fbpx

مَنْ سيفوز بالانتخابات التركية، وما انعكاساته على إجراءات ومآلات التسوية السياسية الراهنة؟

0 66

 بخلاف ما يعتقده الرأي العام النخبوي، ببدو لي أنّ الفارق كمّي بالنسبة لتأثير نتائج الانتخابات الرئاسية التركية على تقدّم مآلات التسوية السياسية الجارية في سوريا والإقليم منذ مطلع 2020؛ والتي تشكّل المرحلة الأخير من صيرورة الخيار العسكري الطائفي، الذي أطلقه تحالف القوى التي تعارضت مصالحها مع قوى وجمهور ومسار وصيرورة الانتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي التي جعل منها حراك السوريين السلمي الإصلاحي في ربيع وصيف 2011 إمكانية.
رؤيتنا تعتمد على قراءتنا لوقائع ثابتة في العلاقات التركية/ السورية/الامريكية المرتبطة بقضايا الصراع على الإقليم وسوريا، كما على فهمنا لطبيعة الصراع ذاته:

1- تقاطع المصالح العليا للدولتين السورية والتركية، هي واحدة من أبرز حقائق الصراع، في جميع مراحله، منذ ربيع 2011.

لأنّ إيجاد حلّ سياسي وطني للصراع خلال 2011 كان سيقطع مسار الخيار العسكري الطائفي ويحمي مقوّمات الدولة السورية، وكان بالنتيجة سيمنع، في المراحل التالية عواقب الخيار العسكري الطائفي على الأمن القومي التركي التي شكّل أخطرها مسألة اللاجئين وقيام كانتون أمريكي، كما ويوفّر في هذه المرحلة من التسوية السياسية ظروفاً آمنة لعودة اللاجئين، وإطلاق مشروع وطني لإعادة إعمار ما دمّره خيار الحرب – على صعيد الإنسان، والاقتصاد والسيادة – وهو مصلحة سوريّة، وطنية، ديمقراطية، بما هو مصلحة تركية، لأنه يؤدّي، في السياق والصيرورة، إلى إزالة أهمّ التحديات التي واجهتها تركيا من عواقب الحرب – قضية اللاجئين، ومعضلة مشروع الكانتون الأمريكي!.

2- تعارض المصالح العليا المشتركة السورية التركية مع سياسيات السيطرة الإقليمية والسورية للولايات المتّحدة.

لتشابك مصالح الولايات المتّحدة وسياساتها، التي تقوم على أرضية تتناقض مع قوى وأهداف الانتقال السياسي السلمي، والتغيير الديمقراطي، مع تيّارات الإسلام السياسي وسلطات الأنظمة الديكتاتورية/ الطائفية، وقد شكّل أبرز تجلياتها في مواجهة حراك السوريين السلمي خلال 2011-2014 (كما في العراق ما بعد الغزو)، ما تحقق عملياً من تقاطع جهود وسياسات الولايات المتّحدة مع جهود أنظمة إيران وسوريا والسعودية، وأذرعهم الميليشياوية، حول إجهاض مسار الحل والانتقال السياسي، ودفع الصراع على مسار الخيار العسكري الطائفي الميليشياوي.

3- تعارض المصالح العليا المشتركة السورية التركية مع أهداف وخطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية الشاملة الراهنة.

  • لأنّ المرحلة الراهنة في الصراع على سوريا والإقليم هي مرحلة التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، التي تعمل، على الصعيد الإقليمي، على خلق حالة من التهدئة المستدامة (التطبيع) بين القوى التي تصارعت على الحصص ومناطق النفوذ خلال مرحلة ثورات الربيع العربي وحروب الثورات المضادة للتغيير الديمقراطي التي أعقبتها، وواجهتها، وانتصر فيها تحالف قوى الإسلام السياسي والعسكر (الحليف الرئيسي للولايات المتّحدة) وتعمل، بشكل متزامن ومتساوق، على الصعيد السوري، على إعادة تأهيل سلطة النظام السوري وسلطة قسد.
  • ما تبيّنه الوقائع هو أنّ الهدف الاستراتيجي لخطط وسياسات التسوية السياسية الأمريكية، الذي تعمل على تحقيقها سياسات وجهود الولايات المتّحدة منذ 2014، تتعارض مع أهداف ومسار الحل السياسي الوطني السوري، الطريق الوحيد لمعالجة قضيّتي اللاجئين والكانتون اللتين تشكّلان خطرا على الأمن القومي التركي، وهو العامل الأساسي في تحديد طبيعة العلاقات الإقليمية الأمريكية التركية، وهو ما يجعلنا ندرك طبيعة التناقض، وصعوبة حصول توافقات إستراتيجية في العلاقات التركية الامريكية، بغضّ النظر عن الهوية السياسية لسلطة النظام التركي!.
  • لأنّ النظام التركي الراهن قد اضطرّ إلى الانخراط في العملية السياسية الأمريكية في مطلع 2023، التي عارضها عسكريا وسياسيا بين 2015-2022، عبر سياسات التطبيع؛ رغم تعارضها مع مصالح تركيا العليا، التي يجسّدها عدم وجود حل سياسي وطني لقضية اللاجئين وقيام كانتون الإدارة الذاتية كقاعدة ارتكاز عسكرية أمريكية، ونهب اقتصادي أمريكية/تشاركي.
  • ولأنّ النظام الجديد – في حال فوز المعارضة، على الرغم من استعداده لتسريع الخطوات التي بدأها نظام الرئيس أردوغان- لن يتمكّن عملياً من تحقيق اختراقات كبرى، دون إيجاد حل سياسي لأكبر التحدّيات التي هدّدت الأمن القومي التركي- اللاجئين والكانتون؛ وهما القضيتين الإشكاليتين في العلاقات التركية الامريكية المرتبطة بمشروع التسوية السياسية الأمريكية الراهنة.

أعتقد أنّ النموذج الديمقراطي الذي تقدّمه تركيا، (خاصّة بعد التغيّرات الكبيرة التي طرأت على نموذجها السياسي خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية، وقلّص إلى درجة كبيرة دور الجيش في مصادرة الحياة السياسية الديمقراطية)، كشعب ومعارضة ونظام، في محيط واقع مختلف، كان لسياسات السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة وطبيعة أدواتها وعلاقاتها التشاركية العامل الأساسي في تصنيعه، وبغض النظر عن الفائز في الانتخابات، يشكّل سببا ومحفّزاً إضافياً لاستمرار جهود الولايات المتّحدة وشركائها في الحكومات الديمقراطية وأنظمة الإقليم لتقويض النظام الديمقراطي التركي؛ بغضّ النظر عن هويّة سلطته، ومبرّرات الصراع.

تّدرك الولايات المتّحدة جيداً الأخطار التي يشكّلها وجود نظام ديمقراطي، في دولة إقليمية مركزية كتركيا، على طبيعة الأنظمة التي صنّعتها، وعملت على ترسيخها على ضفّتي الخليج ومحيطه الجيوسياسي طيلة حقبة الحرب الباردة وما بعدها، منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وفي مواجهة ثورات الربيع الإقليمي خاصّة، في نموذجيها السعودي والإيراني، اللذين باتا يسيطران على دول المنطقة الأكثر أهميّة في خطط السيطرة الإقليمية والهيمنة العالمية للولايات المتّحدة! قد يكون الفارق الوحيد في الأسلوب والوسائل.

على أيّة حال، تبقى انتخابات اليوم وفقا للحيثيات والسياق والمأمول، من أهم الانتخابات الرئاسية التركية منذ تأسيس الجمهورية قبل 100 عام، وهي أصعب امتحان بالنسبة للرئيس أردوغان، وحزبه، بما يواجهه من معارضة موحّدة، وفي ظل وضع اقتصادي ليس لصالحه وتعقيدات علاقات نظامه الإقليمية والأوروبية/الأمريكية؛ وهي نفس الأسباب التي ترجّح فوز المرشّح الرئاسي أردوغان بفارق ما، من الجولة الأولى، أو في الإعادة!.

توقعي يستند على رؤية أنّ من مصلحة تركيا، شعبا ودولة، أن تواجه التحدّيات الداخلية والخارجية المستقبلية بسلطة موحّدة، ورئيس ذو خبرة واسعة، على أن تواجهها بتحالف مصالح حزبية خاصّة، ترتبط معظم أطرافه بأجندات خارجية؛ كما يستند على إدراكي بأهميّة الاستقرار والتطوّر الديمقراطي في تركيا بالنسبة لسوريا، وقدرتها على تجاوز بعض عواقب الحرب.
توقعي يتعارض مع مصالح وآمال الحكومات الاوربيّة وشريكهم الأمريكي، الذين يعتقدون أنّ فوز المعارضة في هذا اليوم التاريخي قد يغيّر قواعد اللعبة، سواء بالنسبة لتركيا أو للغرب؛ سيمثّل انتصارا للديمقراطية وضربة ضد الاستبداد الراسخ. لكنه سيوفر أيضًا فرصة حقيقية للغرب لبدء إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة به بعيدًا عن الصين وتجاه الدول الصديقة. إنها فرصة لا يجب تفويتها!. .(The Washington Post).

بكلّ الأحوال، تبقى الحقيقة الأبرز في الصراع التاريخي بين الشعوب وقضاياها العادلة، وبين جبهة القوى المعادية، التي تقودها الولايات المتّحدة، أنّ ما يراكمه الشعب التركي من خبرة، ويصنعه من نضج في التجربة، يصعّب محاولات الولايات المتّحدة، ويعطي فرصة وأملاً لجميع شعوب المنطقة.

السلام والديمقراطية والعدالة لجميع شعوب المنطقة، المنكوبة بسياسات وأدوات السيطرة والنهب الإقليمي التشاركية!.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني