fbpx

مسارات العملية الانتقالية، طبيعة التحديات والفرص

0 57

مع الأخذ بكل الاعتبار حقائق:

أن العملية السياسية الانتقالية الجارية هي الخَيار الواقعي الوحيد أمام السوريين منذ آذار 1963 لرسم مستقبل جديد لسوريا.

وأن أهداف وجهود بناء ميليشيات قسد (وحدات حماية الشعب والمرأة والأسايش) خلال 2012، وتأسيس “روج آفا” تالياً قد أتى في شروط تقاطع سياسات ومصالح سلطة الأسد مع قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي)، للتشبيح على قوى الثورة وهزيمتها، من جهة، وصناعة أداة عسكرية ومرتكز كانتون في إطار الصراع المتعدد المستويات مع تركيا.[1]

وأن خطوات وإجراءات تحول الميليشيات التي تقودها مرجعيات قنديل لاحقا إلى قسد (قوات سوريا الديمقراطية) وتأسيس مسد (مجلس سوريا الديمقراطية)، وبناء الإدارة الذاتية (الحكومة) ووضع “العقد الاجتماعي” (الدستور الخاص)، قد أتت في سياق توفير مقومات كيان سياسي مستقل، أخذ اسم “إقليم شمال وشرق سوريا الديمقراطي”، وأصبح في ” كونفرانس” نيسان الماضي في نسخته النهائية: “روجافاي كردستان”[2]

وأن كل تلك التفاصيل أتت في تقدم مسارات الصراع على سوريا منذ 2011، وفي سياق مشروع تقاسم سوريا التشاركي بين ميليشات الحرس الثوري الإيراني والجيش الأمريكي (القيادة المركزية الوسطى –Centcom)[3].

فإن معارضتي لسلوك ونهج قسد تأتي على خلفية إدراك طبيعة عوامل سياق التأسيس والصيرورة، وما تحمله سياساتها تجاه العملية السياسية الانتقالية من مخاطر متجددة، وهي ترتبط جوهريا بسعي قيادتها المهيمنة لتعزيز وتثبيت شروط بقاء وديمومة كيانها السياسي الذي امتلك جميع مقومات الاستقلال في عوامل سياق وصيرورة مشروع التقسيم – جيش خاص وحكومة ذاتية، ودستور، وسيطرة على الموارد والحدود، علاقات خارجية مستقلة[4].

ضمن هذا السياق، لا يمكن إغفال أهمية النقاط التالية:

1- تعارض مصالح وسياسات قيادة قسد، ومعارضتها لاستحقاقات العملية السياسية الوطنية، والسعي لتفشيلها، لا يقتصر على الوسائل المرتبطة بالحفاظ على مرتكزات وأدوات سيطرتها على “إقليم شمال وشرق سوريا”، بل تتضمن دعم جهود انتصار نموذجها في الساحل السوري والسويداء في إطار رؤية وسياسات استراتيجية مبكرة لطبيعة “الخطة أ“!

والخطة واضحة الأهداف والوسائل، وتسعى لتجنب خيار “الخطة ب”:

نقل ساحات الصراع إلى خارج مناطق “إقليم شمال وشرق سوريا”، وخوض حروب هجومية، استباقية، عبر “الانخراط في الداخل السوري” وتجيير معاناة “العلويين” وواقع أن الدروز “خارج نطاق الإدارة الجديدة”![5].

ليس خارج هذا السياق، يأتي التأكيد على ثنائية “اللامركزية والحرص على حقوق المكونات”[6]، وهي تدرك أن تحقيقها يشكل الوسيلة الأنجع لتفشيل خطوات تقدم مسارات العملية السياسية الانتقالية على مآلات إعادة توحيد سوريا وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات الدولة السورية قيد التأسيس (الصيرورة المعاكسة لمشروع التقسيم بعد 2015 الذي كان لقسد دور رئيسي في تحقيق أهدافه الأمريكية/الإيرانية، وأعطاها امتيازات السلطة والسيادة على أكثر من 25% من مساحة سوريا، ومصادر ضخمة من الطاقات البشرية والاقتصادية والسياسية، وحولها إلى ذراع إقليمي في مواجهة تركيا)، ويضمن عامل الحماية الاستراتيجي الوحيد.

