fbpx

مدينة “الرقة” السورية.. عاصمة هارون الرشيد (رافقة الرشيد)

0 222

على ضفة نهر الفرات الشرقية، وفي قلب الجزيرة الفراتية، وبادية الشام، تقع مدينة “الرقة” السورية التي تتميز بأنها مدينة قديمة وهامة، وذات موقع سياحي جذاب، حيث نهر الفرات وسده الكبير بجانبيها وحيث بحيرته الضخمة وقلعة جعبر في وسطها تعطي جميعها منظراً بديعاً ولوحة أخاذة لمدينة عريقة و”الرقة” التي تقع شمال شرق مدينة دمشق العاصمة، وتبعد عنها مئات الكيلومترات، تمكنت الجهات المعنية في السنوات الثلاث الأخيرة من تقليص المسافة بين دمشق والرقة، فبعد أن كان الزائر للرقة يضطر لقطع مسافة تزيد عن 550 كم ماراً بمدينة حلب، أصبح بإمكان الزائر حالياً قطع المسافة بوقت أقل حيث أقيم طريق مباشر يربط دمشق بالرقة عبر مدينتي حمص والسلمية، ويبلغ طوله حولي 350 كيلومتر وبذلك تم اختصار المسافة حوالي 200 كيلومتر ما شجع السياح والزوار على التوجه بشكل كبير إلى الرقة لمشاهدة أوابدها ومواقعها الأثرية والسياحية والتمتع بشاطئها الفراتي الجميل.

تاريخ الرقة وتسمياتها:

عرفت مدينة الرقة باسم “الرشيد” كونها كانت تشكل العاصمة الثانية للدول العباسية في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي جعلها مقراً لإقامته وعمله، حيث أحبها حباً كبيراً وترك فيها آثاراً هامة من قصور ومبان ومساجد، وعاشت المدينة في عهد هارون الرشيد فترة ازدهار ونشاط كبيرين في المجالات كافة، ولموقع الرقة الهام على ضفاف نهر الفرات ووجود السهول الزراعية الخصبة فيها. فقد كانت مركزاً لتجمع البشر منذ العصور الحجرية القديمة، وموطناً لتقدم الحضارة، ومركزاً لتبادل السلع وتجميع الحاصلات والمؤن وتصديرها إلى بلاد كثيرة عن الطريق المائي (الفرات) الذي كان صالحاً للملاحة حيث استخدمه الحيثيون ونقلوا فيه سلعهم إلى بابل والخليج العربي وإلى الهند، واستخدمه من جاء بعدهم من الشعوب، ويؤكد المؤرخون أن تاريخ الرقة في العصور القديمة مازال مجهولاً، وأهم ما يتميز به تاريخها أنها كانت مركزاً عسكرياً ممتازاً غنياً بخيراته، وبعدد سكانه وبطرقه البرية والمائية، وتوسطه من أصقاع عدة، وقربه من البحر الأبيض المتوسط.

ففي العصر الآرامي: كانت الرقة عبارة عن إمارة آرامية تدعى بيت آدين وكانت عاصمتها تل برسيب وذلك في القرن الحادي عشر والعاشر والتاسع قبل الميلاد.

وفي العهد الإغريقي: فقد عرفت الرقة باسم نيكفوريوم حيث بناها الإسكندر الكبير حين اجتاز الفرات قبل إربيل، وسميت قالينيقوس باسم سلوقس الثاني الذي أسس مدينة جديدة أو جدد المدينة القديمة في سنة 244-242 ق.م

وفي العهد الروماني: سميت الرقة كالينيكيوم نسبة إلى الإمبراطور غلينوس المتوفي سنة 266بعد الميلاد. وتقع المدينة الرومانية شرقي باب بغداد القائم حالياً في الرقة. ولم يبق لها أثر.

وفي عهد الامبراطور جوليان كانت الرقة قالينيقوس حصنا منيعا في وجه الفرس ومركزاً تجارياً هاماً خربتها هذه أرضية فجددها الإمبراطور ليون الثاني الذي حكم الشرق في سنة 474م وسماها باسمه (ليونتوبوليس) وجعل منها مدينة متروبوليتية من أنها (كل أرض إلى جانب واد ينبسط عليها الماء وجمعها رقاق. والرقاق: الأرض اللينة) لذلك كان هناك عدة رقات متقاربة في منطقة الرقة ومنها الرقة البيضاء والسوداء ورقة واسط وغيرها.

أما العهد الأموي: اهتم الأمويون بالرقة واتصل تاريخهم بها كل مدة عهدهم فقد كانت محطتهم إلى أرمينية، وكانت الرقة محطتهم إلى غزو حدود الروم فكانت الرقة تمون جيوش الأمويين إلى أرمينية وحدود الروم وكانت تشرف على القبائل العربية في الجزيرة الفراتية. واهتم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بالرقة فوصلها بمجموعة من الحصون والقصور لتأمين الأمن ولتكون محطات لراحته وراحة حاشيته بين الشام والجزيرة والحدود البيزنطية التي كان يغزوها بنفسه، وعني بزراعة الرقة وبري أراضيها، بما فجر من الترع من نهر الفرات لسقي الأراضي.

في العهد العباسي: حصلت الرقة على اهتمام كبير، حيث كانت أهم مدينة عباسية في بلاد الشام. ويذكر المؤرخون أن المنصور هو الذي أمر ببناء الرقة العربية على طراز خطة بغداد، بعد أن ولي عليها لفترة حيث أعجبه موقعها وطيب هوائها وعذوبة مائها. وبعد استلامه الخلافة أرسل ابنه المهدي ولي عهده إلى الرقة سنة 155هـ/722م وأمره بأن يبني الرافقة على طراز بناء بغداد إلى جانب الرقة البيزنطية كما أضاف الخليفة هارون الرشيد الذي سكن الرقة طويلاً، العديد من القصور والمواقع الهامة.

بناء الرقة وأسوارها وقصورها:

ما تبقى من أوابد الرقة والتي أصبحت علامات بارزة في حياة الرقة، ومحطات هامة في تاريخها العريق، هي تلك الأبنية الضخمة من أسوار وقصور ونصب فيها أسقافاً، وفي سنة 529م منحها الإمبراطور جوستنيان منحة تجارية تربح منها عندما قرر حصر التجارة في مدن الحدود مع الفرس بمدينة نصيبين وقالينيقوس (الرقة) وارثكساتا. وقد استولى كسرى الأول عاهل الفرس على المدينة بسهولة، لأن أسوارها كانت في حالة التصليح وخرب أسوارها ودمرها. ولكن جوستنيان أنهضها من خرابها بعد ذهاب الفرس وشيد فيها أسواراً منيعة قوية بسبب توالي الحروب بين الروم والفرس. وكانت تؤول تارة إلى هؤلاء وأخرى إلى أولئك. واستقرت بيد الروم بعد انتصارهم الأخير على الفرس قبل ظهور الإسلام. وأخذت الرقة التي كان يغلب عليها الاسم القديم (قالينيقوس) دوراً هاماً في هذه الحروب.

الفتح الإسلامي لمدينة الرقة:

يذكر ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أن الفتح الاسلامي للرقة تم سنة 17هـ، حيث قام القائد الإسلامي عياض بن غنم في جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح – رضي الله عنه – وكذلك القائد سهيل بن عدي في فتح الرقة صلحاً. ولقد اتخذ عياض من الرقة قاعدة لفتوحاته في الجزيرة الفراتية حيث أتم عياض فتوحات الجزيرة سنة 19هـ ورجع الى الرقة ومنها سار إلى حمص وكان الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) ولاه إياها فمات سنة 20هـ كانت الرقة عند فتح العرب المسلمين لها ذات سور وأبواب وغلات متنوعة وسوق عامة. ولم يؤذها العرب وأبقوا لها الحرية بالاعتقاد وأبقوا الأراضي بيد أهلها ورتبوا عليها تكاليف الأمن فقط (الخراج والجزية) واستمرت الرقة في حياتها الاعتيادية تفيد من خصوبة أرضها ووفرة مياهها وموقعها الجغرافي بين الجزيرة والشام ما أعطاها أهميتها التجارية بعد وفاة عياض بن غنم فاتح الرقة وولي الجزيرة، ولى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) سعيد بن عامر بن خذيم سنة 20هـ فبنى بها جامعاً من الآجر.

وقد سميت الرقة بعد الفتح الإسلامي لها بالرقة البيضاء كما جاء في أبيات سهيل بن عدي الذي سجل بها فتح الرقة ومر ذكرها، وسبب التسمية كما يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان التي بنيت في العصر العباسي، حيث قام المنصور وابنه المهدي ببناء أسوار الرقة على هيئة أسوار بغداد، سور داخلي وسور خارجي بينهما فصيل، وحفر حول السور الخارجي خندقا سمك السور الرئيسي 8/5م وعرض الفصيل 80/20م وسمك السور الخارجي 50/4م وعرض أعلى الخندق 90/15م. وأساس السور من الحجر الكلسي. وشابهت بغداد في بيوتها وأبوابها وجعل للمدينة بابين الأول في الزاوية الجنوبية الشرقية، لا يزال قائما ويسمى (باب بغداد)، فغطته مديرية الآثار بمسانيد حجرية. والثاني في الزاوية الجنوبية الغربية يسمى (باب الجنان)، وكان البابان من الآجر وكان بجانب كل منهما برج مستدير نصف قطره (80/7م) لا يزال برج الباب الأول موجوداً، وقد زال برج الباب الأول موجوداً، وقد زال برج الباب الثاني وكان قد رآه الرحالة الغربي هركز فلد سنة 1908م. وكان لها باب ثالث في الجهة الشمالية يسمي باب أورفه.

في عهد الرشيد: بنيت العديد من الأبنية الضخمة، فقام هارون الرشيد ببناء قصر عظيم سماه (قصر السلام) وأسموه القصر الأبيض بناه خارج سور الرقة. وأوعز لبعض رجال دولته أن يبنوا قصورهم بجانب قصره فبنوا وأمر بإنشاء كل ما يلزم فيها من وسائل الراحة والترف: كميادين سباق الخيل وملاعب الصولجان وحقول الصيد ومواني السفن والحراقات، والحدائق المزدهرة على ضفتي الفرات، فأصبحت الرقة من المدن الجميلة.

الرقة مدينة الخزف:

لقد ذاعت شهرة مدينة الرقة بصناعة الخزف وكانت الرقة تقف بهذه الشهرة الى جانب شهرة مدينة الموصل التي كانت أعظم مركز لصناعة التحف المعدنية المزينة بالفضة والذهب في القرنين السادس والسابع الهجريين، ويذكر المؤرخون أن من أنواع الخزف الاسلامي المعروف نوع ينسب إلى مدينة الرقة على نهر الفرات وقد تداولت أيدي التجار السوريين كميات كبيرة منه امتلأت بها الأسواق. وكانت صناعة الخزف والزجاج منتشرة ورائجة ما جعل صناعها في الرقة يتزاحمون بإتقانها والتفنن برسومها وكتاباتها وألوانها وأشكالها.

وهناك أنواع عديدة مختلفة من خزف الرقة ذي البريق المعدني وذي الزخارف وتشمل الأواني ذات البريق المعدني على زهريات وأباريق وسلاطين وكاسات مختلفة الأحجام. أما ألوان البريق المعدني السائدة فهي: البني الداكن وهو من الألوان النادر استعمالها في مراكز صناعة الخزف الأخرى.

وتزين أواني الرقة زخارف نباتية وكتابات نسخية أو كوفية، ومن الأنواع الأخرى المعروفة من خزف الرقة نوع رسمت زخارفه باللون الأسود تحت طلاء أزرق فيروزي.

ترميم ومتحف ضخم في الرقة:

تنتشر بعض آثار الرقة في كثير من متاحف العالم كمتحف المتروبوليتان في أمريكا وفيه جناح خاص عن زجاج الرقة وخزفها وكذلك في متحف فرير غاليري بواشنطن كما تضم بعض أقسام متاحف باريس وألمانيا شواهد عديدة من آثار الرقة القديمة والإسلامية، وكانت مدينة الرقة قد حصلت منذ سنوات على جائزة منظمة المدن العربية التابعة لجامعة الدول العربية وذلك تقديراً لدور الرقة الكبير في الحضارة العربية والإسلامية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني