مرحلة البلوغ والطرق الصحيحة لتعامل الأهل مع أولادهم
يمرّ الإنسان في دورة حياته الطبيعية بمراحل نمو مختلفة، ينتقل فيها من حالة بيولوجية/نفسية إلى أخرى، ومن هذه المراحل البيولوجية/النفسية مرحلة البلوغ. هذه المرحلة هي التي تلي مرحلة الطفولة، حيث يتطور فيها الأطفال جسدياً وعاطفياً، ليكونوا مؤهلين للبدء بالانتقال إلى مرحلة جديدة يطلق عليها مرحلة الشباب.
تحدث في هذه المرحلة (مرحلة الشباب) تغيرات جسدية ونفسية لدى من نسميه “البالغ”، هذه التغيرات تؤدي إلى ظهور خصائص جديدة تلغي مرحلة الطفولة تدريجياً، لتحلّ محلها مرحلة النشاط الجنسي/النفسي.
مرحلة البلوغ يختلف سن الفرد فيها بين ذكر وأنثى، وبين الأفراد من نفس الجنس بفروق زمنية بسيطة، لكنّ سن البلوغ عموماً لدى الجنسين يبدأ من عمر ثلاثة عشر عاماً، إلى عمر أربعة عشر عاماً بصورة تقريبية، فيطلق على هذا العمر اسم مرحلة /البلوغ/، حين يكون البلوغ طبيعياً، ولكنه قد يكون قبل السن الطبيعي فيسمى البلوغ المبكر، أو بعد السن الطبيعي، فيقال البلوغ المتأخر.
هناك علامات لمرحلة البلوغ، حيث يظهر لدى بعض البالغين ما نسميه حب الشباب، وكذلك ظهور شعر الجسم بكثافة أكثر، مترافقة مع اضطرابات جسدية ونفسية لا تنتهي بظهور علامات البلوغ، وإنما قد تكون تغيرات تدريجية أو سريعة، وقد تعكس اختلافات إيجابية أو سلبية.
يتوجب في هذه المرحلة على الأهل مراعاة خجل أولادهم عبر المبادرة معهم بالحديث عن القوة ونضج الشخصية، ومحاولة فسح المجال أمامهم للتعبير عن أفكارهم ورغباتهم الشخصية بصورة عامة. لكن القانون لا يعتبر سن البلوغ على أنه سن الاكتمال للشخصية الإنسانية، ولذلك، يعرّف القانون البالغ بأنه الشخص الذي بلغ سناً يعتبر فيه مسؤولاً عن أفعاله، وبالتالي يحاسب عليها بشكل قانوني يبدأ من عمر 18 عاماً في معظم المجتمعات.
لكن مرحلة البلوغ تُعدُّ مرحلة من المراحل الهامة في حياة الفرد، وهي مرحلة يمكن أن تتسم بالخطورة بنفس الوقت، حيث يتحكم بالسلوك البشري في هذه المرحلة النشاط الهرموني، الذي يكون على أشده في مرحلة البلوغ، وهو أمرٌ يتطلب من الأهل مراقبة سلوك أبنائهم بطريقة صحيحة، وحمايتهم من المخاطر، وإقامة علاقة إيجابية معهم، مبنية على التفاهم والحب والصراحة.
يلجأ بعض الآباء والأمهات في هذه المرحلة إلى التجسس على أبنائهم بدافع خوفهم عليهم، ظناً منهم أنهم قادرون على التدخل لصالح أبنائهم، لكن هذا التجسس أحياناً يعطي نتائج عكسية إذا لم يكن مبنياً على دراية علمية بتحولات هذه السن في هذه المرحلة، فالأبناء البالغون أصبحت لديهم قدرات أكثر سعة علمية من آبائهم وأمهاتهم بحيل التكنولوجيا والتجسس.
وهنا تبدأ المشكلة، يقول “سكايلر هوات” أخصائي علم النفس الاجتماعي في جامعة هونغ كونغ: “إن تشكيل الخصوصية، يُعدّ جزءاً أساسياً في مرحلة تطبيق الاكتفاء الذاتي للإنسان” وأكد هوات بشدّة: “على أن الحاجة إلى حفظ الخصوصية” تعتبر حاجة إنسانية تتخطى مجرد فكرة تأمين مساحة خاصة، يتمّ فيها التدخل الكبير والوصاية الكاملة على الأبناء”.
هذه الوصاية والتدخل، التي تأخذ حيزاً كبيراً في مجتمعاتنا العربية، تصل إلى حد تدخل الأهل في اختيار الأصدقاء والبرامج اليومية، واختيار الفرع الدراسي الذي يجب أن يدرس الابن منهاجه. دون النظر إلى قدرات واهتمامات أبنائهم.
هذا التدخل يأخذ أبعاداً كثيرة تؤثر في نمو الشخصية البالغة، وتؤثر على إشباعها نفسياً من أجل دورة نفسية، يتوازى نموها مع النمو البيولوجي. لتصل بعدها إلى التدخل بكل شيء في حياة الابن، ويمكن أن تصل إلى مرحلة حتى شريك حياته، هذه التدخلات الكثيرة وغير الصحيحة، تؤدي إلى اضطرابات داخلية لدى الأولاد، تظهر أحياناً على شكل حالات قلق واكتئاب، وحالات اضطراب اجتماعي، ما يساهم في هدم الثقة بين الآباء والأبناء.
نجد في الحالات السلوكية لدى البالغين تصرفات غير سوية، لا تعبّر عن حاجات النمو الطبيعي للإنسان في مرحلة البلوغ، فنرى أكثر البالغين عند أول فرصة تتاح لهم بعيداً عن الرقابة، يبدؤون بالتدخين، أو تعاطي المخدرات.
لكنّ بعض الأهل يقومون بمراقبة سلوك أبنائهم بشكل كبير، نتيجة ضبطهم لرسائله وسجلات مكالماته، وكذلك معرفة المواقع والحسابات الإلكترونية الخاصة بهم، بطريقة يشعرون فيها أبناءهم على أنهم ليسوا محط ثقة.
هذا النموذج التربوي، غير المبني على المعرفة العلمية بخصائص السلوك وتبدله في مراحل النمو الإنساني، ليس حلاً، فهذه المراقبة يجب أن تكون بطريقة بسيطة، تعتمد بصورة أوسع على الحوار مع الأبناء.
إن لجوء معظم الأهالي إلى التجسس كبديل عن التواصل مع أبنائهم، يعتبر دليلاً على انقطاع لغة الحوار مع هؤلاء الأبناء، ولهذا فالأمر هنا يحتاج إلى وجود جسور تواصل بين الأهل وأبنائهم بجميع أمورهم، وهو أفضل في هذه الحالة، ما يعطي العلاقة شكلاً أكثر عمقاً، لتعزيز الروابط بين الآباء والأبناء.
لذا، يعتبر إعطاء فرصٍ للبالغين، عبر منحهم الثقة، وزرع نظام الرقابة الذاتية لديهم، أمراً مهماً جداً، تزامناً مع الرقابة الواقعية من الأهل، ما يساعد على النمو النفسي والصحي الصحيح للبالغين.
إن تقديم الدعم والتفهم لشخصيات الأبناء البالغين، وإبداء الاهتمام بهم، وإشراكهم بالنشاطات والمناسبات، وعدم المقارنة بينهم وبين أقرانهم، من حيث الجسد أو التصرفات، لأنها أمور تختلف من شخص إلى آخر، وإيجاد قنوات يتمكنون عبرها، في التعبير عن ذاتهم وتوعية المراهق للاهتمام بنفسه جسدياً وصحياً.
إن محاولة تقديم إجابات واقعية ذات مغزى علمي ضرورة دائمة، دون اللجوء في الإجابة إلى استخدام لغة التوبيخ أو التقليل من أهمية الأسئلة. بل أن تكون الإجابة سلسةً وبسيطة عبر استخدام الحكم والأمثال، فهذه الطريقة تساعدنا بالحفاظ على أولادنا، وتنشئتهم بالشكل الأمثل.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”