2- في إطار تحقيق أهداف تفشيل العملية السياسية الانتقالية وإسقاط سلطتها يأتي سعيها لخلق شروط قيام كانتون “إدارة ذاتية” في الساحل السوري، ليس فقط عبر استخدام مخاوف العلويين وبقايا شبيحة الأسد، (وما وجبته من تركيز أبواق دعايات قسد وشركائها في مشروع التقسيم على دعاية أن العلويين مستهدفون كطائفة، وليس أمامهم فرصة للنجاة إلا عبر المطالبة بالحماية وتأسيس كيان سياسي خاص)، بل، علاوة على ذلك، عبر توسيع منظور “المكونات” ليشمل مجموعات جديدة، يأملون انخراطها المتزايد في تحقيق أهداف مشروع “اللامركزية”[7].

3- مخاطر تحول مناطق سيطرة قسد إلى قاعدة ارتكاز معسكر كردستاني إقليمي نتيجة لمتغيرات العلاقات بين أحزاب المجلس الوطني الكردي والمرجع البارزاني من جهة، والتي تسمح بعودة آلاف مقاتلي البيشمركة إلى مناطق الجزيرة السورية، ونتيجة لحل حزب العمال الكردستاني التركي، من جهة ثانية، وما سينتج بالضرورة من توجه آلاف المقاتلين إلى مناطق سيطرة قسد في ظل توجه قيادتها للتهرب من استحقاقات دعوة الزعيم أوجلان للتخلي عن السلاح وحل الأحزاب، وتحويل مناطقها إلى الملاذ الإقليمي الأكثر أمناً[8].

4- إدراك أبعاد وعواقب ما يحصل موضوعيا من تخادم بين سياسات ووسائل قيادة قسد تجاه العملية السياسية الانتقالية مع بعض القوى الجهادية التي تجد في بيئة الصراع وشروطه فرصة تاريخية للدفاع عن رؤيتها ومصالحها في مواجهة الاستحقاقات التي يوجبها ذهاب خطوات وإجراءات العملية السياسية الانتقالية على مآلات تفكيك السلاح، وبناء مؤسسات الدولة الوطنية السورية الموحدة!.

في تمحور جهود قسد حول خطط وسياسات إقامة كانتونات حكم ذاتي على نموذجها في الساحل السوري والسويداء، وضعة العلويين في أتون صراعات متعددة المستويات، تأخذ في الشروط التاريخية الراهنة مسارات مواجهات دموية طائفية، تعطي القوى الميليشياوية التكفيرية داخل هياكل السلطة فرصة للبقاء، وتعزيز شروط وجودها ونهجها، وقد شكلت مجازر الساحل السوري (والحملة الطائفية ضد السويداء)، أخطر نتائج تقاطع سياسات قسد مع الميليشيات الجهادية!!

4- تراجع فرص تثبيت وشرعنة مرتكزات مشروع التقسيم في رؤية وسياسات استراتيجية الإدارة الأمريكية الجمهورية، التي تقوم على أرضية تبني ودعم مسارات الاستقرار في سوريا (والإقليم)، بشركة استراتيجية مع تركيا والسعودية، وتتضمن في السياقات والصيرورة إعادة توحيد الجغرافيا وحصر امتلاك السلاح بيد الدولة السورية[9]، وهو ما يبين طبيعة المأزق التاريخي الذي تواجهه قيادة قسد للحفاظ على امتيازات السلاح والسلطة في “إقليم شمال وشرق سوريا”، وضعف فرص نجاح جهودها لتعميم تجربها إلى مناطق الساحل السوري والسويداء، وبالتالي يوجب تحذير العلويين والدروز من مخاطر التورط في حروب دموية لا جدوى سياسية منها، لن تؤدي إلا إلى زيادة معاناة الجميع، وتحول مناطقهم إلى بؤر صراعات طائفية دموية، تشكل مصادر تهديد دائم للسلم الأهلي والأمن القومي السوري.

ثانياً: في ضوء تداعيات الصراع على الساحل والسويداء، من الموضوعية الوصول إلى الاستنتاجات التالية:

