من أين تشرق شمس سوريا؟
يكثر الحديث وبشكل متصاعد عن حل هنا واقتراح هناك، وعن شخصية يجري الحديث حول تسلمها قيادة المرحلة الانتقالية أو تشكيل مجلس حكم انتقالي، ومن ثم ينتقل الحديث لشخصية أخرى، وتسيل الأقلام في تعداد مزايا وعيوب كل شخصية على حدة، ويزدحم الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي بردود الفعل التي تمتد من أقصى القبول لأقصى مراحل الشتم والسب والتخوين، يختلف السوريون على كل شيء ولا يتفقون على شيء.
فجميع الشخصيات التي يتم تداولها مثيرة للجدل حسب مناصري الأطراف الأخرى، وتكثر التسريبات والتحليلات التي تتناول الوضع السوري وطريقة الخروج الآمنة لحل يقبل به السوريون، ولعل شخصيّتي رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق المنشق عن جسم نظام الأسد السياسي والإداري بوصفه أعلى منصب سياسي ينشق عن نظام الأسد، والمنسق العام السابق للهيئة العليا للمفاوضات قبل استقالته منها قبيل توسعتها في مؤتمر الرياض2، والتي قيل حينها إنها أتت بسبب ضغوط مورست عليه لتقديم تنازلات في ملف المفاوضات مع نظام الأسد.
وبين رئيس الائتلاف الأسبق ورئيس حركة سوريا الأم أحمد معاذ الخطيب، الذي تنسب إليه مقولة الشمس تشرق من موسكو.
المقارنة بين الرجلين قد تزيد من حدة الانقسام السوري/السوري، فلكل منهما أنصاره ومؤيديه، لكن الحديث عن الفروقات قد يجعل من النقد أقل حدة فيما لو تمت المفاضلة فيمن سيكون وجوده.
ففيما يعتبر معاذ الخطيب طارئاً على الملفات السياسية، وهو القادم من خلفية دينية وابن المؤسسة الدينية في نظام الأسد، وبالتالي يعتبر ضعيف الخبرة السياسية، وهو ما ظهر في خسارته وفريقه مقعد سوريا في مجلس الجامعة العربية نتيجة ضعف الأداء السياسي للائتلاف حينها والانقسام السياسي والفكري والأيديولوجي لأطرافه المشاركة فيه.
بالمقابل يتمتع حجاب بديناميكية أكبر ومعرفة سياسية وإمساك بالملفات بصورة أفضل من الخطيب، باعتباره ابن المؤسسة السياسية السورية، كما أنه يتميز بقبول دولي مهم تمثل مؤخراً بزيارته للولايات المتحدة اللاعب الأبرز في اللعبة السورية، بالمقابل يحظى الخطيب بموافقة عربية وقبول روسي تمثل باجتماعاته المتكررة مع الروس، والتي كان آخرها مع المسؤول عن الملف السوري في الخارجية الروسية بوغدانوف، مراهنة الخطيب وفريقه السياسي على الدور الروسي تنبع من قناعته بأهمية موسكو التي لا ينكرها أحد، لكنه – من ناحية أخرى – يعتبر تشريعاً للوجود الروسي في سوريا عبر القبول بسياسة الأمر الواقع، تلك البراغماتية التي ربما كانت ستعد ميزة لو وظفت بصورة صحيحة، تؤثر بشكل أو بآخر على قدرة فريق الخطيب السياسي على إقناع جمهور الثورة بذلك.
وفيما يتمتع الخطيب بدعم القوى الاجتماعية المدينية، خاصة تجار دمشق وقسم من تجار حلب، الذين يرون فيه امتداداً للحكم المديني الذي ساد قبيل الوحدة مع مصر، يحظى حجاب بدعم الطبقات الأقل تأثيراً بالحالة السياسية لكنها الصوت الأغلب فيما لو تمت انتخابات نزيهة من أجل الانتقال للحل النهائي، كذلك يمتلك حجاب كاريزما سياسية وخطاب سياسي يبدو أكثر حدة تجاه نظام الأسد، فيما يبدو خطاب حركة سوريا الأم أكثر دبلوماسية في انتقاء المواقف وربما يعود ذلك للتقارب الواضح مع الروس.
لا يمثل الاثنان الحالة الوحيدة التي يمثلها النقاش السوري، أو التسريبات المتعلقة بالحل، لكنهما يمثلان حالة خاصة في العملية السياسية السورية قد تكون الأكثر تجاذباً ولفتاً للانتباه عما سواها.
ما تشترك به الشخصيتان هو الانكفاء الآني عن الظهور في واجهة المشهد السياسي المعارض، والذي يبدو أنه استراتيجية اتبعاها، في ظل التراجع القيمي والمادي والفاعلية السياسية لقوى المعارضة السورية، خاصة الائتلاف المعارض الذي بات يفقد رصيده الجماهيري المنخفض أصلاً، الأمر الذي دفعه لسلسلة من محاولات إعادة الثقة انعكست سلباً عليه.
في ظل الاستعصاء السياسي الذي يشهده الملف السوري وحالة الانتظار لما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية، تحاول جميع الأطراف السياسية التقاط الأنفاس، ما يرجح ازدياد الفاعلية السياسية لهذه الأطراف، وينبئ بظهور تكتلات سياسية جديدة تعتمد في استمراريتها على قوة الطرح السياسي المقدم وعلى قدرتها على تمثيل السوريين وإقناعهم بطروحاتها والجدوى منها
وتميزها عن الفشل الذي وقعت فيه القوى التي عملت على تمثيل السوريين.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”