نتنياهو ومشروع إيران النووي حرب أوكرانيا في سوريا
انتخاب نتنياهو رئيساً لحكومة إسرائيل لم يأت من فراغ أو مصادفة، بل أتى تعبيراً عن قلق عميق يتفشى في أعماق الناخب الإسرائيلي، هذا القلق مصدره وجودي، وأساسه الخوف من برنامج إيران النووي، والذي سيغيّر في أقل احتمال من قدرة إسرائيل على فرض ميزان قوى عسكري إقليمي لصالحها.
هواجس الخوف الإسرائيلي من مشروع إيران النووي تبدو مشروعة بصورة عامة، فإذا فقدت إسرائيل تفوقها العسكري على محيطها العربي والإقليمي، سيكون خطوة نحو فقدانها قدرة البقاء والوجود الآمن في منطقة لا تقبل بها، سيما وأنها لا تزال ترفض حلّ الدولتين (دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيلية).
فقدان إسرائيل لتفوقها يعني بالضرورة أن عدواً إقليمياً هو إيران سيفرض نفسه على سياسات المنطقة، وهذا لن يتمّ له بغير امتلاك السلاح النووي، لهذا تماطل إيران في قبول اتفاق جديد مع الولايات المتحدة يحدّ من طموحها بامتلاك السلاح النووي، حيث سيكون سلاحاً بمهمتين، سلاح ردع، وسلاح فرض هيمنة، بعد أن انسحبت الأخيرة في عهد دونالد ترامب من الاتفاق السابق في عهد باراك أوباما.
مشروعا الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حيال برنامج إيران النووي مختلفان، فالولايات المتحدة تريد إبقاء هذا البرنامج قيد الطاقة النووية السلمية، ولهذا فهي تسعى في هذا الاتجاه عبر سياسة القوة الناعمة، من خلال فرض عقوبات وحصار اقتصادي ودعم قوى المعارضة الإيرانية السلمية التي تتظاهر وتعتصم وتقوم بإضرابات، مما يعني في المحصلة استنزاف مقدرات نظام الملالي سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
إسرائيل رغم أنها تدعم هذا التوجه، لكنها لا ترى فيه اتجاهاً قادراً على وقف برنامج إيران النووي العسكري الساعي لامتلاك القنبلة الذرية، ولهذا فهي تريد توجيه ضربة عسكرية مسبقة لهذا البرنامج، وهذا الأمر هو من أتى بنتنياهو إلى السلطة في إسرائيل من جديد، رغم ارتكابه لمخالفات تمّ التحقيق بها قضائياً.
إسرائيل تتناقض في هذا الموقف مع سياسة جو بايدن الديمقراطية، وهذا يدفعها إلى العمل لتسهيل مهمتها دولياً، وتحديداً ناحية حرب روسيا على أوكرانيا، حيث يهمها السعي لوقف هذه الحرب بدون منتصر ومهزوم، ما يعيد إلى الواجهة الاهتمام الغربي الواسع بمسالة برنامج إيران النووي، حيث ذكرت وكالة الطاقة الذرية إن إيران وصلت إلى مرحلة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ثمانين بالمئة من صناعتها لقنبلة ذرية.
إسرائيل تريد وقف الحرب الروسية على أوكرانيا، وهذا لا يريده الغرب وفق الصيغة الإسرائيلية، لأن ذلك يمنع استنزاف روسيا وامتصاص تهديداتها ضدّ الغرب، بينما تريد إسرائيل وقف هذه الحرب، ليتسنى لها الحصول على موافقة روسية، أو على الأقل غضّ طرف روسي عن ضربات عسكرية ضد مشروع إيران النووي، وضد توسيع دورها العسكري في سورية ولبنان والمنطقة العربية.
هذا التناقض الإسرائيلي – الأمريكي في المقاربة وأولويه تحقيق المصالح المشتركة قد يمكن أن يخلق حاله من التنازع أو التنافر وقد يتطور لأبعاد صراع سياسي يماثل ما حصل بين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ولا ننسى عندما تطور ذلك إلى تصريح متحد صدر من نتنياهو عندما قال “إن امريكا ليست فقط في البيت الأبيض” محاولا تصغير أهمية مركز الرئيس أوباما، وحاول نتنياهو اللجوء لوسائل ضغط من اللوبي المناصر لإسرائيل، والسؤال هو هل سيتطور النزاع بين رؤية ومقاربه الطرفين نتنياهو وبايدن لدرجة مماثلة لما حصل في عهد أوباما أو لا؟. وهل يتوانى نتنياهو وحكومته عن العمل على محاولة فرض رؤيتهم حيال إيران على حكومة بايدن؟. وهل يسعى نتنياهو لإيجاد حل لتحييد القضية الأوكرانية عن قضيه السلاح النووي الإيراني؟.
