مزارعو الحمضيات في اللاذقية.. خسائر كبيرة وإهمال حكومي
على الرغم من تدني الإنتاج في موسم الحمضيات هذا العام في الساحل السوري وتناقصه للنصف تقريباً جراء الحرائق التي أصابت مساحات واسعة من أشجار البرتقال في اللاذقية وطرطوس إلا أن المزارعين لا يزالون يعانون جراء صعوبة التسويق وتدني أسعار المبيع واستغلال التجار ويعتبرون العمل في أراضيهم يعود عليهم بخسائر كبيرة بدلاً من الأرباح في ظل غياب الدور الحكومي وانتشار الفساد وتفشيه في المؤسسات كافة ومنها الزراعية، إذ يعتمد على موسم الحمضيات ما يقرب من ستين ألف عائلة في اللاذقية يعملون بها ويقومون بجني المحاصيل على أمل تأمين دخل جيد لهم لكن الوضع الاقتصادي يزداد سوءاً وباتت هذه الأشجار عبئاً وسط صعوبة حراثتها وتأمين الأسمدة والمبيدات الحشرية ما دفع بعض المزارعين إلى قطع أشجار الحمضيات واستبدالها بمحاصيل أخرى أقل تكلفة وأسهل عملاً ويستطيع المزارعون تصريفها.
غياب سوق التصريف:
على الرغم من أن حمضيات الساحل السوري تعتبر من أفضل وأجود الأنواع إلا أن العقوبات المفروضة على نظام الأسد تعيق عملية التصريف الخارجية بحسب ما بين (م.ع) صاحب أحد أراضي البرتقال في منطقة السفكون في ريف اللاذقية، مشيراً إلى أن هذا الأمر حول الإنتاج جميعه إلى السوق المحلية ما سبب فائضاً وانخفاضاً كبيراً في سعره، على عكس السنوات التي يتم فيها تصديره إلى الخارج، ولكن رغم هذا فإن سعر بيعه في السوق لا يتناسب نهائياً مع السعر الذي يشتريه به التجار من المزارعين، حيث يباع الكيلوغرام في الأسواق بحدود ألف ليرة سورية بينما يتم شرائه من المزارعين بسعر 250 ليرة سورية كحد أعلى.
كما أن أرباح التاجر تزيد عن أرباح المزارع الذي يعمل طوال العام والذي يضع تكاليف كبيرة في ظل غلاء أسعار المحروقات ما يصعب عملية الحراثة ورش المبيدات الحشرية فضلاً عن أسعار المواد الرئيسية التي يحتاج لها للعمل خلال العام، متهماً الحكومة بعدم الاهتمام لوضع الحلقة الأضعف في المجتمع والطبقة العاملة من الفلاحين والمزارعين الذين يعانون ويعملون بأعمال شاقة وهم مصدر رئيسي للمواد الغذائية بينما في المقابل لجهودهم هذه لا يجنون سوى الفقر والاستغلال والعجز والخسائر الدائمة، مؤكداً أنهم لا يملكون مصادر دخل أخرى ولا يجيدون أية مهن ليعملوا بها سوى الزراعة، وإذا استمرت هذه الحال فسوف يترك الكثير منهم الزراعة، فمن يقف وراء الهجرة من الريف نحو المدينة وترك الأراضي هي الحكومة من خلال الإهمال وعدم مراقبة وتحديد الأسعار بشكل لا يستغل فيه المزارع فضلاً عن دورها الأساسي في تعويضهم في حال حدوث أضرار بالمواسم أو أي كوارث كما حدث خلال الحرائق.
وضع التجار:
أما التجار، يعتبرون أنفسهم ضحية أيضاً في ظل العجز عن التصدير وبيع المنتجات مرغمين في أسواق المدن الأخرى كدمشق وحلب وهنا ترتفع تكاليف النقل، ولا تعود عليهم بأرباح كبيرة.
يوضح (س.و) أحد التجار في مدينة اللاذقية لـ نينار برس، أنهم أيضاً يدفعون تكاليف عالية (شراء الصناديق والأيدي العاملة) لأنهم غالباً يشترون المحاصيل بشكل الضمان من المزارع وبذلك يبقى عليهم جنيها وتوفير التكاليف المتعلقة بهذا الأمر من نقل وعمال وصناديق، مشيراً إلى أن المزارعين يتهمونهم بالربح الكبير بينما الحقيقة أن أرباحهم عادية جداً في ظل هذا الوضع وقيود البيع وغياب سوق التصريف، كذلك يتحملون أعباء ما يتلف من المنتجات وما يتعرض لضرر جراء العوامل الجوية أو أثناء القطاف.
أضاف أن الحل الوحيد هو العمل الجاد من قبل المسؤولين في القطاع الزراعي من أجل إيجاد سوق تصريف خارجية دائمة تشتري المنتجات بأسعار جيدة تتناسب مع الغلاء إضافة إلى دعم المزارعين بهدف تحسين الإنتاج وتقديم الرعاية والعناية به بشكل أكبر.
سخرية من المساعدات:
أثارت المساعدات الحكومية المقدمة للمزارعين هذا الموسم السخرية والسخط بين مزارعي الحمضيات، حيث تم تقديم مبلغ عشرين ألف ليرة سورية عن كل طن من الإنتاج لـ 300 مزارع فقط من بين ألف من مزارعي الحمضيات كتعويض للخسائر جراء الرخص الكبير في السعر وجاء ذلك وفق شروط محددة يصعب تحقيقها في أفضل الحالات.
أشار عدد من المزارعين لـ نينار برس أن هذه المساعدة زادت الوضع سوءاً بدلاً من تقديم حلول في ظل آلية الاختيار للأسر المستفيدة منها التي تعتمد على المحسوبيات والوساطات بشكل أساسي إضافة إلى قلة عددها مقارنة بالمحتاجين، معتبرين أن الهدف الأساسي منها هو إظهار الاهتمام وتبرئة جانب الحكومة التي قدمت المساعدات وقامت بفعل ما يترتب عليها، بينما الحقيقة هو أنه يجب العمل على توفير الأدوية الزراعية والأسمدة والجرارات للمزارعين بشكل مجاني أو بأسعار معقولة في حال كانت هناك نية لوضع حلول لما يعانون منه، فضلاً عن شراء المنتجات بأسعار جيدة بدلاً من استغلال التجار لحاجات وفقر المزارعين الذين يقضون معظم حوائج العمل بالدين حتى حلول الموسم ويكونون مجبرين على البيع السريع، بالإضافة إلى إيجاد سوق التصريف، بينما هذه المساعدات التي اقتصرت على فئة قليلة جداً من المزارعين ستكون بديلاً لكل هذه الأمور الضرورية وتكفي لرفع المسؤولية عنهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”