مُصابو الحرب السورية.. ما لهم وما عليهم
الحرب هي ليست ما يحصل الآن فقط..
هي ما ستتركه لنا بعد أن ترحل..
ما سنكون عليه بعد سنوات..
الضياع، الجهل، الأمراض النفسية، انعدام البنية التحتية للوطن وضياع الهوية..
الحرب..
هي ما سيستمر بنا بعد أن يتوقف صوت الرصاص..
لكن ربما من أصعب ما تتركه الحرب من آثار.. هي التي تكون على أجسادنا..
أبو ساري الشامي
مصاب حرب
يقول أبو ساري الشامي وهو شاب تعرض لبتر في قدمه اليسرى:
كانت إصابتي بتاريخ 12/12/2012 أي منذ ثماني سنوات تقريباً. تعالجت لفترة في أحد المشافي في شمال سوريا.. ثم حين قرر الأطباء بتر قدمي.. تم تحويلي لأحد المشافي بتركيا..
بداية وجودي في تركيا كان بسبب العلاج فقط ولكن بمرور الوقت ولطول فترة إقامتي والاستقرار هنا بدأت أفكر بالتخطيط لمستقبلي وتحويل الإقامة من العلاج فقط للعمل على تطوير نفسي.. لأني أؤمن بالمقولة “مهنة في اليد.. أمان للغد”
حصلت منذ فترة – عن طريق إحدى المنظمات – على دراجة نارية بثلاث عجلات بدأت بالتنقل والعمل عليها.. وأنا حالياً أعمل على تطوير فكرة مشروع بيع وشراء الأثاث المستعمل، بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبسؤالنا له عن دور المنظمات أو المؤسسات في دعم هذه الفئة قال: هناك دعم من بعض المنظمات لكنه يقتصر على الدعم والعناية الطبية وتقديم الأطراف الصناعية التي يتم منحها مجاناً فقط.. وهناك بعض المنظمات الأخرى التي تؤمّـن للمصاب المأوى والطعام خلال فترة علاجه.. أما كدعم للمستقبل بفتح مشاريع أو ما شابه.. فهناك هيئة واحدة فقط تعمل منذ فترة على مساعدة المصابين لبناء مشاريعهم الخاصة وذلك بمنحهم وسيلة مواصلات صغيرة يستطيعون بها أن يعملوا مثلاً ببيع الخضار أو بتوصيل الطلبات.
ويتابع: جربت الكثير من الأعمال التي أستطيع أن أمارسها مع إصابتي كالتجارة والعمل بالبرمجة وفي المواسم الزراعية أعمل بجني الثمار.. فبالرغم من صعوبة هذا العمل على المصاب إلا أنه يعود بمردود جيد يتراوح ما بين (70-100) ليرة تركية يومياً.
عن أحلامه يقول أبو ساري الشامي: أحاول حالياً أن أثبت نفسي في مجال التجارة.. مع العمل على تطوير مشروع لدعم ومساعدة من يعانون من إصابات جسدية، لمنحهم فرصة للوقوف من جديد وممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
أما حلمي الأكبر فهو تركيب (طرف صناعي رياضي) لأني قمت مرتين بتركيب طرف صناعي عادي وفشل الأمر بسبب ثقل الطرف إذ إن وزنه قد يصل لأربعة كيلو غرامات والبتر الذي في قدمي قصير.
لقد وصلت لإيمان ونتيجة أعتقد أني لم أكن لأصلهما إن لم يمتحني الله بهذه الإصابة.
بتر قدمي جعلني أرى الحياة بمنظور مختلف تماماً.. خلق بداخلي قوة وحباً للخير وللآخرين وجعلني أتعمق بالعلم والدراسة وأعتقد أني خلال السنوات الثمانية الماضية قطعت شوطاً كبيراً بتطوير نفسي، قد لا يستطيع إنجازه من هو معافى.
صبا قسوم
صبا قسوم (ملاك يجلس على كرسي متحرك)، هكذا رأيتها في أول لقاء لنا، حين التقينا في دورة مهنية للفنون التشكيلية.
قالت صبا: أصبت في شهر نوفمبر من عام 2014 إثر شظايا برميل ألقته علينا طائرة، تسببت هذه الشظايا في ضرر بالنخاع الشوكي وأصبت بشلل نصفي في الأطراف السفلية. وبما أن العلاج غير متوفر في المشافي الميدانية في سوريا فقد أتيت إلى تركيا أملاً في العلاج أولاً، وفي مستقبل أفضل ثانياً.
منذ مجيئي عملت على وضع خطط لتطوير نفسي ولأكون عضواً فعالاً في المجتمع الذي جئت إليه.
تتابع صبا: بشكل عام لا يوجد دعم ثابت لهذه الفئة، لكن هناك بعض المصابين يتلقون مبلغ يتراوح بين (600-700) ليرة تركية شهرياً من الهلال الأحمر.
نحن مصابو الحرب، غالبيتنا ليس لدينا أية مشاريع خاصة أو أعمال نعتاش منها، والقليل منا استطاع أن يحصل على عمل ليعيل نفسه وأسرته.
هناك بعض المنظمات تؤمّـن لنا الأدوات الطبية كلٌ حسب حالته الصحية، ولكن هذا أيضاً يكون بشكل مؤقت وليس دائماً، إذ إننا فعلياً لم نجد من يتبنانا كأشخاص فاعلين في هذا المجتمع..
أما عن أحلامها فتقول صبا: آمل أن تتوفر لنا بيئة تناسب احتياجاتنا وأن تتوفر لنا المتطلبات الطبية الأساسية أو دخل شهري.. ونستطيع متابعة تعليمنا الذي انقطع بسبب الإصابة..
ختمت صبا حديثها برسالة أرادت أن توصلها نيابة عن كل مصاب:
“إن الاختلاف لا يعني العجز بل هو رسالة للمجتمع وبشكل قوي ومؤثر بأن كل شخص في هذه الحياة لديه رسالة خُلق لها وأنه حتى مع الابتلاء والإصابة.. يستطيع أن يحقق ما يريد بإيمانه بالله وبالهمّة العالية الدائمة مع استمرارية التطوير.. الاهم ألا ننطفئ من الداخل وكل شيء ممكن رغم الظروف”.
سمير الكراد
مصاب حرب
سمير الكراد متزوج وأب لثلاثة أطفال أصيب في الشهر الرابع من عام 2018 في مدينة دوما بالغوطة الشرقية نتيجة قصف من طائرات النظام.
يقول: في بداية الأمر كان سبب خروجي من سوريا هو تلقي العلاج والتأهيل، لكن بعد ذلك قررت الاستقرار في تركيا لسهولة الحياة هنا بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة مقارنة بصعوبة الحياة في الداخل السوري وأحاول حالياً أن آتي بعائلتي أيضاً لتبقى بجانبي.
تقوم بعض المؤسسات هنا بتقديم الدعم لمصابي الحرب لكنه دعم بسيط ويُـقـدَّمْ لفئة قليلة منا، أما الفئة الأكبر فلا تتلقى أي دعم أو مساعدة.
يجب أن تتبنى جهات مختصة ذوي الاحتياجات الخاصة وتؤمِّـن لهم فرص عمل أو تأخذ بيدهم للبدء بمشاريع صغيرة يعتاشون منها لأن معظمنا مازال قادراً على العطاء والكسب وحتى لا نكون عالة على المجتمع وعلى من حولنا.
أما عن أحلامي على المدى الطويل فهي أن تنتهي الحرب وأستطيع العودة الى سوريا لإكمال دراستي فقد كنت طالباً في السنة الأخيرة في كلية التربية/جامعة دمشق وحالت الحرب دون إكمالي لدراستي.
وأحلم أيضا برؤية أطفالي وهم يكبرون بسعادة كبقية أطفال العالم.
وللحديث عن تلك الفئة من المجتمع، التقينا السيد محمود قويدر المدير الإداري لدار عطاء وهي دار متخصصة باستقبال المصابين بأذيات الحبل الشوكي وأذيات الدماغ الرضية ومصابي الشلل
قال لنا:
نحن كدار مرخصة ومجهزة بشكل كامل تستقبل المصابين من ذوي الاحتياجات الخاصة، نقوم بتقديم جميع الخدمات الخاصة بهم.
فمن الناحية الطبية نحن نقوم بمتابعة العناية التمريضية لهم، إذ إن هؤلاء المصابين نتيجة تعرضهم للإصابات العصبية التي أفقدتهم الحركة بأحد أطرافهم السفلية أو العلوية أو كليهما غالباً ما يعانون نتيجة استلقائهم لفترة طويلة من تقرحات جلدية سببت لهم عائقاً أمام إتمام علاجهم الفيزيائي فنقوم بمتابعة هذه الإصابات باستخدام التجهيزات الحديثة والكوادر الصحية المختصة للوصول للشفاء التام لهذه التقرحات، ما يسهل عليهم متابعة علاجهم الفيزيائي.
ونعمل أيضا على تدريب المصاب للوصول به إلى الاستقلالية في خدمة نفسه ضمن برنامج تأهيل شامل.
كما ويتلقى هؤلاء الأشخاص في المركز جلسات إرشاد ودعم نفسي على يد مختصين مع توفر نظام الإحالة للطبيب في حال الحاجة إلى تدخل بمستوى أعلى مع استمرارية متابعته لضمان حصوله على الخدمة الطبية اللازمة.
فنحن نقدم للمريض الذي نستقبله الخدمات كافة بدءاً بالرعاية الصحية والإقامة والتنقلات والدعم والإرشاد النفسيين إضافة للطعام والأمور اللوجستية والمستلزمات الطبية الخاصة بهم فنحن نقدمها بشكل مجاني طوال فترة إقامة المريض بالدار.
ومن ناحية أخرى تعمل الدار بكامل جهودها على تأمين كل ما يلزم من الجانب النفسي للمريض.
فغالباً ما يأتي المصاب بوضع نفسي سيء ونظرة سلبية للحياة وللمجتمع بسبب إصابته وفقده لحركة أطرافه، بالإضافة لفقده لوظيفته أو انقطاعه عن دراسته.
فنعمل – إلى جانب العلاج الجسدي – على العلاج والدعم النفسي لإعادة تأهيله نفسياً ومعنوياً والعودة به للحياة الطبيعية والاندماج بالمجتمع والبيئة التي حوله وتعزيز الجوانب الإيجابية لديه لتقبل الواقع الجديد من خلال تقديم دورات مهنية وإدارية وحرفية مناسبة لوضعه الصحي الجديد لمساعدته على تحصيل مصدر رزق جديد بعد انتهاء فترة إقامته وعلاجه الفيزيائي.
وأضاف السيد قويدر: هؤلاء المصابين بحاجة لرعاية واهتمام كبيرين وأيضاً بحاجة ماسة لدعمهم بمشاريع عمل يستطيعون بها الخروج من الوضع السلبي الذي يعيشونه والاندماج بالمجتمع لصرف نظرات العطف والشفقة وليكونوا أناساً فاعلين، لأنهم يمتلكون طاقات وقدرات كبيرة فقدوا التركيز عليها. لكن للأسف نحن كمركز يهتم بتلك الفئة لا نستطيع تغطية جميع المصابين.
هناك بسبب وجود عدد كبير في مدينة الريحانية ممن خرجوا من سوريا بإصابات وهم بحاجة لعلاج ودعم كبيرين، فنحن نحاول بكل ما نستطيع وبكل الإمكانيات المتوفرة أن نقدم خدماتنا لأكبر شريحة منهم. ومن الملاحظ خلال عملنا في هذا المجال أن هناك شريحة كبيرة من مصابي الحرب تسعى للهجرة لدول أوربية أملاً في العلاج المتطور أو في الحصول على رعاية طبية أفضل، أو سعيا لمستقبل أكثر أماناً، خاصة أن بعض هؤلاء قد نبذوا من ذويهم ومجتمعهم بعد تعرضهم للإصابة.