إن سلوك طريق محاولة التحييد هذه سيكون مصيره الفشل لأن النظام الإيراني ارتكب خطأ فادحاً يجبر الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا على جعلها تدفع ثمناً باهظاً له عند إمدادها بوتين بالمسيرات التي فتكت بالمدنيين.
إن الحرب الروسية على أوكرانيا فرضتها حماقة بوتين وغروره، كما فرضتها رغباته غير الموضوعية باستعادة مجد الاتحاد السوفييتي السابق، هذا المجد، لا يمكن استعادته روسياً في شروط الواقع الحالي عالمياً، نتيجة اختلال ميزان القوى بصورة عامة (عسكرياً واقتصادياً وسياسياً) بين الجانبين الغرب من جهة وروسيا وحلفها من جهة أخرى.
الروس في وضعهم الحالي بحاجة لإيران في حربهم في أوكرانيا، لذلك لن يضغطوا عليها للاستجابة إلى تقييد برنامجها النووي، وإذا أريد منهم ذلك اسرائيلياً، فهم يريدون مقابل ذلك أن يمتنع الغرب عن الوقوف مع أوكرانيا، وهذا لا تقبله الدولة العبرية، إنما هدفها الرئيس هو وقف هذه الحرب بصيغة لا منتصر ولا مهزوم.
نتنياهو سيعمل على استنفار كل أدوات الضغط الممكنة لديه، فهو يرى في برنامج إيران النووي الخطر الأول في مسألة بقاء دولة إسرائيل دولة مهيمنة، فإذا خسرت بلاده هذا الدور، يكون بدأت انحدار دورها الذي رسمته لنفسها بقيادة منطقة الشرق الأوسط، وتكون قد طوت قيد النسيان القضية الفلسطينية.
والسؤال الهام، هل يمكن إيجاد صيغة وسط بين برنامجي الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية حيال القضيتين الرئيسيتين (برنامج يران النووي والحرب الروسية ضد أوكرانيا)؟ أم أن برنامج نتنياهو سيفرض نفسه كاهتمام أول لدى حكومة بايدن الديمقراطية؟ أو بقاء الموقف الأمريكي من برنامج إيران النووي وفق صيغته الأوبامية؟
الجواب على هذه الأسئلة تقف خلفه قدرة حكومة بايدن في رفض رؤية نتنياهو حيال تبني أمريكا لضربات عسكرية ضد منشآت إيران النووية، والتي قد تقود المنطقة برمتها بما فيها إسرائيل إلى حرب مرعبة، ولهذا لا نرى احتمالاً غير استخدام الأمريكيين لوسائل أخرى منها دعم قوى المعارضة الإيرانية في تظاهراتها واحتجاجاتها، وكذلك في توسيع دائرة العقوبات ضد حكومة الملالي، مما يجعلها مضطرة لتقديم تنازلات بهذا الاتجاه.
كذلك تقف خلف الإجابة على هذه الأسئلة قدرة بنتنياهو على حرف بوصلة موقف حكومة بايدن، ونعتقد أن ذلك ضعيفاً كاحتمال، لأنه مرتبط بتفجير حرب في المنطقة، لا يمكن التنبؤ بنتائجها على المديين القريب والمتوسط عسكرياً وأمنياً. ولكن في نفس الوقت لن يتورع نتنياهو على شن هجومًا على المنشآت النووية الإيرانية سواء وافقت إدارة الرئيس بايدن أم لم توافق وذلك حسب تصريحه الأخير.
إن القرار النهائي لهذا الهجوم يخضع لتوازنات دقيقه للغاية وقد يتخذ عند تغيرها وخاصة مع اقتراب نهاية هذا العام حيث ستكون إداره بايدن منشغله بالتركيز على الانتخابات الرئاسية. وحتى ذلك الوقت تبدو الصيغة المتوسطة هي الأرجح وتتعلق بفرض حلٍ سياسي على روسيا في أوكرانيا، وباستعداد موسكو بالمساعدة على منع إيران من امتلاك سلاحٍ نووي، كونها هي من زوّدت إيران بالمفاعلات النووية.