
نحو مؤتمر وطني شامل… الطريق إلى استقرار سورية ومستقبلها
تمرّ سورية بمرحلة معقدة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حيث لا تزال تداعيات الصراع المستمر تلقي بظلالها على مناحي الحياة كافة. ورغم تعدّد المبادرات والمحاولات لإيجاد حلول، إلا أن غياب توافق وطني شامل يعرقل أي جهود حقيقية للخروج من الأزمة.
من هنا، تبرز أهمية عقد مؤتمر وطني شامل يضم جميع الأطياف السياسية والاجتماعية السورية، ليكون بمثابة منبر حوار وتوافق حقيقي يساهم في وضع أسس مستقبل سورية على قاعدة المشاركة والتفاهم الوطني.
إن عقد مؤتمر وطني شامل يعني مشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية دون إقصاء أو تهميش، مما يضمن عدالة التمثيل للأطراف كافةً، سواء من داخل سورية أو خارجها. فمن دون شمولية التمثيل، لا يمكن تحقيق حل مستدام يلقى القبول الشعبي.
يتيح المؤتمر فرصة لكل المكونات السورية لطرح مطالبها السياسية والاقتصادية والقانونية، ما يضمن أن تكون جميع القضايا الأساسية جزءاً من عملية التفاوض وصنع القرار، بدلاً من أن تبقى مجرد وعود غير مفعّلة أو مواضيع خاضعة لحسابات القوى الكبرى.
تعاني الإدارة السياسية الحالية من انغلاق في عملية صنع القرار، حيث تفتقد إلى آليات مشاركة فعلية لمختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين. ومن خلال المؤتمر، يمكن فتح المجال أمام آليات أكثر ديمقراطية، بحيث يكون القرار الوطني نتاج حوار حقيقي، وليس مجرد فرض من طرف على آخر.
في ظلّ غياب مؤسسة سياسية شرعية ومتفق عليها تمثّل الشعب السوري، يمكن أن يكون المؤتمر بمثابة برلمان انتقالي مؤقت يتولى مسؤولية اتخاذ القرارات الوطنية الكبرى إلى حين الوصول إلى تسوية سياسية دائمة وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
لا يمكن لأي حل سياسي أن ينجح دون وجود حكومة ذات تمثيل واسع وخبرة كافية لإدارة المرحلة الانتقالية. لذا، فإن المؤتمر يجب أن يكون الجهة التي تحدّد شكل الحكومة، وطبيعة تمثيلها، ومعايير اختيار أعضائها، لضمان تمثيل عادل وفعّال لجميع السوريين.
يُعد الدستور حجر الأساس في بناء أي دولة، وعليه أن يعكس تطلعات الشعب ويضمن الحقوق والحريات للجميع. لذلك، ينبغي أن يكون المؤتمر هو الجهة المخوّلة بتشكيل لجنة صياغة الدستور، لضمان أن يكون الدستور الجديد نابعاً من إرادة وطنية حقيقية، وليس مفروضاً من أي جهة خارجية.
لا يمكن تحقيق مصالحة وطنية حقيقية دون معالجة الانتهاكات التي حدثت خلال سنوات الصراع. وبالتالي، ينبغي أن يشكل المؤتمر لجنة قانونية مختصة تتولى وضع آليات العدالة الانتقالية، بما يضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، وفي الوقت ذاته تحقيق المصالحة بين مختلف المكونات السورية.
إن عقد مؤتمر وطني شامل يمثل خطوة ضرورية وحاسمة نحو إعادة بناء سوريا على أسس ديمقراطية عادلة. فبدون حوار وطني حقيقي، ستبقى الحلول مجتزأة وغير قادرة على تحقيق الاستقرار الدائم. لذا، فإن على جميع القوى الوطنية والاجتماعية السورية أن تدرك أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو عبر التوافق الوطني، الذي يمكن أن يتجسد من خلال مؤتمر يمثل الجميع، ويضع أسس دولة حديثة عادلة ومستقرة.