من القطب الشمالي إلى الساحل.. هدف موسكو أوروبا.. تعليق مانتشولي
مدير جمعية يوروبا أتلانتيكا (أوروبا الأطلسية) أندريا مانتشولي، يقول، على صفحات مجلة ايربريس الإيطالية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد زعزعة استقرار القارة الأوروبية وهو يفعل ذلك من خلال تطويق أوروبا من القطب الشمالي إلى منطقة الساحل مع اقتراح رؤية سيادية وسلطوية لا تتوافق مع قيم الغرب للديمقراطية والحرية.
وإلى نص المقابلة بحسب موقع “ديكود 39” الإيطالي:
تجاوز الصراع في أوكرانيا الآن شهره الثالث من الحرب فيما يتركز الهجوم الروسي الآن في جنوب البلاد. مع فشل المرحلة الأولى من الغزو، ما أهداف موسكو الآن؟
روسيا منخرطة في أوكرانيا في حرب برية كلاسيكية. بالنسبة لموسكو، هذه مشكلة، لأن للدفاع ميزة في هذا النوع من المواجهة. تمكن الأوكرانيون من الاعتماد على مساعدة الغرب خصوصاً الدفاعات الطليعية المضادة للدبابات والطائرات التي تم استغلالها بشكل كبير: تمكنت القوات المسلحة في كييف من ضرب العناصر المركزية في اللوجستيات والقيادة. من منظور إستراتيجي، الروس متماسكون في الجنوب في محاولة لمنع وصول أوكرانيا إلى البحر.
التواجد الروسي على المستوى الدولي يعود إلى ما قبل الحرب بفترة، مع انخراطها أيضاً في مسارح مختلفة من القطب الشمالي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. ما خطة الكرملين طويلة المدى؟
الاستراتيجية الروسية تتمثل في عدة عناصر. الهدف الأول كان ممارسة السيطرة على المناطق المجاورة.. فكر في القوقاز وجورجيا وأوكرانيا وربما ترانسنيستريا. القطب الشمالي هو سيناريو استراتيجي مهم جداً يجري الاهتمام به قليلا. وسيؤدي ذوبان الجليد إلى جعل هذه المنطقة صالحة للملاحة والوصول إليها بصورة متزايدة مع تحرير الاحتياطيات الغنية من الهيدروكربونات الموجودة هناك. إنها منصة لوجستية ضخمة قادرة على تعطيل الاقتصاد العالمي. روسيا والصين تبنتا موقفاً عدوانياً تجاه هذه المنطقة وهو موقف يضر بشكل خاص بأوروبا حيث لها مصالح مباشرة في القطب الشمالي. فيما ينبغي إضافة جبهات بعيدة من الشرق الأوسط إلى إفريقيا.
هناك أخبار مقلقة من منطقة الساحل بشأن زيادة الأنشطة الروسية ووجودها في منطقة استراتيجية للديناميكيات الجيوسياسية الحالية والمستقبلية…
في المغرب، من الواضح الآن أن تحرك موسكو تم التخطيط له بعناية لضبط تنمية المنطقة. الحزام من المغرب العربي إلى القرن الأفريقي يمر بعدم الاستقرار المحلي والمشكلات من تغير المناخ إلى نقص المياه إلى الاتجار بالبشر وطرق الإرهاب العابر للحدود ومع اغفال الثقل الاقتصادي للمنطقة، تريد موسكو استغلال نقاط الضعف هذه للضغط مباشرة على أوروبا.
هناك زيادة في أنشطة المرتزقة الروس تحديداً مجموعة فاغنر في إفريقيا وخارجها، ما الدور الذي تلعبه هذه التشكيلات “شبه العسكرية” في استراتيجية موسكو؟
تستخدم روسيا بالإضافة إلى مرتزقة فاغنر، أيضاً ميليشيات محلية تنتمي أحياناً إلى منظمات إرهابية للدخول في الديناميكيات الإقليمية المختلفة، مع استغلال المساحات الفارغة التي تركها الغرب. من الأخطاء التي ارتُكبت في شمال إفريقيا والساحل من الدول الأوروبية، أذكر على سبيل المثال التنافس الضار الذي شاركت فيه إيطاليا وفرنسا، أو طرد سفير باريس من مالي، حيث أعطت هامشاً واسعاً للمناورة لموسكو. أظهر الكرملين أيضاً أنه يستخدم الجماعات شبه العسكرية التابعة لمنظمات إرهابية حتى في المناطق القريبة.
هل توضح الصورة بشكل أفضل؟
مثلاً بعض الميليشيات السورية تقاتل حالياً في أوكرانيا. وليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها موسكو هذا النوع من المقاتلين الأجانب، كما كان مع المقاتلين الإسلاميين في البلقان. استخدام بوتين للكتائب الشيشانية في أوكرانيا يظهر إمكانية استخدام هذه العناصر في المستقبل لزعزعة استقرار أوروبا من الداخل أيضاً. تهديد لا يجب التقليل منه.
هل يبدو أن الهدف دائماً هو أوروبا؟
الاستراتيجية الروسية كلها هدفها تقويض أوروبا، وهو الهدف الحقيقي لعمل موسكو أكثر بكثير من الولايات المتحدة. وهذا هو الخطأ الذي ارتكبته بعض الخطابات المعادية لأمريكا والتي تعتبر العدوان الروسي بمثابة رد فعل على “تهديد” يأتي بشكل مختلف من واشنطن أو حلف الناتو.
روسيا أطلقت أيضاً حملة تضليل ودعاية على المستوى العالمي، تعود إلى ما قبل الغزو بفترة طويلة. ما هدف موسكو؟
روسيا تريد أن يكون لها دور بارز في القارة الأوروبية، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف تريد تفكيك مفهوم أوروبا واستبداله بقراءة قومية. إنها دعاية وعمل “قوة ناعمة” اعتبر في إيطاليا للأسف واحدة من هذه البؤر. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرض فكرة هوية الشعب السلافي على أساس الدين والوطن واللغة داخل روسيا نفسها. ثم انتقلت إلى دول أخرى مثل البلقان (خاصة صربيا)، ثم انتقلت أيضاً إلى دول أوروبية أخرى كالمجر وحتى إيطاليا.
ما الإجراءات المضادة التي على أوروبا والغرب اتخاذها؟
على أوروبا عدم تقسيم نفسها مع تذكر أن التحدي من أجل الديمقراطية والحرية تحدي للجميع. ما يجري الآن هو قبل كل شيء معركة أيديولوجية بين قيم الديمقراطية وقيم الاستبداد.
الخطر الآن في وجود “بيروقراطية” أكثر من اللازم للمثل العليا في قاعدة أوروبا. على القارة الأوروبية أن تضغط من أجل كسر هذا الجدار الجديد من اللامبالاة والمساواة على مستوى عالمي، ومن الضروري وجود عمل سياسي معقد وقوي تتبناه أوروبا والغرب.
والدفاع الأوروبي؟
الأولوية بالتأكيد تتمثل في فعل هذا الأمر في انسجام مع حلف الناتو، علينا التخلي عن فكرة أن الدفاع الأوروبي مستحيل. هذا يعني الاستثمار أكثر وتبسيط وتجنب الازدواجية. الاستثمار أكثر والتركيز على التقنيات الناشئة من الأمن السيبراني إلى الدفاعات المضادة للصواريخ.