fbpx

مقترح بدرسون خطوة مقابل خطوة.. والبحث عن حلٍ سياسي مستحيل

0 189

حين اقترح بدرسون مبدأ تفاوض جديد بين قوى الثورة والمعارضة من جهة وبين النظام الأسدي، إنما كان يفكّر أن يحرز خرقاً في جدار التفاوض، لكنه بمجرد ذهابه إلى دمشق اصطدم برفض صريح لمقترحه، فالنظام لا يريد حلّاً ترعاه الأمم المتحدة على قاعدة القرار 2254، لأنه يدرك تماماً أن بنيته السلطوية المهيمنة على مفاصل الحياة السورية بكل مناحيها ستتفكك، لتحلّ بدلاً منها بنيةٌ سياسيةٌ جديدةٌ لا يقدر على الهيمنة عليها.

هذه الحقيقة لا يمكن أن تكون قد غابت عن ذهن بدرسون، فهو يدرك أن النظام الأسدي ليس بوارد أي تفاوض يُنقص من سلطته المهيمنة، ولهذا يميل النظام إلى خلق بيئة حلٍ سياسي، يتوافق مع استمراره بالحكم، عبر عقد مصالحات وتفاهمات مع دول إقليمية، دون تقديم أي تنازلات سياسية، فالنظام لم يفكّر في أي لحظةٍ بتقديم أي تنازل للشعب السوري، ولهذا لجأ منذ اليوم الأول للثورة السلمية إلى فتح النار على المتظاهرين الذين نادوا بالحرية والكرامة.

مقترح بدرسون (خطوة مقابل خطوة) يحتاج من قوى الثورة والمعارضة إلى وضع جدول أولويات بقيمة الخطوات التي يمكن أن يحدث حولها تفاوض، فهل لدى هيئة المفاوضات مثل هكذا جدول، وهل لدى قوى الثورة والمعارضة تصور مدروس حول تفاوض قد يتمّ فرضه دولياً، سيما وأن الغرب مشغولٌ بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما نتج عنها من أزمات مختلفة، وأن الروس ليسوا بوارد تفاهمات منفصلة مع الغرب حول حلٍ سياسي في سوريا في المرحلة الحالية، لأنهم أساساً يتمسكون بالورقة السورية كإحدى أوراق تفاوضهم مع الغرب حول مسائل عديدة، في مقدمتها ما يعتبرونه أمنهم الحيوي.

مقترح بدرسون (خطوة مقابل خطوة)، يحتاج من قوى الثورة والمعارضة إذا ما ذهبت للموافقة عليه أن تصرّ على جدولة زمن هذا التفاوض، وأن تصرّ على أن تكون نتيجة التفاوض مرتكزة على تنفيذ جوهر القرار 2254.

إن المنادين برفض التفاوض والانسحاب من المفاوضات لم يفكّروا أن هذا المطلب يخدم تنصّل النظام الأسدي بالتهرب من هذا الاستحقاق، لذلك فإن قوى الثورة والمعارضة مطالبة بالتمسك بهذا القرار الدولي، والعمل على تحسين شروط التفاوض، هذا التحسين يرتكز أساساً على انفتاح تام بين مؤسسة الائتلاف الوطني والحاضنتين الشعبية والثورية، هذا الانفتاح لا يمكن فهمه بغير إعادة إنتاج إطار عمل يمثّل قوى الثورة والمعارضة بصورة ملموسة، وليس أن يبقى في إطار نظري غير منتج.

ويحتاج تحسين شروط التفاوض إلى تعميق علاقات قوى الثورة والمعارضة مع الدول العربية الرافضة للتطبيع مع النظام الأسدي، لإيجاد توازن يخدم نسبياً استقلال القرار الوطني لقوى الثورة، هذا القرار يجب أن ينبع من مصالح الشعب السوري في تغيير بنية الحكم السياسية في البلاد، ويجب أن يذهب إلى توفير الأمن والاستقرار في مناطق نفوذ الفصائل العسكرية التابعة لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة.