1- كل ما حصل في سياقات الصراع بين قيادة السلطة وقسد منذ مطلع آذار يبين نجاح جهود قسد في إيصال الصراع على الساحل (والسويداء) إلى مستويات خطيرة، ساهمت عواقبه، خاصة المجازر الطائفية ضد المدنيين وما رافقها من تجييش طائفي غير مسبوق، في تعزيز مواقف وجهود قسد من جهة أولى (وكان اتفاق 10 آذار إنجازاً قسدياً غير مسبوق في التاريخ السياسي السوري، لما مثله من اعتراف رسمي بوجود “قسد”، ومشروعها)، والفصائل المتطرفة من جهة ثانية، وظهرت نتائجها السلبية على الطابع الوطني للعملية السياسية مباشرة في “الإعلان الدستوري”، من جهة ثالثة، وقد جيرت قسد ما وضعته المجازر الطائفية ضد المدنيين من ضغوط على السلطة لتعزيز مواقفها السياسية والعسكرية على جميع الصعد الكردية والسورية والدولية، في مواجهة شروط السلطة، وتوسيع قاعدة المعارضات الشعبية، ودفعها باتجاه التمرد، وكان من الطبيعي في المحصلة أن تنعكس “إنجازات” الصراع سلبياً على خطوات العملية السياسية الانتقالية، وإيجاباً على جهود تعزيز السيطرة الإقصائية للقوى الراديكالية الجهادية، بما يُضعف الطابع الوطني لمسارات العملية السياسية الانتقالية ويهدد بفشلها.

2- تكشف نتائج الصراع على شكل السلطة ومصير الكيان طبيعة معادلة العلاقات الجدلية التي صنعتها بين قيادة قسد والقوى المتطرفة الجهادية، ويؤدي تكامل نتائجها إلى تفشيل العملية السياسية الوطنية وتثبيت مرتكزات مشروع التقسيم:

فكلما تمترست قسد خلف مطالبها وشروطها الانفصالية ونجحت في جهود تعميم نهجها ونموذجها على الصعيد السوري، كلما أعطت فرصا أكبر لقوى التطرف الجهادية والطائفية، الساعية لإحكام قبضتها على مؤسسات الدولة الجديدة، التشريعية والتنفيذية… وعززت شروط قطع مسارات ذهاب العملية السياسية الانتقالية على مآلات بناء مؤسسات الدولة السورية الموحدة، المدنية والديمقراطية.

3- عندما تنتهي سلطة دمشق من “احتواء” أدوات ومخاطر الهجوم القسدي في الساحل السوري والسويداء، أليس من الطبيعي أن يتركز اهتمامها السياسي والعسكري على مشروع قسد، وتسعى لتفكيك مرتكزات سيطرته العسكرية والأمنية والحكومية، سواء وفقاً لخارطة طريق اتفاق 10 آذار أو بوسائل أخرى[10]، وهل يمكن تجنب المواجهات العسكرية، في حال أصرت قسد على رؤيتها ومشروعها، ووضعت السلطة الجديدة أمام الخَيار الأصعب؟!

بغض النظر عن نتائج الصراع العسكري والسياسي، التي لا يمكن أن تكون لصالح مشروع قسد، ماذا سيبقى عندها من فرص لجهود دفع العملية السياسية الانتقالية في دمشق على مآلاتها الوطنية؟ كيف ستكون طبيعة العلاقات بين الكرد والدولة السورية الجديدة؟ هل تتعزز جهود تحقيق أهداف الكرد القومية المشروعة، أم ستدخل في نفق جديد؟ هل سيكون لدعم “المرجعية العراقية” والقوى الخارجية تأثير واقعي لمصلحة قسد ومشروعها؟.

أليس في ظروف ونتائج تجدد المعارك مع قسد فرصة ذهبية للميلشيات الجهادية لتعزيز نفوذها ورؤيتها على اتجاهات العملية السياسية؟.

4- من المؤسف ألا تدرك النخب السياسية والثقافية، السورية والكردية، طبيعة تلك المعادلة السياسية في العلاقات بين القوى التي تتناقض مصالحها مع تقدم مسارات العملية السياسية الانتقالية الوطنية، وتنتهي رؤيتها وسلوكها في التخندق لصالح قيادة قسد، وبما يعزز موضوعياً نهجها وسلوكها في قوى “السلطة الجديدة”.

لقد عبر عن خطأ وعي وسلوك النخب السياسية والثقافية الكردية والسورية، وعدم إدراك طبيعة ترابط العلاقات الجدلية بين قيادة قسد وقيادات وقواعد الفصائل الجهادية، ما سُمي “كونفرانس الحوار الكردي – الكردي” الذي أعطت حيثياته ومخرجاته قسد غطاءً سياسياً كردياً لخوض حروبها المتعددة الأشكال ضد مسارات العملية السياسية الانتقالية، ولم يخرج عن إطار هذا الفعل، سلوك نخب اليسار في الساحل السوري بشكل خاص، التي ارتبطت هياكلها السياسية والأهلية، القديمة والجديدة، بمشروع قسد/مسد، كما طبيعة التجمعات المدنية الأهلية والنخبوية “الموالية”، الداعمة لسلوك السلطة، كما عبرت عنه “الفصائل التكفيرية”.

ثالثاً: في الختام، وخلاصة القول:

هل ما زالت الفرصة قائمة أمام النخب السياسية والثقافية السورية لتوحيد الرؤية والسلوك، بما يعري طبيعة أهداف وأدوات مشروع التقسيم، ويعزز شروط نجاح مسارات العملية السياسية الانتقالية الوطنية؟

إذ أضم صوتي إلى نداء تحذير “مهند الكاطع”[11]، أعتقد أنه، بناء على ما تصل إليه هذه القراءة السياسية الموضوعية لأبرز سمات المشهد السياسي السوري (التي تشكل موضوعياً وذاتياً تمظهرات الصراع على سوريا في مستوييه، الصراع على شكل السلطة ومصير الكيان الجيوسياسي السوري)، من استنتاجات، يصبح التحدي الرئيسي الذي يواجه الشخصيات والقوى الوطنية والديمقراطية السورية، هو ضرورة إدراك حقيقة ان مسارات وآليات العملية السياسية الانتقالية هي الخَيار الوطني الواقعي الوحيد، وأن من مصلحتها، ومصالح السوريين الوطنية المشتركة، أن تقطع نهائيا مع قوى وأدوات ونهج مشروع التقسيم، وأن تسعى للمساهمة في تعزيز شروط تقدم العملية السياسية الانتقالية على مآلات بناء مؤسسات الدولة الوطنية الموحدة، التنفيذية والتشريعية، التي تمثل مصالح السوريين المشتركة، لأن كل ما تضعه من عقبات أمام تقدم تلك الصيرورة يصب في تعزيز تخادم مصالح المعادلة القسدية الكردستانية مع الإسلام السياسي الجهادي، التي تتناقض مع مسارات وصيرورة العملية السياسية الانتقالية الوطنية، وتدفع الصراع السياسي على مسارات حروب أهلية مدمرة!.

ضمن هذا السياق، يصبح من مصلحة أحزاب المجلس الوطني الكردي العودة إلى التنسيق مع تركيا، (عوضاً عن تحولها إلى ورقة بيد قسد التي تستخدم الجميع للوصول إلى صفقة خاصة مع السلطة والنظام التركي!)، والسعي لفتح خطوط مفاوضات مع السلطة الجديدة، تعمل على انتزاع ما تتيحه الشروط الراهنة من حقوق ثقافية وإدارة ذاتية، ومساواة الكرد في الحقوق السياسية، وما يتطلبه من الإعلان الواضح لرفض مشروع تقسيم سوريا، كما يتوجب على النخب السياسية والثقافية السورية التي ارتهنت لمشروع قسد عبر آليات تنسيق مختلفة مع مسد، إدراك واقعية عدم جدواه، ومخاطر الاستمرار به، وضرورة إجراء موقف نقدي شامل، يتيح لها فرص العمل السياسي في أطر السلطة الجديدة، في مواجهة قوى التقسيم، وبما يعزز مسارات العملية السياسية الانتقالية.

المراجع:


[1]– في شهادة تاريخية، قدمها الدكتور رياض حجاب، رئيس حكومة سوريا في مطلع 2012:

في 21/7/2021، بعد مقتل خلية الأزمة، (ولم تجف بعد دماء قيادة “خلية الأزمة” في تفجير 18 تموز):

قام بشار الأسد بإعطاء إيعاز لقادة الوحدات العسكرية والاجهزة الأمنية في الجزيرة السورية بإخلاء مواقعهم وتسليم كامل السلاح، كامل السلاح، لحزب PKK، (الفرع السوري – الاتحاد الديمقراطي PYD).

عندما ذهبنا إلى الاجتماع مع بشار في القصر الجمهوري، بحضور السيد فاروق الشرع ومحمد سعيد بخيتان، ورئيس مجلس الشعب، محمد جهاد اللحام، وأعضاء القيادة القطرية، وكلهم يشهدون على هذا الحديث، كان فيه حديث مطول حول إيجاد حل، وخلية الأزمة، وطرح ضمن الحديث:

لماذا تم تسليم هذه المواقع العسكرية؟ لماذا تم تسليم السلاح الثقيل، والعتاد العسكري في هذه المواقع لفرع حزب العمال الكردستاني التركي؟

قال بشار الأسد بالحرف الواحد:

“هؤلاء حلفاؤنا، ونحن استثمرنا فيهم كثيراً، خلال السنوات الماضية، ويقصد PKK، وبالتالي نحن بحاجتهم الآن.

نحتاجهم الآن من أجل ضبط الشارع الكردي، الذي شارك في المظاهرات والاحتجاجات، منذ انطلاق الثورة السورية في كل المناطق الموجود فيها الإخوة الكرد، وكذلك، من أجل ضبط الشارع العربي أيضاً، ومن أجل أن يكونوا خنجر في خاصرة تركيا، وقد تحقق المشروع، (وبات سلاح ميليشيات وحدات حماية الشعب والمرأة العمود الفقري لقسد، رأس حربة مشروع تقسيم سوريا…).

https://www.facebook.com/share/v/1AcHCBSoAg

[2]– في ظل تشجيع إقليمي ودعم دولي “تكتيكي”، نظمت في نهاية نيسان الماضي قوى وأحزاب كردية سورية في مدينة “القامشلي” بمحافظة الحسكة مؤتمراً للحوار الوطني الكردي تحت عنوان “مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي”، وقد شارك فيه أكثر من 400 شخصية سياسية من ممثلي الأحزاب الكردية في مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، كما شارك في المؤتمر قوات سوريا الديمقراطية “قسَد” وقيادات كردية من العراق وتركيا.

اللافت في هذا المؤتمر توقيته؛ لأنه جاء بعد الاتفاق الشهير بين الرئيس السوري “أحمد الشرع” و”مظلوم عبدي” (زعيم تنظيم قسَد) والذي قضى بدمج قسد في مؤسسات الدولة السورية والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، (والذي لم تجد فيه قسد سوى اعتراف رسمي غير مسبوق بوجودها على خارجة السيطرة الجيوسياسية السورية، وبالتالي دورها الرئيسي في صناعة مستقبل سوريا، وفقاً لرؤيتها)، ثم نقض (عبدي) الاتفاق رويداً رويداً عبر مواقف لقسَد انتقدت الإعلان الدستوري الذي أعلنت عنه الإدارة السورية، ثم تلاه رفض تشكيلة الحكومة السورية الجديدة بدعوى أنها لا تعكس التنوع السوري.

شكل المؤتمر في بعض تفاصيله ومخرجاته مصدر قلق للإدارة السورية، وهو قلق تشاركها فيه تركيا بالطبع، ففي المقام الأول لم يكن المؤتمر “كردياً سورياً” خالصاً، حيث كان البعد الكردي الإقليمي حاضراً بشكل لافت في الحضور والكلمات الرئيسية بالمؤتمر، وتحديداً حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وممثل مسعود البارزاني من العراق، وحزب “الديمقراطية ومساواة الشعوب” التركي (الذراع السياسية للأكراد في تركيا)، كما أن مشاركة ممثلين عن أميركا وفرنسا والتحالف الدولي منحت المؤتمر بعداً دولياً لا يروق لكل من سوريا وتركيا بطبيعة الحال.

أصدرت الرئاسة السورية بياناً للتعقيب على مخرجات المؤتمر، دعت عبره قسَد للالتزام بالاتفاق المبرم معها، وانتقدت ما أسمته محاولة فرض واقع (فدرالي أو إدارة ذاتية) دون توافق. وأكدت الرئاسة السورية على أن “وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر”، وأن تجاوُز ذلك يُعد خروجاً عن الصف الوطني ومساساً بهوية سوريا الجديدة.

[3]– خارطة طريق مشروع تقسيم سوريا.

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=868386&r=0

[4]– في سعيها لتحقيق هدفها المركزي، تتمسك قيادة قسد بمجموعة شروط، وتبحث عن وسائل تعزيزها في تقاطعات مصالح أصحاب مشاريع القوى الإقليمية والدولية، وتشكل موضوعياً وذاتياً مقومات استمرار، وشرعنة وجود “كيان سياسي” يملك جميع مقومات الاستقلال:

أ- الحفاظ على هوية وخصوصية قسد من أجل استمرار دورها في حماية أمن واستقرار مناطق “إقليم شمال وشرق سوريا”.

ب- الحفاظ على سلطة الإدارة الذاتية،والحصول على حصة الأسد من الموارد الاقتصادية.

وقد عملت طوال سنوات على تسويقها على الصعد السورية والكردية كحقوق قومية مشروعة تحت يافطات:

أ- إقامة نظام سياسي لامركزي ديمقراطي، يضمن حقوق “جميع مكونات الشعب السوري”.

