبر(تضحيات) حزب الله، وهو أمر بات معروفاً للجميع.
لبنان عبر مناطقه الحدودية
مع سوريا، من البقاع إلى الشمال ومنذ الحرب الأهلية كان تحت سيطرة الجيش
والمخابرات السورية، وتحت هذه المظلة الأمنية العسكرية أسس النظام السوري أكبر
حديقة للفساد في الشرق الأوسط، فهي كانت مصنع زراعة وتصنيع المخدرات، وهي بوابة
التهريب إلى سوريا الذي كان يستنزف اللبنانيين منذ الحرب الأهلية وقبل ذلك،
واستفاد منها نظام الأسد في حقبة الحصار عليه في الثمانينات، حيث عمل على تهريب كل
ما هو ممكن من لبنان إلى سوريا، وهو ما أدى لانهيار العملة اللبنانية في المرة الأولى
بشكل ملحوظ عام 1987 عندما ارتفع سعر الدولار الى قرابة 450 ليرة لبنانية في حينها.
تلك الحقبة كانت
مليارات آل الأسد، تغادر المنطقة العربية نحو الملاذات الآمنة، وتلك الأيام خصوصاً
التي شهدت الحصار على سوريا لم يكن بإمكان آل الأسد الحصول على العملات الصعبة سوى
من الأسواق المجاورة، كما هو الحال اليوم، حيث تنهار العملة اللبنانية، وينهار
الاقتصاد اللبناني لكي يحكم آل الأسد فترة أطول.
فساد معقد التركيب:
لكن، ما الذي يربط طبقة
سياسية لبنانية بطبقة سياسية تتحكم فيها في سوريا، إنها معادلة الجزرة والرعب، فقد
مارس نظام الأسد قبل وبعد اغتيال الحريري سياسة الاغتيالات التي طالت رموزاً وطنية
عديدة، ثم أخضع الجميع بميزان الرعب الذي أوصل لبنان إلى هذه الحالة، ولعل اليد
الطولى في هذا الأمر هي حزب الله وحلفاؤه، الذي من الضروري أن يراه الجميع شريكاً لنظام
الأسد في كل ما يحدث.
نظام الأسد كان يتاجر
في كل شيء في لبنان، وكان حريصاً على حرمان لبنان من أدنى مقومات الصناعة، حتى
صناعة الكهرباء، ولم يترك شاردة ولا واردة إلاّ واستغلها بقصد التربح، وصولاً إلى
ضرب شركات الاستيراد الوطنية، التي عانت من فوضى تزوير المنتجات الصناعية بقصد
التربح، غير أن نظام الأسد عجيب في تكوينه، فمسألة تزوير المنتج الصناعي كانت تتم
في سوريا، ثم يتم إرسال المنتجات المقلدة من الألبسة وبعض الأغذية كالأجبان إلى لبنان
لإغراق الأسواق اللبنانية فيها، ثم يتم إعادة تهريب هذه المنتجات إلى سوريا من
جديد.
هي أمثلة فقط، لنظام
عبث بكل مكونات لبنان الاقتصادية والمالية، ولا يزال يفعل ذلك، ليس لأجل شعبه،
ولكن لكي يبقى هذا النظام.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”