إن إغماض العين السياسية لقوى الثورة والمعارضة عن أولوية مصالح الشعب السوري في الانتقال السياسي، يعني فعلياً التخلي عن هذه المصالح ولو جزئياً، لصالح أجندات أخرى، قد يؤدي تنفيذها إلى إلحاق خسائر سياسية تتعلق بتنفيذ القرار 2254.

لهذا لن تتمكن هيئة المفاوضات السورية من الخوض بمفاوضات منتجة بدون أن تستند إلى توفير ما يخدم ذلك، ويتكون الأمر من دعم القوة الأولى، ألا وهي قوة الحاضنتين الشعبية والثورية، هذه القوة، تلعب دوراً هاماً في حالة تأطيرها ووضع برنامجها قيد الفعالية في تغيير ميزان القوى الحالي.

أما القوة الثانية فهي تتمثل بإصرار الائتلاف الوطني وقوى الثورة والمعارضة على تنفيذ القرار الدولي 2254 بكامل جوهره وبالتزامن بين سلاله، وفق جدول زمني للتفاوض، فأي تفريط بهذا الجوهر يعني ببساطة تقديم خدمة مجانية لمصلحة نظام الاستبداد الأسدي.

أما القوة الثالثة المطلوب من قوى الثورة والمعارضة تفعيلها، هو استعادة العمق العربي الرافض لاستمرار الاستبداد الأسدي، هذه القوة، تتمثل بدول عربية فاعلة، يمكن أن تعدّل بميزان قوى الصراع القائم حالياً مع النظام وحلفه، من خلال دور تلعبه في الضغط السياسي، أو تأمين مستلزمات قوى الثورة الفاعلة عسكرياً على الأرض، وهذه الحالة تمثلها المملكة العربية السعودية حالياً ومعها مصر العربية.

إن استقرار مناطق الشمال المحرر يتطلب خطوات جدية على الأرض تتمثل بمنع تدخل الفصائل العسكرية بالحياة المدنية للسكان في هذه المناطق، التي تشمل (مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ونبع السلام)، وتتطلب تفعيل وتعميق دور الحكومة المؤقتة، من خلال إطلاق سلسلة من الخطوات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه الخطوات تصبّ في تطوير هذه المناطق وجعلها مناطق استقرار حقيقية آمنة.

استقرار مناطق الشمال لا يعني خلق دويلة في هذا الجيب الجغرافي، بل تشكيل أنموذج وطني لا فساد فيه، حيث يمكن إجراء انتخابات للمجالس المحلية بصورة شفافة، وإطلاق حياة سياسية طبيعية بما فيها تشكيل أحزاب وتيارات، وبدعم من الضامن التركي بالتعاون مع الدول العربية الرافضة لاستمرار النظام الاستبدادي، وفي مقدمة هذه الدول المملكة العربية السعودية، على قاعدة وقف شاملٍ لإطلاق النار في أنحاء سوريا كلها.

لهذا ووفق هذه الرؤية ينبغي على القيادة السياسية لقوى الثورة والمعارضة (الائتلاف الوطني) أن ينتقل بأركان مؤسسته إلى المناطق المحررة بضمانات تركية ودولية تمنع أي اعتداء على هذه المناطق، هذا الانتقال الضروري يغيّر واقع سياسة الائتلاف بشكلها السابق، ويدفعها عملياً إلى الانفتاح والتفاعل الكبيرين مع حاضنتيها الشعبية والثورية.

إن الحل السياسي في صورة ميزان القوى الحالي لا يزال بعيداً، والمطلوب من الائتلاف الوطني العمل وفق هذه الحقيقة، مما يفترض ضرورة تنفيذ إصلاحاته البنيوية بصورة عميقة وشاملة بمساعدة من حلفائه سواء الأتراك أو السعوديين أو كليهما عبر تعاون في هذا الاتجاه.

إن مقترح (خطوة مقابل خطوة) هو مقترح لا يعدو عن كونه بحثاً عن حلٍ سياسي لا يزال مستحيلاً، ما دام ميزان القوى الحالي يعطّل إمكانية الحل وفق القرار الدولي 2254.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني