fbpx

مناطق آمنة أم أمنية؟!

0 251

لقد كثُر الحديث حول إنشاء مناطق آمنة في سورية الأولى أعلن عنها مجلس الأمن القومي التركي وحدد أهدافها بالقضاء على التهديد الإرهابي على حدودنا الجنوبية، ولا تستهدف وحدة أراضي دول الجوار ولا السيادة بأي طريقة من الطرق.

يعتبر إنشاء المناطق الآمنة من قِبل الأمم المتحدة من أكثر قرارات الأمم المتحدة المثيرة للجدل قانونياً سواءً من ناحية التأصيل أو من حيث ماهية الإجراءات من ناحيةٍ أخرى.

وكانت المنطقة الآمنة في سريبرينيتسا والمناطق المحيطة بها هي السابقة القانونية الأولى حيث فرضتها الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 819 لعام /1993 استناداً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتي اتخذت من قرار محكمة العدل الدولية ضد يوغوسلافيا المؤرخ في 8نيسان 1993 المتضمن وجوب تطبيق اتفاقية منع الإبادة الجماعية على انزاع في البوسنة والهرسك أساساً قانونياً لفرض المنطقة الآمنة.

وتعتبر المناطق الآمنة من حيث المبدأ خرقاً لمبدأ احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لأنها تفرض عليها إجراءات قسرية مثل حظر الطيران، ونشر قوات حماية دولية وغيرها من الإجراءات القسرية.

تقوم المقاربة التركية على أن عملياتها في الشمال تهدف لإنشاء منطقة أمنية لحماية أمنها القومي من خطر الميليشيات الانفصالية الكردية، وفق الأُسس التالية:

  • لا تمس سيادة ووحدة الأراضي السورية احتراماً لمبدأ السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية في سورية.
  • العمليات العسكرية تستند إلى اتفاقية أضنة والتفاهمات اللاحقة التي جرت في أستانا وسوتشي بين تركيا وروسيا وإيران الضامنان للنظام السوري.
  • العمليات العسكرية ستكون ضد الميليشيات الكردية الانفصالية فقط.
  • قرار العمليات العسكرية شأن سيادي بالنسبة للحكومة التركية لا يتوقف على موافقة أممية أو إقليمية فهو يمس أمنها القومي مباشرة.

أما مشروع المنطقة الآمنة في الجنوب السوري الذي وبحسب الأخبار المتداولة أنه وصل إلى مراحله الأخيرة برعاية أردنية، مصرية، إماراتية، أمريكية واقترب بدء تنفيذه قريباً، لحماية حدود إسرائيل والأردن من خطر ميليشيا حزب الله والميليشيات الإيرانية، وتقوم المقاربة الأردنية لفكرة المنطقة الآمنة على ما يلي:

  • عدم التدخل عسكرياً في الأراضي السورية.
  • خضوع المناطق الآمنة لإشراف الأمم المتحدة بعد تحقيق وقف إطلاق نار شامل تلتزم به كل الأطراف المتصارعة وتحديد وسائل وآليات حماية هذه المناطق والجهات المخولة بذلك.
  • ضرورة موافقة جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة الجنوبية على إقامة هذه المنطقة كي لا تغدو منطقة اشتباك، وما يتبع ذلك من إيجاد تفاهمات وقنوات تنسيق واتصال فيما بينها، وعلى رأس هذه الجهات روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى الأردن والحكومة السورية.
  • توفير مساحات جغرافية واسعة في المناطق الآمنة لإقامة مخيمات قادرة على استيعاب أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الراغبين في دخول هذه المخيمات سواء القادمين من داخل الأراضي السورية، أو اللاجئين الموجودين حاليا في الأردن الراغبين بالانتقال لهذه المخيمات المستقبلية التي يجب أن تضمن لقاطنيها الأمن من جهة وتدفق مختلف المساعدات إليها دون أي عوائق تذكر.

العوائق القانونية لفرض تطبيق مناطق آمنة في سورية وهي ثٌلاثية القواعد الآمرة في ميثاق الأمم المتحدة وهي:

قاعدة المساواة بين الدول: وهي إحدى معايير السيادة من خلال المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع الدول الأعضاء في المنظمة العالمية وفي مقدمتها حقوق المشاركة والتصويت في أعمال المنظمة وفقا لقاعدة أن لكل دول صوت واحد.

قاعدة احترام السيادة الوطنية: التي تشكل أحد الأركان القانونية والسياسية الجوهرية التي تبنى عليها نظرية الدولة، وهي أهم المبادئ الأساسية للقانون الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة.

قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول: وهو احترام الاستقلال السياسي للدول في كل ما يخص إدارة البلاد.

ورغم إمكانية حرمان أي دولة من حقوقها المقررة في ميثاق الأمم المتحدة عندما إخلالها في تنفيذ الالتزامات الدولية وبميثاق الأمم المتحدة، وانتهاك المعاهدات والاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ورغم كل التقارير والقرارات الدولية التي تؤكد تورط النظام بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية فما زالت المنظمة الدولية تتعامل معه على أنه عضو كامل العضوية وتحترم سيادته الداخلية وعدم التدخل بشؤونه الداخلية، فقد اقتصر دور الأمم المتحدة في سورية على تقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود وهي الحالة الوحيدة التي تم تجاوز المبدأين المذكورين والتي تلفظ أنفاسها الأخيرة في هذه الأيام مع تهديد روسيا والصين باستخدام حق النقض ضد تمديد العمل بها التي تعتبرانها احدى مظاهر المساس بالسيادة الوطنية.

وبما أن المنطقتين لا تشهدان عمليات عسكرية واسعة النطاق وتتمتعان بهدوء نسبي مستقر وفق تفاهمات سابقة فلم يعد هناك مبرر لإقامة المنطقة الآمنة هذا من الناحية القانونية، أما المساعدات الأممية في الجنوب تُقدم عبر النظام السوري الأمر الذي يُكرس تطبيع الأمم المتحدة علاقاتها معه، الأمر الذي يُلزمُها باحترام سيادته الوطنية، فيبقى الأمر في الجنوب مفتوح على احتمالين لا ثالث لهما:

الأول: تجاوز مبدأ السيادة وإنشاء منطقة آمنة برعاية أممية تقوم بتنفيذها قوات حماية دولية، وهذا لا يمكن تمريره لأنه يتطلب قرار من مجلس الامن الدولي الذي سيصطدم بالفيتو الروسي/الصيني.

الثاني : وهو الأرجح، بأن تكون هذه المنطقة منطقة أمنية على غِرار المنطقة التركية في الشمال، يتم من خلالها حماية الأمن القومي لكل من الأردن والكيان الصهيوني، وبما أن سلطات النظام على عكس الحال في الشمال موجودة في المنطقة وفق تفاهمات دولية شاركت فيها كل من الأردن وإسرائيل والإمارات ومصر فيمكن بناء تفاهمات جديدة بالشراكة مع النظام السوري تقوم على تعزيز وجوده والدفع بقوات عسكرية وأمنية جديدة لبسط السيطرة الكاملة على المنطقة وتأمين الحدود، والسماح له بالقيام بعمليات محدودة في ملاحقة من تبقى من الثوار في المنطقة مقابل إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية وحزب الله وهذا لا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، وهو ما يحاول النظام السوري وحلفاؤه الضغط على تركيا لبناء تفاهمات مشتركة تضمن بسط سيطرته في الشمال.

النظام السوري مازال شريكاً للمجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة التي حدد استراتيجيتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 288/60 لعام 2006 الذي أكد على التزام زعمـاء العـالم بمـؤازرة جميـع الجهـود الراميـة إلى دعـم المـساواة في الـسيادة بـين جميـع الدول واحترام سـلامتها الإقليميـة واسـتقلالها الـسياسي، والامتنـاع في علاقاتهـا الدوليـة عـن التهديـد باستعمال القوة أو استعمالها بأي شكل يتعـارض مـع مقاصـد الأمـم المتحـدة ومبادئهـا، ودعـم تـسوية المنازعـات بالوسـائل الـسلمية ووفقـا لمبـادئ العدالـة والقـانون الـدولي، وعـدم التـدخل في الـشؤون الداخليـة للـدول، والتعـاون الـدولي في حـل المـشاكل الدوليـة ذات الطـابع الاقتـصادي أو الاجتمـاعي أو الثقافي أو الإنساني، والوفاء بنية صـادقة بالالتزامـات الـتي قطعتـها الـدول علـى نفـسها وفقـاً للميثاق.

أما الدور الأمريكي فقد اقتصر على ملاحقة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام في مكان في العالم ولوحت بورقة إنشاء منطقة آمنة لممارسة الضغط على نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس دون إبداء أية نوايا جدية للقيام بذلك مُلوحةً بالتفويض باستخدام القوة العسكرية الذي صدر بتاريخ 18 أيلول 2001 كأساس قانوني لتدخلهم في سورية باعتباره تفويض دائم يُمكنهم من فرض منطقة آمنة في سورية، الذي أفضى الى التدخل العسكري الروسي، وصدور القرار 2254/2015، واتفاق ميونخ لعام 2016 والذين لم يتحقق من بنودهما شيئاً حتى اليوم.

وحيث أن السيادة غير قابلة للتجزئة وهي مرتبطة بالدولة ارتباطاً وثيقاً، أي أنها تدور مع الشرعية وجوداً وعدماً، وحيث أن المجتمع الدولي بأسره مازال يترف بشرعية النظام السوري، فإن الحديث عن مناطق آمنة في الجنوب أو في الشمال أو في أي منطقة في سورية لا أساس قانوني له، وإنما هي مجرد مشاريع إنشاء مناطق أمنية خاصة بتأمين حدود دول الجِوار والتي غالباً ما تنتهي بزوال الخطر والتهديد بدفعه باتجاه العمق السوري بمقدار المسافة المحددة بـ 30 إلى 35 كم، على عكس المناطق الآمنة التي تبقى قائمة حتى تحقيق حل جذري للصراع.

وإن طرح هذا المشروع في الجنوب بالتزامن مع الحديث عن فتح باب العودة الطوعية للاجئين في دول الجوار وخاصة التهديدات الرسمية في لبنان بإعادة اللاجئين قسراً إلى سورية وشكوى الأردن من عجزه عن تحمل أعباء اللاجئين السوريين على أرضه يؤكد بأن التسوية ستكون وفق المعادلة التالية إعادة انتشار الميليشيات الإيرانية وحزب الله مقابل إعادة اللاجئين وتعزيز سلطة النظام السوري وإطلاق يده وتحريره من التفاهمات الدولية التي قيدته في الجنوب.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني