مكب نفايات رودكو أزمة متفاقمة وحلول غائبة
تعتبر مسؤولية الحفاظ على البيئة مسؤولية تشاركية جماعية بين المواطنين والجهات المعنية المسؤولة. وهي ضرورية للعيش في بيئة صحية وآمنة، خالية من الأمراض ومسبباتها، والحفاظ على جمالية المحيط. لذا تعتبر مشكلة رمي النفايات وتجميعها من أهم أسباب انتشار الأمراض ونقلها. ناهيك عن المظهر الحضاري غير اللائق. حيث أصبحت مشكلة مكب نفايات رودكو غرب مدينة القامشلي وتفاقمها الحديث الشاغل لأهالي القامشلي شمال شرق سوريا، الذين يعانون من تداعيات هذه المشكلة منذ سنوات.
مكب نفايات رودكو
تعود هذه المشكلة لأكثر من ستة عشر عاماً، مع توسع المدينة وزيادة عدد السكان. حيث يتم نقل النفايات إليها بشكل يومي من عشرات السيارات، تجوب الأحياء. وتقدر النفايات المجمعة فيها بنحو 300 ألف طن على مساحة تقدر بـ 300 دونم. وهي أملاك عامة. وهو في توسع أفقي وعمودي بشكل مستمر. ويبعد المكب عن مدينة القامشلي 6 كم من جهة الغرب. وكان المكب سابقاً يقع جنوباً. لكن تم نقله منذ حوالي 35 عاماً إلى حيث هو الآن. وتأتي التسمية نسبة لشركة رودكو لتعبيد الطرقات. وكانت تستخدم تلك المساحة لمجبل الزفت، واستخراج البحص والأحجار ومواد البناء. وتم استخدام القسم المحفور من الأراضي كمكب للنفايات من قبل الدولة. حتى تحول المكان لبؤرة للأمراض والروائح الكريهة، وتجمع الحشرات والذباب. وتعتبر الروائح إلى جانب الأدخنة الناجمة عن حرق النفايات من أكثر مسببات الأمراض الصدرية للسكان المجاورين لها.
استياء شعبي واستغاثات
يعتبر أهالي الهلالية والحي الغربي والأحياء الشمالية على خط الطول شمال القامشلي أكثر المتضررين من هذه المشكلة، التي تتفاقم يوما بعد يوم، ويشتكون من الروائح الكريهة باستمرار خاصة مع تحرك الرياح، وهي رياح غربية دوماً، تأتي من جهة الغرب حيث المكب ونفاياته الغذائية والزراعية والصناعية والحيوانات النافقة. بالإضافة للاختناق بالأدخنة الناتجة عن الحرق العشوائي لهذه النفايات. وقد كان الأهالي قد تقدموا بشكوى لدى هيئة البيئة والبلديات بتاريخ 19/6/2019 وتلقوا وعوداً بحل المشكلة. لكن الوعود ذهبت أدراج الرياح، وبقيت الأزمة مستمرة، ليعود الناشطون بتنظيم وقفة احتجاجية على طريق “نافركيه” المؤدي إلى المكب بتاريخ 5/9/2020 معبرين عن استيائهم من الإدارة الذاتية وتقاعسها في إيجاد حل لهذه المشكلة منذ سنوات.
عكيد كلو، أحد المشاركين في الوقفة الاحتجاجية “إن مياه الآبار في محطة الهلالية القريبة من المكب أصبحت ملوثة، والتي تعتبر المصدر الرئيسي لمياه الشرب لسكان المدينة”.
وأضاف “إن هيئة الإدارة المحلية والبلديات في الإدارة الذاتية صرحت مراراً بتنفيذ مشاريع لإعادة تدوير النفايات أو نقل المكب، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن. مطالباً بإيجاد حل للمكب، وأن يصبح ضمن مشاريعها الأساسية”.
الناشط فنر بشير: “أنا كأحد سكان حي الهلالية اشتكيت كثيراً للبلدية من أجل حل مشكلة نفايات رودكو لكن حتى الآن لم نتلق أي وعود لحلها أو بالأحرى لم يفوا بوعودهم لحل هذه المشكلة بل زادت المأساة كل ليلة من حرق هذه النفايات وتصاعد الأدخنة والروائح المزعجة في سماء القامشلي وخاصة في فصل الصيف.”
وأوضح فنر بأنه “مع الأسف حتى لو احتمينا داخل الغرف من الروائح فإن المكيفات تسحب هذه الروائح للداخل فتؤثر علينا وعلى أطفالنا وأهالينا وخاصة المصابين بمشاكل تنفسية وقلبية”.
وتابع فنر: “لذلك قمنا اليوم بوقفة على طريق قرية نافكريه المؤدي إلى رودكو وأوقفنا حافلات القمامة ومنعناها من العبور وبقينا لأكثر من ساعتين ونحن ننادي بعدم رميها في هذه المنطقة وإيجاد حل آخر لها، وتلقينا وعوداً، لكن مع الأسف لا أعتقد أن هذه الوعود سيتم تنفيذها بل ستُنسى كما غيرها، واذ لم يجدوا حلاً هذه المرة سنذهب إلى مركز البلديات وسنقوم بمظاهرة من أجل ذلك”.
إلى ذلك قال بشير علي “مهندس في قسم إدارة النفايات الصلبة بمديرية البيئة”: “إن موقع المكب اختير منذ زمن بعيد من قبل القائمين في الحكومة السورية، ونحن نحاول اليوم بكلّ جهدنا وإمكانياتنا المتاحة إيجاد حلٍّ جذري للتخلص من النفايات بأقلّ أضرار بيئية”.
وأوضح “إن الحلول الجذرية بحاجة لأموال من أجل إيجاد قطعة أرض بديلة بعيدة عن المدينة لترحيل النفايات إليها وإن مشروع إعادة التدوير قد بدأ منذ عام بتكلفة 200 مليون ل.س حيث سيتم فرز النفايات البلاستيكية والمعدنية لإعادة تصنيعها والمواد العضوية سيتم طمرها بطريقة علمية وهذا بحاجة لآليات وأياد عاملة. كما سيتم حفر عدة حفر كل منها يكفي لطمر نفايات شهر كامل للمدينة. تتراوح كل حفرة بين 50م طولاً و20م عرضاً بعمق 10 أمتار”.
مشيراً إلى أن “العملية تحتاج إلى دراسة ومختصين، وحالياً نعمل على إيجاد مكب جديد بشكلٍ مؤقت لمدة سنتين، ريثما يتم الانتهاء من تنفيذ إنشاء معمل مخصص للتخلص من النفايات بشكلٍ سليم”.
وحول تلوث المياه الناجم عن المكب، أوضح: “إن التلوث الناجم عن المكب لم يصل إلى آبار المياه التي تغذي بعض أحياء مدينة القامشلي، فقط انحصر في بعض الآبار السطحية المجاورة للمكب”.
وكانت بلدية القامشلي قد بدأت في أيلول من العام الماضي بطمر قسم من النفايات المتراكمة في مكب رودكو، وذلك بعد ورود شكاوى من سكان قرية “نافكريه” القريبة من مكان حرق تلك النفايات.
وعود وحلول كثيرة يتم طرحها وتناقلها من قبل الإدارة الذاتية ولكن لا شيء يلوح في الأفق سوى نداءات الأهالي ومعاناتهم التي طال أمدها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”