fbpx

من أجل الحَبِّ ذو العصفِ والرّيحان

0 141

استضافت إسطنبول التركية الجمعة الماضية مؤتمراً لتوقيع اتفاقية بين أوكرانيا وروسيا، وذلك لتذليل عقبات تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية من موانئ البحر الأسود.

فقد أعلنت الرئاسة التركية مساء الخميس أن روسيا وأوكرانيا ستوقعان الجمعة اتفاقاً بشأن تصدير الحبوب، وأضافت الرئاسة التركية أن الرئيس التركي أردوغان والأمين العام للأمم المتحدة وممثلين عن أوكرانيا وروسيا سيشاركون التوقيع.

نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق قال: إن الأمين العام للأمم المتحدة سيتوجه إلى إسطنبول في الوقت الذي يسعى مسؤولون أتراك ومن المنظمة الدولية إلى توقيع اتفاق بين روسيا وأوكرانيا لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية والصادرات الروسية من السماد من موانئ البحر الأسود، وأكد فرحان حق أن هذا الاتفاق ليس فقط اتفاقاً بين البلدين فحسب بل اتفاق لصالح العالم بأسره.

فمسألة الأمن الغذائي العالمي باتت من المسائل الشائكة في ظل الحروب التي تعيشها دول المنطقة، الحروب التي لم تعد تمتد آثارها فقط على الدول المتحاربة بل امتدت إلى دول بعيدة عن ساحات الصراع، وساحات المعارك، وأضحت تؤثر على بقية الشعوب التي بات كثير منها يمر بأطوار المجاعة خاصة في الدول التي لا تلحظ زراعة المحاصيل الاستراتيجية فيها من قمح ومن شعير وقطن ونباتات زيتية كالذرة وزيوت عباد الشمس.

الغزو الروسي لأوكرانيا هدد الأمن الغذائي العالمي وجعل من أسعار المواد الغذائية تقفز بشكل ملحوظ وجعلت من أسعار الزيوت والقمح وما ارتبط بها تستنزف أول ما تستنزف جيوب الطبقات الوسطى خاصة أن طرق الإمداد البحرية لهذه المواد باتت محفوفة بالمخاطر، ولا سيما في الموانئ الروسية والأوكرانية على البحر الأسود فقد قامت أوكرانيا بزرع الألغام البحرية في المناطق التي يتوقع أن تتقدم من خلالها القوات الروسية، الأمر الذي جعل الملاحة البحرية تتوقف بشكل شبه كلي ما جعل الناقل البحري والسفن التجارية توقف رحلاتها لتحميل المواد الغذائية من قمح وشعير وزيوت عباد الشمس نظراً للمخاطر الكبيرة من الإبحار في هذه المنطقة وهذا لا شك أدى إلى زيادة تكلفة نقل البضائع والمواد الغذائية في ظل هذه الظروف والعقبات التي تواجه الناقل البحري.

الأمين العام للأمم المتحدة غويتيريش أكد عقب توقيع الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا والراعي التركي بأن ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية المكدّسة ستحل بعد أن كان تصديرها معرقلاً وأضاف: بأن الجانب الروسي حصل على آلية لتصدير الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة وأمل غوتيريش من الجانب الروسي والأوكراني أن يكون هذا الاتفاق فرصة لتعزيز ثقة موسكو وكييف ببعضهما وبلوغ اتفاق أوسع بينما لوقف إطلاق النار.

الحرب الروسية الأوكرانية فتحت أعين الدول التي تريد أن تفتح عيونها من الدول على واقع جديد من آثار ونتائج الغزو الروسي لأوكرانيا فقد فتحت الدول عيونها على حقائق كانت تتغاضى عنها أو ربما على أمور كانت تراها ولكن تراها مؤجلة، ما حدث جعل من الخطط البعيدة للدول خططاً حالّة وعاجلة لا يمكن الانتظار أكثر لحلها، فقد وجدت الدول وخاصة الدول الغربية خطورة الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين في تمويل عجلتها الاقتصادية، فباتت تبحث عن بدائل لهذا الاعتماد والتقليل ما أمكن منه وربما ما فتحت الدول عينيها عليه هو أن يجب عليها أن تزيد في ميزانية وزارات الدفاع لديها بشكل غير مسبوق ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وسباق التسلح الذي بدأت تتسابق الدول لتكون الرقم واحد في هذا السباق كما فعلت ألمانيا وغيرها مؤخراً على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

الحبوب الأوكرانية والروسية وبقية المواد الغذائية التي تنتجها هاتين الدولتين باعتبارهما من كبريات الدول المنتجة لها، جعلت أسعارها ترتفع ارتفاعاً غير مسبوق للمواد الغذائية وللزيوت وللحبوب باعتبار أن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة لهذه المواد فقد بدأت الدول تدرك أهمية ما تعنيه زراعة المحاصيل الاستراتيجية وذلك لأهمية الأمن الغذائي لها ولمواطنيها بعد أزمة الحبوب وارتفاع أسعارها وأسعار المواد المتعلقة بهذه المحاصيل الاستراتيحية.

اتفاقية الحبوب التي جرى التوقيع عليها اليوم في إسطنبول بين أوكرانيا وروسيا وحضور الراعيان التركي والأممي مراسم توقيع هذه الاتفاقية يدل على أن المجتمع الدولي إن أراد أن يحل قضية ما فإنه يستطيع أن يحلها ولن يعدم الوسيلة لذلك فالحرب الروسية الأوكرانية لم يمض عليها غير بضعة أشهر ولكن هذه الأشهر جعلت المجتمع الدولي يتخوف ويبادر إلى التدخل من أجل الأمن الغذائي الدولي بينما مشاكل عالقة لسنين لم يستطع حلها لعدم توفر الإرادة الدولية لحلها فالمجتمع الدولي لا يهمه من يموت بالمطلق بل يهمه تحسين شروط الموت، شأنه في ذلك شأن من يربي العجول فهو لا يريد أن يذبحها وهي هزيلة بل يقوم بإطعامها لتسمن ومن ثم يقوم بذبحها، وهذا ما يفعله المجتمع الدولي في كثير من القضايا الدموية المزمنة والمستمرة ليلتفت عنها إلى قضايا أخرى تبدو هامشية بالنظر إلى القضايا الملتَفتْ عنها.

فما يهم المجتمع الدولي هو ألا تموت جوعاً فهذا يدخل ضمن نطاق الإنسانية أما أن تموت بطرق أخرى من قصف ودمار وتهجير وغرق في البحار فهذا لا يدخل ضمن نطاقه وخارج نطاق تغطية المجتمع الدولي.

فالأمم المتحدة مشغولة عن القتل وشلالات الدم التي تفيض هنا وهناك بتأمين الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية فهي مشغولة كانشغال فرعون في “خلق الإبل” الذي كان يدعي الألوهية والربوبية وأنه يحيي الموتى، ففي أحد الأيام جاءت امرأة إلى وزير فرعون حاملة معها عنزتها الميتة وتريد من فرعون أن يحييها باعتباره يحيي الموتى، فما كان من هامان إلا أن أعطاها عنزة بدل معزتها الميتة قائلاً لها إن فرعون اليوم مشغول: بخلق الإبل؛ وفي نهاية اليوم سأل فرعون هامان عن يومه فأخبره هامان بقصة العجوز التي جاءت تطلب إحياء عنزتها الميتة ففزع فرعون من طلبها هذا فطمأنه هامان وقال لفرعون أعطيتها عنزة وقلت لها إنك خلال هذه الفترة مشغول بخلق الإبل وهنا قال فرعون لهامان: آهٍ لو تعلم يا هامان كم هو صعب خلق الإبل!! فما كان من هامان إلا أن قال لفرعون جملته المشهورة “على هامان يا فرعون”.

قضايا الشعوب من تشرد ووموت بجميع صوره غرقاً وخنقاً وبالكيماوي وغير الكيماوي، لا شأن للدول والمجتمع الدولي فهو مشغول اليوم بمسائل أخرى كانشغال فرعون بخلق الإبل فهذه لا تستحق العجلة أما ما يستحق العجلة الزائدة قضايا البسكويت والسباكيتي والبيتيفور فهي تستحق، في الأمثال يقولون” لقمة الجوعان على الشبعان بطية”.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني