منازل ومدارس غير مجهزة وآيلة للسقوط.. ملاذ النازحين في إدلب
تشهد محافظة إدلب أزمة سكن خانقة، خاصة بعد وصول آلاف النازحين إلى المنطقة، الذين بدؤوا رحلة البحث عن مأوى لعوائلهم، ما وضعهم أمام مصاعب الأجور المرتفعة، أو ضيق المخيمات العشوائية التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.
الكثير من الأسر النازحة اضطرت للسكن في بيوت غير مجهزة بسبب الفقر والرغبة بالحصول على مأوى، والتخلص من الاكتظاظ السكاني واستغلال أصحاب المنازل المؤجرة رغم المخاطر، وإمكانية سقوط الأطفال من النوافذ والشرفات غير مكتملة البناء.
أبو عدنان نزح من مدينة خان شيخون إلى أحد المخيمات الواقعة في مدينة سرمدا، وبعد المعاناة من حياة الخيام انتقل للسكن إلى منزل غير مجهز وعن سبب ذلك يقول: “السّكن في خيمةٍ لا تمنع عن ساكنها حر الصيف أو برد الشتاء صعب جداً، وفي ظلِّ عدم الاهتمام بالمخيمات وسوء الإدارة، فضَّلت السكن في هذا المنزل غير المكسي، ورغم كونه غير مجهز بأبواب ونوافذ، ووجود شرفة غير مسورة، لم يكتمل تأهيلها، ولكن ليس لدي القدرة على ترميم البيت أو استئجار آخر.
لا يبدو النازح عبد الخالق النعسان أفضل حالاً، حيث يعيش مع أسرته المكونة من زوجته وخمسة أطفال، إضافة إلى والده ووالدته وشقيقه، في “شبه منزل” بعد أن دمرته آلة الحرب، فالجدران متصدعة، والسقف أعيته التشققات، تمسك به قضبان حديدية منعته من السقوط لفترة من الزمن، يصف حاله بالقول: “بين ليلة وضحاها وجدنا أنفسنا أمام حقيقة مريرة وهي النزوح والتشرد، ليصبح الحصول على منزل هو صراع الحياة بالنسبة إلينا في بلد فقد الأمن والأمان.”
يتابع عبد الخالق: “أعيش في منزل مهدم في مدينة أريحا، وهو يشكل خطراً على حياة أولادي، لكن الفقر وعدم قدرتي على السكن في بيوت عادية، دفعني إلى ذلك، وأتمنى أن يكون نزوحنا مؤقتاً، وأن نعود إلى منازلنا قريباً.”
كذلك عائلة إبراهيم السيد خرجت من مدينة سراقب قبل أيام من تقدم قوات الأسد إليها، ومكثت في منزل أحد الأقارب بشكل مؤقت، ولكن عجز الأب عن إيجاد مأوى آمن للعائلة دفعه للإقامة في مبنى غير مجهز بأي خدمات تذكر؛ فلا خزان للماء ولا حمامات ولا كهرباء، حتى الأرض بحاجة لتسوية حتى يتمكن مع أسرته من الجلوس أو النوم، وعن ذلك يتحدث لـ نينار برس بقوله: “حملنا في رحلة النزوح قليلاً من أثاث المنزل إلى مناطق ريف إدلب الشمالي، حيث بقينا لمدة ثلاثة أيام دون أن نتمكن من إيجاد منزل للإيجار، بسبب الاكتظاظ السكاني في المنطقة، لذلك وجدت في إحدى الشقق غير المجهزة في مدينة حارم بريف إدلب الشمالي مكاناً مؤقتاً نأوي إليه بعد قيامي بوضع بعض التجهيزات البسيطة من أجل المعيشة.
يبين إبراهيم أنه وضع أبواباً خشبية رخيصة الثمن وغلفها بالنايلون لمنع تسرب الهواء، في حين تم إغلاق النوافذ بالأغطية لمنع تسرب الهواء، إلى جانب تجهيز الحمام وتمديد شبكة صرف صحي لدورة المياه من النوع الرديء وكذلك بعض أسلاك الكهرباء.
زوجة إبراهيم تشير إلى أن العيش في الشقق غير المجهزة صعب للغاية لأنها تفتقر لأدنى مقومات المعيشة، ولا تحمي من هطول الأمطار أو تسرب الهواء البارد، ولكنها في هذه الأوضاع أفضل من دفع مئات الدولارات كبدل إيجار منزل مجهز.”
الطفلة رنيم العوض تبلغ من العمر سنتين، سقطت من شرفة الطابق الأول بسبب سكن أسرتها في منزل غير مجهز وعن ذلك تتحدث والدتها بالقول: “نزحنا من معرة النعمان إلى مدينة إدلب، واضطررنا للسكن في شقة غير مجهزة، وكانت النتيجة أن رنيم وهي أصغر أولادي، سقطت من الشرفة لأنها غير مسورة، وكادت تفقد حياتها نتيجة جرح في رأسها وكسر في يدها اليسرى، حيث بقيت في المشفى لمدة عشرة أيام لمراقبة حالتها الصحية.”
كذلك لجأت بعض العائلات النازحة إلى أنقاض المدارس المدمرة، واتخذت من بقايا جدرانها مأوى لهم.
أم رائد من ريف معرة النعمان تعيش مع أولادها وثلاثة من أحفادها الأيتام في مدرسة مدمرة بمدينة بنش وعن معاناتها تتحدث لـ نينار برس بقولها: “نزحنا منذ سنة من بيوتنا إلى المخيمات ونتيجة العواصف لجأنا إلى المدرسة رغم أنها غير صالحة للسكن، ونعيش على ما يصلنا من مساعدات إنسانية.”
معاناة كبيرة تلاحق النازح في حله وترحاله، تضاف إلى ما مر به من ويلات الخوف وجحيم القصف، حيث لم يعد هاجس الموت تحت القصف والبراميل المتفجّرة المشكلة الوحيدة، بل يتعرض للاستغلال في بحثه عن مكان آمن يؤوي أولاده، مع الخوف الدائم من الاضطرار لنزوح جديد.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”