fbpx

مواقع التّواصل الاجتماعيّ بين الذّهنيّة الذّكوريّة والانتقاص من الحقوق

0 184

شهد القرن الحاليّ ثورة رقميّة، لها دور مهمّ في نقل المعلومات، وبلورة الآراء، وقد
أصبحت لاعباً أساسيّاً في المشهد السّوريّ بعد عام 2011، حين وجد السّوريون أنفسهم أمام واقع افتراضيّ
خلق لهم مساحة بديلة عن المساحة الفعليّة للوطن.

استفادت المرأة السّوريّة من مواقع
التّواصل الاجتماعيّ، فباتت تستخدمها بكثرة، لا بل أصبحت في كثير من الأحيان مدمنة
عليها، فالفضاء المفتوح شكّل لها اختراقاً لم يكن باستطاعتها فعله بهذا القدر من
الوضوح، حيث كسرت القطيعة التّواصليّة بينها، وبين الرجال، فكان عالَماً افتراضيّاً
تهرب إليه بحثاً عن ذاتها، أو تمضية للوقت الضّائع أحياناً، وربّما في أحيان أخرى
بحثاً عن زوج المستقبل، وهذا ما أفسح المجال لمضايقتها وازداد تعرّضها للتّحرّش
الجنسيّ والاعتداءات اللّفظيّة؛ نتيجة الخلط الواضح بين حريّة التّعبير والكراهية من
جهة، وغياب الضّوابط الأخلاقيّة والاجتماعيّة بما فيها ضوابط الفيسبوك (التي تطورت
مؤخراً إلى حدود الرّقابة) من جهة أخرى.

سُوّق خطاب الكراهية (HATE
SPEECH)، والابتزاز، والقمع، والرّقابة ضدّ النّساء في سوريا عبر مواقع
التّواصل الاجتماعيّ سريعاً وبطريقة مسيّسة، ولاسيّما بعد اندلاع الحرب التي قسّمت
المجتمع السّوري إلى معسكرين متضادّين يقوم كلّ واحد منهما على شيطنة الآخر،
واتّهامه، خاصّة إذا كان يعمل في الشأن السّياسيّ. كما حدث مع النّاشطات
السّوريّات، والحقوقيّات، والعاملات في الشّأن العامّ، اللّواتي تعرضنَ إلى حملات
تمييزيّة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ، تهدف إلى تشويه سمعتهنّ مستخدمين بحقهنّ الأذى
اللّفظيّ، والتّحرّش – المتجذّر أصلاً في المجتمع السّوريّ – وبصورة علنيّة قد
تطال العائلات، فيظنّ الرّجل أنّ من حقّه تسفيههنّ على المنصّات الاجتماعيّة
لمجرّد أنّهنّ يتبنّين نهجاً سياسيّاً أو فكريّاً يتعارض مع نهجه. ولعلّ النّظام
السّوريّ ببنيته الأمنيّة الذي لا يعترف بوجود معارضين له، وينظر إليهم كجراثيم،
كان له دور كبير في انتشار خطاب الكراهية ضدّ هؤلاء النّساء، فقام عناصر مخابراته باختراق حساباتهنّ على
الفيسبوك، والتّشهير بهنّ؛ ما دفع أسرهنّ إلى قمعهنّ خوفاً عليهنّ من الأذى،
والابتزاز الإلكترونيّ، حيث يمكن لأي شخص إطلاق شائعات حولهنّ والتّهجم عليهنّ،
كما حدث مع المعارضة سهير الأتاسي.

سبّبت مواقع التّواصل الاجتماعيّ الكثير
من المتاعب للمرأة المتفاعلة، التي يمكن بلورتها في: الشّعور بالفشل؛ فهي حين
تتابع نجاح أخريات برزن بصورة مثاليّة عبر صفحات التّواصل تجد نفسها عاجزة عن استنساخ
الصّورة المماثلة لما هو معروض أمامها، فتصاب بالإحباط والخيبة حين لا تدرك أنّ
هذه الصّورة المثاليّة أكبر من الصّورة الحقيقيّة، وأنّها بدل الإحباط، يتوجّب عليها
النّظر إلى هذه الصّورة المثاليّة كحالة إيجابيّة تعمل على تحفيزها.

سبّب لجوء المرأة في سوريا إلى مواقع
التّواصل للبحث عن زوج في كثير من الأحيان صدمة عاطفيّة، فهي عندما تكتشف خداع من
قدّم نفسه كفارس أحلام لها، مختبئ وراء شاشة محموله،
يفرد لها جناحين وهميين، فتبدأ بالاطمئنان، وتسرد له خصوصيّاتها، فيستغلّها،
مكشّراً عن أنيابه، وقد يلجأ إلى ابتزازها، فيلحق بها الأذى النّفسيّ والعاطفيّ. وربّما
لهذا السّبب، ولأسباب كثيرة غيرها، أصبح للنّساء السّوريّات عالمهنّ الفيسبوكيّ المحظور
على الرجال الدّخول إليه، وزادت الرّغبة – سيّما بعد اشتداد الحرب – عند النّساء
السّوريّات في إبراز قصصهنّ للعلن، فلجأن إلى إنشاء صفحات نسائيّة بحتة، تطرح
قضايا اجتماعيّة وفكريّة نسائيّة شديدة الحساسيّة، فتقدّم الحلول لهنّ، كقضيّة
التّحرش على مواقع التّواصل، والخوف من المحيط المحكوم بالعادات والتّقاليد،
والنّظرة الذّكوريّة تجاههنّ، وامتناع الكثيرات عن الإبلاغ عمّا يتعرضن له من عنف وابتزاز
خوفاً من القطيعة المجتمعيّة والعائليّة، كما تتيح تلك الصّفحات الفرصة للنّساء لعرض
منتوجاتهنّ – إن وجدت – فتساعد في تأمين مصدر رزق لبعضهنّ مثل صفحة (حقّانيّات).

إنّ العقليّة الذّكوريّة والقبليّة
المسيطرة على المجتمع السّوريّ ترى المرأة ضعيفة، ومن السّهل التّنمر عليها بطريقة
مباشرة، أو بالإيحاء، مستخدمين أسلوب السّخرية على سبيل المزاح (فطيسة – عرعورة –
نسوان)، وكلّما زادت الميزوجينية (كراهية النّساء) في الفضاء الإلكترونيّ، يزداد
معها انكفاء وبُعدُ الكثيرات عن التّفاعل على وسائل التّواصل، وخاصّة العاملات في الشأن
العام على سبيل المثال.

لايصحّ التّركيز فقط على الجانب السّلبيّ
في تعامل المرأة مع مواقع التّواصل الاجتماعيّ، فقد استطاعت تلك المواقع
الافتراضيّة إفساح المجال أمام الكثيرات للتّعبير عن تجاربهنّ، وخلق هوامش أكبر للتّوعية،
وإيصال أصوات النّساء وقضاياهنّ إلى المجتمع من أجل العمل على تغيير النّظرة
النّمطيّة تجاههنّ، ومساعدة المنظمات على استخدام هذه المواقع لاستهداف أكبر عدد
من النّساء ورفع الوعي لديهنّ، وتوفير أرضيّة للنّقاش، فالقضايا النّسويّة ليست
مقبولة اجتماعياً، ويتطلّب طرحها البعد عن الشّخصيّ، والتّركيز على العام من أجل
المساهمة في فرض وجودهنّ ليس في الواقع الافتراضيّ فحسب، إنّما في الواقع الحقيقيّ
أيضاً، وتوعية الضّحايا وتشجيعهنّ على التّبليغ عن أيّ إساءة يتعرضن لها.  

يكون خطاب الكراهية في المجتمعات المكبوتة
والمحرومة من الحرية تصفية حسابات مع الخصوم، ويزداد في الأزمات السّياسيّة، ولكبح
هذا الخطاب نحتاج إلى تهيئة أرضية تكرّس المحبّة واحترام الآخر، وفرض قوانين رادعة
في حقّ المستخدمين المسيئين المستسهلين لخطاب الكراهية، وإطلاقه، والتّرويج له.   

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني