المجتمعات ليست فئة واحدة اقتصادياً أو فكرياً، وبالتالي ليست واحدة سياسياً، وهذا أمرٌ طبيعي، باعتبار أن التيارات والأحزاب هي تمثيلات عن قوى اقتصادية واجتماعية، تنتج في السياق التطوري الطبيعي.
نينار برس أرادت أن تضيء هذه الحالة بلقاء مع السيد خالد البيطار والذي يشغل منصب نائب رئيس حزب “أحرار”، أي الحزب الليبرالي السوري، فطرحت عليه أسئلتها فكان هذا الحوار.
س1- حزب أحرار الذي تشغل فيه منصب نائب رئيس الحزب هو حزب ليبرالي، لماذا اخترتم أن تكونوا ليبراليين؟ هل وعيكم الفكري والسياسي هو من أوصلكم إلى هذا الاتجاه؟ أم إن مجتمعاتنا في وضعها التطوري تحتاج فكراً وحزباً يحمل برنامج الحريات الفردية والاقتصادية والاجتماعية؟
خيارنا لليبرالية محكوم بوعينا
هناك طريقان رئيسان كي يصبح المرء ليبرالياً، أحدهما خيار وعي وثقافة وتحليل لبنى التطور الاجتماعي، وثانيهما انتماء طبقي للبرجوازية المؤمنة بالحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، يقول حول هذه الفكرة السيد خالد البيطار وهو سوري مقيم في دولة التشيك: “في الحقيقة أعتقد إنه الوعي الفكري والمرحلة الحضارية التي نحن فيها, فأنا شخصيا كنت من أصحاب الفكر الاجتماعي الديمقراطي ولكن أيضا كنت أرى أن الحريات الشخصية الطبيعية هي المقدس الوحيد في حياتنا”.
ويضيف البيطار: “عندما بدأنا مسيرتنا في فكرة بناء تجمع على أسس حزبية وسياسية، انطلقنا من الفكر الاجتماعي الديمقراطي، ومع مرور الوقت وتبلور الأفكار، ومحاولة حماية الفكرة الأساس في الحريات الشخصية الطبيعية وقناعتنا بأهميتها، وجدنا أنفسنا نقترب أكثر إلى الفكر الليبرلي الاجتماعي، حيث وجدنا فيه ضالتنا”.
ويشرح نائب رئيس حزب أحرار السيد خالد البيطار موقفهم من الليبرالية فيقول: “كنا نتخوف من كلمة الليبرالية سابقاً، نتيجة أفعال سياسات النيوالليبرالين (الليبرالية الحديثة), ولكن ما ذنب الفكر الليبرالي في هذا؟، لقد وجدنا ان هذا التيار الفكري والسياسي والاقتصادي شبه مفقود في الشرق الأوسط، وأنه ربما أتى الوقت للكلام عنه، ونشره وعدم الخوف منه، (لا من الناحية الاجتماعية ولا السياسية ولا الاقتصادية).
ويتابع البيطار حديثه: “كما أننا نرى في الليبرالية طريقاً لتمثيل جزء مهم من الشعب السوري العظيم وشعوب المنطقة، خاصة فئة الشباب (إناث وذكور)، إذ إن هناك كماً هائلاً من الشابات والشباب، الذين يبحثون عن فكر تحرري غير ماركسي، والليبرالية يمكن أن تمثلهم، وتكون ضالتهم، التي يبحثون عنها، وباعتقادي الخاص، أن الليبرالية هي الطريق للخلاص من جعبة الشمولية والرديكالية المسيطرة على هذا الشرق المؤدلج شمولياً ورديكالياً، وأنه حان الوقت للاتجاه نحو التحرر الحقيقي وليس الشكلي، واطلاق العنان للحريات الفردية”.
س2- نشرُ أيّ فكرةٍ في واقع مجتمعي ما، يحتاج بالضرورة إلى حوامل فكرية وسياسية وبنى اجتماعية محددة. هل فكركم الذي طرحتموه في أوراقكم السياسية، هو فكر له حوامل حقيقية في واقع سوريا؟ هل يمكنك إضاءة هذه العوامل؟
الشموليون يكرهون الليبرالية
وحول سؤالنا الثاني المتعلق بنشر الفكر الليبرالي يقول خالد البيطار نائب رئيس حزب “أحرار”: “حقيقة قد يبدو للمراقب أن منطقة الشرق الأوسط منطقة محبة للأيديولوجيات الشمولية والراديكالية، (أي كما يستخدم بعضهم مقولة: “نحن شعوب محافظة”) ظناً منهم أن شعوب الغرب ليس محافظةً”.
ويوضح البيطار: “لكن، وفي المقابل، نرى أن هناك شريحة كبيرة تبحث عن ضالتها خارج أطر الأيديولوجيات الشمولية مدنية كانت اودينية، يكفي الإشارة إلى الفكر الليبرالي، وإعطاء مساحة له في جو غير عنفي، وسنجد أنه على الأقل 25% من شعوب المنطقة تحمل هذه الفكرة، وخاصة في سوريا والعراق، وأن هذه الفئة هي الأكثر تهميشاً، لأنها مرفوضة من جميع الشموليين، دينيون كانوا أم علمانيون، ولأن السلطة لا تخشى إلا الأحرار الحقيقيين”.
ويضيف البيطار: “نعم أجد حوامل كثيرة خاصة في شريحة المرأة والشباب، التي يستخدمها الجميع فقط نظرياً، وكورقة أرقام في الاحصائيات، بينما الليبرالية تؤمن تماماً بحريتها، لأنهم الأفراد الحقيقيون المكونون للمجتمع، وخاصة أنهم صانعون للمستقبل، وهذا ما نحتاجه اليوم من اجل المستقبل، فالماضي ما هو إلا للعبرة، وليس للحياة فيه”.
س3- البرجوازية السورية المدينية (في دمشق وحلب وحمص واللاذقية) لم تنخرط في الثورة السورية ضد نظام الاستبداد الأسدي، وهذا أخّر فعلياً نجاح الثورة. هل تعتقد أن مصالح هذه البرجوازيات مرتبطة بالنظام اقتصادياً وسياسياً؟ وهل هي برجوازية كان يمكنها أن تطور بناها لتنهض بمشروع تنمية وطنية شاملة؟ أم أنها برجوازية مشتقة من النظام ومتزاوجة معه بمصالحها؟ كيف ترون الأمر؟
الأسد الأب دثر البرجوازية الوطنية
وسألنا السيد نائب رئيس حزب “أحرار” عن البرجوازية الوطنية السورية، وهل هي موجودة، فأجاب: “حقيقة، إنه سؤال مهم، أولاً، أعتقد ان البرجوازيات الحقيقية الوطنية والطبيعية اندثر غالبها خلال فترة الأسد الأب، ومن بقي نشأ في ظل الأسد فهي برجوازيات طفيلية، لايمكن لها الوجود بدون دعم هذا النظام، كما أنها برجوازية غبية، إذ لاتفكر بأنه يمكن لها أن تكمل طريقها مع نظام آخر”.
وتابع البيطار حديثه: “لذا أرى أنه يجب تقسيم البرجوازيات إلى برجوازية ناشئة بسبب النظام، وبرجوازية أصيلة ووطنية وليست بحاجة إلى نظام استبداد يعينها في ربحها، وهذه يجب التواصل معها والتعامل معها، ولابدّ من إيصال الرسالة الصحيحة لها، في أن مصلحتها تكمن في الحرية، وليس في الاستبداد”.
أيضاً، أعتقد أنه قد أصبح واضحاً من الوضع الكارثي الحالي لكل من هو في سورية، أنه لابدّ من التفكير بالتغيير، وبإيجاد طريق آخر، أي أن على البرجوازيات البدء بالتفكير في طرق أخرى كي تنجوا”.
وبرأي البيطار: “المشروع التحرري الوطني يجب أن يشارك فيه الجميع كي ينجح، وعليه يجب التواصل مع الكل بما فيهم البرجوازيات الوطنية، ولكن، يجب أولاً إيجاد تيار يبني المشروع الوطني بوضوح، مشروع يستطيع من خلاله الجميع رؤية الحياة في المستقبل، ورؤية أنه يمكن لدوامة العنف أن تنتهي، ويمكن إنهاؤها، فيكون الثمن الذي دفعه ويدفعه هذا الشعب العظيم مقبولاً للتغيير، لأن أبناءنا سينعمون بالحياة والنجاح والسعادة والسلام، فثورة الشعب السوري قامت من أجل التغيير الحقيقي، وليس من أجل التغيير الشكلي، أو السلطة فقط”.
س4- طفا على سطح الحراك المعارض للنظام الاستبدادي قوى مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية. هل تعتقد أن هذا الارتباط ضرورة أم أنه نتيجة الإلحاق السياسي؟ ولماذا لم تستطع هذه المعارضة الرسمية اشتقاق طريق وطنية لتحرير البلاد من النظام وحلفه، ومن قوى أجنبية تعتبر قوى محتلة؟ كيف تنظرون للأمر في حزبكم؟
المعارضة الحالية مشلولة
وأردنا أن نضيء فهم خالد البيطار نائب رئيس حزب “أحرار” حول وضع المعارضة القائمة، فأجاب: “حقيقة، وكما وصف الكاتب ديفيد فرومكين في كتابه (السلام الذي قضى على كل سلام)، واصفاً تقسيم الشرق الأوسط بعد الحقبة العثمانية بتقسيم منطقة لا يمكن لها أن تهدأ من دوامة العنف (باختصار شديد)”.
ويعتقد البيطار: “بأن ما وصلنا إليه أمر طبيعي، لأن الرجل الأبيض الغربي (دول القوى العظمى والغنية) لم يعط بعد الضوء الأخضر لتحرر شعوب المنطقة، رغم التضحيات الجسام (كما أعطوه مثلاً لشعوب أوروبا الشرقية). موضحاً: “أيضاً، وجود قوى إقليمية مدعومة من تلك القوى العظمى، يعطيها القدرة على استقطاب الارتباط بها، ومع مرور الوقت والضعف والضغط نصل حد التبعية”.
لكن البيطار يرى أن المشكلة الأساس هي في كون الشرق الأوسط بأكمله مازال يعيش في القرن 19 أقله، ولم يستطع التخلي عن الأفكار الشمولية والريكالية، ولم يعمل على القطع معها، (ربما بسبب الحرب الباردة)، ومازال يجتر فيها إلى يومنا، مثالاً، الثورات المضادة للربيع العربي، ماذا فعلت؟ أعادت إنتاج الديكتاتوريات العسكرية، التي أوصلتنا لما نحن عليه، أي لم نتقدم ولا خطوة واحدة”.
ويرى البيطار: “أن القوى المعارضة هي قوى مشلولة بالنسبة للفكر الغربي ولا تتناسب مع القرن 21، ولم تستطع بناء الجسم المطلوب، ولا الفكر المطلوب، ولا المشروع المطلوب والمقبول من قوى العالم، أو أقله المقبول في فكر القرن 21، المنتفتح على العالم والعولمة، ولم تستطع المعارضة بمواجهة كل هذا الإرث، أن تقوم بأكثر مما قامت به، باعتقادي، والأهم، أنه لم نستطع الإبقاء على استقلاليتنا، وما إن دخل المال السياسي ودوامة العنف والعسكرة، حتى أصبح الارتهان للقوى العالمية والإقليمية السمة الأساس، والطريق الوحيد أمام المعارضة، بفكرها الشمولي الموروث من عقود الشمولية”.
س5- ما هي استراتيجية عملكم السياسي كحزب في هذه المرحلة وفي مراحل أبعد؟ هل أنتم مع إطار تحالفي وطني ديمقراطي يؤمن ببناء دولة مواطنة ومؤسسات، مثل تحالف الجبهة الوطنية الديمقراطية (جود)؟ أم لديكم خيارات تحالفية مختلفة؟ هل تطلعون قرائنا عليها؟.
نحاول بناء مشروع وطني
وإجابة على سؤالنا عن استراتيجية حزب “أحرار”، يقول خالد البيطار وهو نائب رئيس الحزب: “أهم ما يميّز تجربتنا باعتقادي، هي أننا لم نعلّب؟! أي أننا مجموعة من الشباب السوري، الذين عملوا معا لفترة سنوات تبلور فيها فكرهم بتطور طبيعي، ليصل إلى ما وصل، وهذا بحد ذاته تجربة فريدة من نوعها، (نحن لم نأخذ الحزب الشيوعي من روسيا وطبقناه، ولم ناخذ أي دعم كمثال).
ويضيف البيطار: “نحن نعمل ببطئ وضمن إمكانياتنا ولا نتطلع إلى بناء أحلام لا يمكن تحقيقها، ونحاول إيجاد حلول واقعية، وبناء مشروع وطني ومستمر”.
ويعتقد البيطار أنهم أي في حزب “أحرار” يحاولون تعلم العمل الجمعي والجماعي، والتنظيم والانضباط في العمل الجماعي، ومازلنا نعمل على تطوير أوراقنا ووجهات نظرنا في السياسة والاقتصاد والاجتماع، ونحاول دائماً التواصل مع القوى القريبة منّا فكرياً، ولكن أيضاً نجلس مع القوى الأخرى لتبادل وجهات النظر، لأننا في مرحلة بناء المشروع الوطني لكل السوريين، ولا يمكن القطع مع أحد في السياسة إلاّ مع أصحاب العنف والإقصاء”.
ويرى البيطار أن التواصل والعمل المشترك مهم جداً والعمل الجمعي مهم جداً، لذا لابد من العمل على تقوية العمل الجماعي، بحيث يصل إلى تحالفات طبيعية وليس مصلحية فقط ، أي لا ندخل تحالف فقط لنكون رقماً، بل يجب أن يكون التحالف حقيقياً مبنياً على مشروع حقيقي، وعلى تقسيم الأدوار والأعمال.
خالد البيطار
- مواليد براغ 1975، من أب سوري وأم تشيكية، وعائلة معارضة تاريخياً.
- درس إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في براغ، عايش التغيير الديمقراطي والرأسمالي في جمهورية التشيك وراقب بعناية كيفية التغيير من الشمولية إلى الديمقراطية والتعددية وتقبل رأس المال المسؤول.
- يعمل في التجارة الخارجية والنقل.
إضاءة جيّدة ومهمّة للفكر اللبرالي ، ولحزب سياسي ما زال غير معروف بين السوريين ، ويحتاج الى وقت وجهد للتعريف برؤيته ، وتطلّعاته.
جزيل الشكر للأستاذ أسامة لإتاحته هذه الفرصة ، وللسيّد خالد . نرجو للجميع التوفيق.