ب- ضمان الحقوق الثقافة القومية الكردية، والاعتراف بها دستورياً، وضرورة المشاركة في كتابة الدستور لضمان الاعتراف بتلك الحقوق.

ت- … في إطار وحدة البلاد، وحقوق المشاركة في الإدارة.

من الجدير بالذكر أنه خلال النصف الثاني من ديسمبر، وقبل انعقاد مؤتمر النصر، تم مناقشة تلك الملفات الرئيسية (الحفاظ على السلاح والإدارة الذاتية) في لقاءين بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي، ولم يصل إلى أية تفاهمات، كم تم تشكيل لجان متخصصة للبحث والنقاش… ولم يصلوا إلى نتيجة!.

في 10 آذار، حصل اتفاق متوازن، شامل وتاريخي، تضمن اعترافاً رسمياً بحقوق الكرد القومية السياسية، مقابل تراجع قيادة قسد عن أهداف الحفاظ على السلطة والحكومة الذاتية. استغلت قسد عدم الاعتراف وتأكيد تلك الحقوق بشكل واضح في مبادئ الإعلان الدستوري لكي تتنصل من تعهداتها، وتعمل على تحشيد أوسع رأي عام سوري وكردي وإقليمي داعم لشروطها، وقد نجحت في الحصول على تفويض شامل في كونفرانس “الحوار الكردي – الكردي” 26 نيسان.

الأسباب الحقيقة لفشل المفاوضات مع سلطة دمشق ترتبط برفض قيادة قسد التنازل عن جيشها، وسلطتها الذاتية، والحرص على توزيع الموارد وفقاً لرؤيتها، وهي تتعارض مع أهداف وإجراءات العملية السياسية الانتقالية، وتعكس الرغبة والمصلحة في تفشيلها لصالح جهود وقوى مشروع التقسيم!.

في التفاصيل، وفي مقابلات صحفية متتالية خلال ديسمبر ويناير، أكد الجنرال مظلوم عبدي رفض حل قوات قسد، وانضمامها كأفراد، وفقاً لآليات وزارة الدفاع الجديدة، واعتبر أن هذا الحل “ليس مقبولاً“، مؤكداً أنه “منفتح على ربط قسد بوزارة الدفاع على أن يكون ذلك كتكلة عسكرية” ضمن التشكيل، ومحذراً من عواقب عدم التوافق:

“… نحن متفقون مع الإدارة الجديدة على ربط مؤسسات الإقليم مع مؤسسات الدولة السورية بشكل يحافظ على خصوصيتها”!

“… نحن منفتحون لربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية ومطلبنا أن يتم ربطها ودمجها، كتكلة عسكرية موجودة...”

“للشعب الكردي وضع خاص، لدينا مؤسسات عسكرية وإدارية، ولدينا تجربة موجودة، وبشكل من الأشكال، يجب أن نحافظ على “الاستقرار والأمان في هذه المنطقة”.

“… مطلبنا الأساسي هو الحفاظ على قوانين الإدارة الذاتية. نحاور “حول هذه النقطة في اللجان الخاصة بالدستور والعملية السياسية (وسندافع عن وجهة نظرنا)”.

وليس بدون دلالات إقليمية أن تحظى أهداف وشروط قسد (الحفاظ على قسد والإدارة الذاتية، بما يضمن الحفاظ على جميع مقومات وجود “إقليم مستقل”) بتفهم ودعم كامل من المرجعيات الكردستانية في أربيل والسليمانية!.

المتحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان “دلشاد شهاب”: موقف رئيس إقليم كوردستان في أول لقاء مع وزير خارجية الإدارة الحالية في سوريا، وكذلك مع رئيس الجمهورية السورية السيد أحمد شرع في أنطاليا، وجزء مهم من لقاءات رئيس إقليم كوردستان مع ماكرون ودول الخليج، هو أن سوريا الجديدة ستستقر فقط عندما تُصان حقوق جميع المكونات فيها، وخاصة حقوق الشعب الكوردي” (روداو). لا تقتصر المطالب على صيانة “حقوق الشعب الكردي” بل ويجب أن يضمن الدستور السوري الجديد حماية حقوق “جميع المكونات”.

هو ما يؤكد تصريح هوشيار زيباري في منتدى السليمانية:

“نؤيد جميع مطالبهم، ونحن امتداد استراتيجي لهم، ووقفنا معهم، وسوف نقف معهم… مع ضمان حقوقهم الثقافية واللغوية والاقتصادية، وأيضا في الإدارة الذاتية”.

ألا يلاحظ السيد وزير خارجية العراق الأسبق، وأحد أبرز قادة مشروع “إقليم كردستان العراق” أن شروط ضمان حقوق “الإدارة الذاتية” يتناقض مع شروط “وحدة التراب الوطني السوري”، خاصة اشتراط مظلوم عبدي الحفاظ على قسد، ككيان عسكري مستقل!!؟

[5]– قضايا “الخطة أ” الهجومية و”الخطة ب” الدفاعية هي في محور تفكير وجهود قيادة قسد:

في عرضه لملامح” الخطة ب”، يعتقد الجنرال أن البديل لـ “عدم اتفاق السوريين” هو” السيناريو الأسوأ، ويحصل تدخل مباشر للدول الإقليمية، عندها، سنرجع إلى المربع الأول، وسيكون هناك حرب أهلية، وتغيير ديمغرافي، وتهجيير“.

في توضيحها لجوهر سياسات “الخطة أ”، تقول السيدة إلهام أحمد، في جوابها على سؤال:

“ما الخطة (ب) لديكم في حال رفض أحمد الشرع الفدرالية؟

تحدد السيدة إلهام أحمد بعض ملامح الخطة أ:

“حالياً الواقع الموجود، الدروز هي إدارة خارج نطاق الإدارة الجديدة، العلويون يعانون، شمال وشرق سوريا لا تزال في ظل الإدارة الذاتية، إدلب كذلك نفس الأمر، هناك فئة تحكم إدلب، والمناطق السورية الأخرى نفس كذلك الأمر، بمعنى، الواقع الموجود بشكل طبيعي يخلق حالة جديدة لرسم نظام سوريا الجديد.

الخطط الموجودة لدينا هي المحافظة على ما هو موجود، وسنسعى لأن ننخرط في الداخل السوري أكثر، وسنكون مشاركين بأية عملية تحدث، وسنضغط في هذا الاتجاه، كيلا يكون لدينا خيَارات أخرى (خطة ب)”.

[6]في الربط بين “اللامركزية السياسية” وحقوق المكونات، كما تراها السيدة إلهام أحمد، تكمن إحدى وسائل آليات تحقيق “الخطة أ”:

“نرى أن سوريا لا يجب أن تعود إلى مرحلة 2011، ويجب أن تكون لا مركزية، وتعطي حقوق كافة المكونات في المجتمع السوري…”

“حالياً، الدروز، رافضون للنظام المركزي، العلويون، رافضون للنظام المركزي، نسبة كبيرة من السنة العلمانيين في سوريا، الفئة العلمانية في سوريا.. نسبة كبيرة من السوريين هم علمانيون، المسيحيون، نفس كذلك الأمر، وبالتالي، الغالبية العظمى في سوريا، يطالبون بسوريا لا مركزية.

شخص واحد أو إدارة واحدة، ليس من الصحيح أن تحدد مستقبل سوريا.”

[7]– توسع مضمون وقاعدة المكونات الاجتماعية يعبر عن إدراك لا موضوعية المطالبة بتأسيس “كيانات فدرالية” على أسس طائفية – علوية أو درزية – خاصة في الساحل السوري. في محاولة لتسويق موضوعية مشروع “اللامركزية” في الشروط السورية الحالية، توضح السيدة إلهام أحمد:

“حالياً، الدروز، رافضون للنظام المركزي، العلويون، رافضون للنظام المركزي، نسبة كبيرة من السنة العلمانيين في سوريا، الفئة العلمانية في سوريا.. نسبة كبيرة من السوريين هم علمانيون، المسيحيون، نفس كذلك الأمر، وبالتالي، الغالبية العظمى في سوريا، يطالبون بسوريا لا مركزية”.

[8]– كتب مهند الكاطع، ابن الحسكة:

“خلال الأيام القليلة الماضية، تصاعدت المؤشرات الميدانية على توجه حزب العمال الكردستاني لتحويل شرق سورية، وبالأخص محافظة الحسكة، إلى معقل استراتيجي أخير بعد إعلانه الشكلي حل نفسه في تركيا. فقد لوحظت وفود كبيرة من كوادر الحزب تدخل إلى مناطق ريف دير الزور الشرقي، معظمهم لا يتحدثون إلا الكردية والتركية، ما استدعى اصطحاب مترجمين لمرافقتهم، في دلالة على أنهم ليسوا من أبناء المنطقة ولا من قيادات “قسد” التقليدية، بل عناصر مدربة ومؤدلجة تم نقلها من معاقل الحزب في قنديل وسنجار إلى الداخل السوري، في عملية إعادة تموضع دقيقة تستبق أي سيناريو تصفية وشيكة في تركيا.

استغل حزب العمال الكردستاني الواقع الأمني والسياسي الهش بعد إعلان الحل، ليعزز وجوده في الجزيرة السورية، واستمر في حفر أنفاق متشعبة في المنطقة على نحو غير مسبوق، تمتد من الحسكة والقامشلي إلى رميلان وديريك إضافة إلى أنفاق الرقة، وتتم عمليات التحصين بسرعة وفعالية تدل على نية واضحة لتحويل هذه المناطق إلى ساحات حرب عصابات طويلة الأمد. ليس ذلك فقط، بل أقدمت ميليشيات الحزب على ردم آبار النفط في الطبقة وسرقة محتوياتها ومعداتها ونقلها إلى الحسكة، في خطوة تندرج ضمن سياق الاستعداد الاقتصادي والعسكري لمعركة كبرى مرتقبة والتخريب الممنهج الذي يحرم الدولة السورية من الاستفادة من أي موارد عند سقوط تلك المناطق بيده”.

[9]– بيان مشترك بشأن مجموعة العمل الأمريكية التركية بشأن سوريا.

وزارة الخارجية الأمريكية.
مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية.

بيان صحفي 20 أيار/مايو 2025

صدر نص البيان التالي عن حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية تركيا.

بداية النص:

“تلتزم الولايات المتحدة وتركيا بزيادة التعاون والتنسيق بشأن الاستقرار والأمن في سوريا، بحسب ما حدده الرئيسان ترامب وأردوغان. وقد استضافت الولايات المتحدة تركيا لعقد جولة جديدة من اجتماعات مجموعة العمل بشأن سوريا في واشنطن العاصمة. وقد ترأس كل من نائب وزير الخارجية كريستوفر لا ندو ونظيره التركي الدكتور نوح يلماز الوفدين الأمريكي والتركي متعددي الوكالات، وذلك بمشاركة السفير الأمريكي إلى تركيا توماس باراك الابن، والسفير التركي إلى الولايات المتحدة س. أونال. وناقش الوفدان الأولويات المشتركة بشأن سوريا، بما في ذلك مسألة رفع العقوبات بحسب ما وجه به الرئيس ترامب، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره. وتتشارك الولايات المتحدة وتركيا رؤية لسوريا التي تنعم بالاستقرار والسلام مع نفسها وجيرانها، ما سيتيح لملايين النازحين السوريين العودة إلى منازلهم. وأكدت الولايات المتحدة وتركيا على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي سوريا المستقرة والموحدة التي لا توفر ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية، بل تدعم الأمن والازدهار الإقليميين”.

[10]– أعلنت الرئاسة السورية على منصة “إكس”، الإثنين، توقيع اتفاق يقضي باندماج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، والتأكيد على وحدة أراضي البلاد ورفض التقسيم.

وأضافت الرئاسة أن الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي وقعا على الاتفاق الذي يقضي بوقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية.

بنود الاتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي:

1- ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية.

2- المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة، وكافة حقوقه الدستورية.

3- وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.

4- دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية، والمطار، وحقول النفط والغاز.

5- ضمان عودة كافة المهجرين السوريين إلى بلداتهم وقراهم وتأمين حمايتهم من الدولة السورية.

6- دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد، وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها.

7- فض دعوات التقسيم، وخطاب الكراهية، ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري.

تعمل وتسعى اللجان التنفيذية على تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.

[11]– “إن المعارك الحقيقية في الصراع على سوريا لم تبدأ بعد، ما نشهده اليوم في الحسكة والقامشلي هو إعداد ميداني لمعركة مصيرية، تستهدف وحدة البلاد وتماسكها. غير أن وضوح الخطر لا يعني التسليم به، بل يستوجب استنفاراً عسكرياً، ووعياً سياسياً، واصطفافاً وطنياً شاملاً. الفرصة لا تزال سانحة لعزل مشروع حزب العمال الكردستاني قبل أن تتحول مدن الجزيرة إلى ميادين مفتوحة لحرب استنزاف طويلة.

المعركة المقبلة ليست فقط معركة رصاص، بل معركة شرعية، ووعي، ووحدة صف”. (مهند الكاطع).

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني