fbpx

محافظة السويداء.. واقع وسمات

0 358

محافظة السّويداء من المحافظات السورية العريقة، تاريخها يعود لأكثر من عشرة آلاف سنة، تقع في الجنوب من سوريا شرق محافظة درعا وجنوب شرق العاصمة دمشق، معظم سكانها من طائفة الموحدين الدروز بنسبة 87% تقريباً؛ علماً أن نسبتهم بالنسبة لعدد سكان سورية 2.5% تقريباً، وفيها مسيحيون قد تصل نسبتهم إلى 11%؛ علماً أن نسبتهم بالنسبة لعدد السكان في سورية عموماً 7%، وتتصدّر الطوائف المسيحية في السويداء طائفة “الروم الأرثوذكس”، حيث تمثلهم مطرانية بصرى وحوران وجبل العرب، ومن ثّم تليها طائفة الروم الملكيين الكاثوليك، وتتمثل في الأبرشية. وينتشر المسيحيون في غالبية بلدات ومدن السويداء.

والإسلام السنة بنسبة 2% أو أكثر بقليل؛ علماً أن نسبتهم العامة في سورية حوالي 70% بالإضافة للإخوة العشائر وهم من الإسلام السنة.     

تتميز محافظة السويداء بالتعايش السلمي بين سكانها على اختلاف انتماءاتهم الدينية باحترام ومسؤولية اجتماعية وأخلاقية ووطنية عالية، تعتبر نموذجاً متقدماً للتعايش المشترك، وتأكيد الهوية الوطنية العليا التي لا تلغي بل تحترم الهويات الخاصة لكل مكون، فقد عرف تاريخ المحافظة – وهو خير شاهد – تكاتف هذه المكونات وتلاحمها للدفاع عن القيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية النبيلة، فقد شبعوا معاً، وجاعوا معاً، وحاربوا الاستعمار معاً، وتصدوا للفتن معاً؛ كما يحاربون اليوم كل ما يهدف لانتهاك السلم الأهلي، فقد وقف سكان الجبل بكل دياناتهم وطوائفهم ومكوناتهم السياسية والأهلية ضد إثارة الفتنة والتحارب مع أهلنا في السهل، وقد فشلت كل محاولات الشقاق والاختلاف بين النسيج الواحد لأهل السهل والجبل؛ كما فشلت كل المحاولات لإيقاع الخلاف والاختلاف بين الموحدين وبين أشقائهم وأهلهم من العشائر، فكان لوعي الناس الفطري والوطني المسؤول عند كل أطياف المجتمع الأهلي دور مؤثر وهام وكبير في الحفاظ على علاقات الأهل الطيبة والتصدي لكل أنواع زرع الشقاق والفتنة بين النسيج الاجتماعي المتماسك؛ ما اضطر تلك الجهات الهدّامة لإعطاء عصابات الخطف والسرقة مجالاً ودعماً كبيراً علّها تفلح بما لم تنجح به في الأساليب السابقة مستفيدة من الفلتان الأمني، وغياب القانون أو تغييبه. وكان لهذه المحافظة دورٌ بارز ومتميز بالتصدي لكل أنواع الفتن التي تهدف إلى الاختلاف والشقاق بين الأهل، ومنع إشعال فتيل الحرب الداخلية بين الأشقاء بكل أشكالها سواء بين الموحدين وأبناء العشائر أو بين المحافظة وجيرانها مؤكدة على الوحدة الوطنية، واللحمة التاريخية المشتركة، وقد تصدت هذه المحافظة لكل محاولات تهديم أعمدتها وأسسها النبيلة، فلم يتأثر بنيانها وعموده الوطني، وهو أساس اللحمة بين مكوناتها، فما زال أبناء المحافظة يتغنون بوطنيتهم، وهي دليلهم العملي وبوصلة علاقاتهم، ومبدأ مواقفهم السياسية كلها، كما حافظوا على بنيانهم ذاته بمنعهم تهديم العمود بل الركن الهام في هذا البناء ألا وهو الأساس الأخلاقي من قيم وعادات وتقاليد معروفيه نبيلة، وهي عروبية الأصل ومدنية المحتوى، ودينية المبدأ.

أما الركن الآخر والهام المتعلق بالتاريخ والدين حيث تلامس حقيقة المبادئ الإنسانية الواقع في القول والسلوك متجسدة بإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإكرام الضيف، والذود عن الأرض والعرض، حيث ترخص في سبيلهما الأجساد والأموال والأرواح، وخير مثال على كل ما سبق هو استقبال بل استضافة المحافظة لعدد كبير من الأسر التي تركت موطنها الأصلي وبيوتها فراراً من الحرب وآثارها التدميرية، وشبح الموت الذي يهدد الكبير والصغير، والرجل والمرأة، فاستقبلت المحافظة ما ساوى عدد سكانها إذا لم يكن أكثر. فاجتمع السوريون من كل بقعة من الجغرافيا السورية ومن مختلف الأديان والقوميات على أرض السويداء، فأين اتجهت تلتقِ بأسرة من دير الزور أو من الحسكة أو من حلب أو حماة أو حمص أو ريف دمشق أو درعا أو اللاذقية أو طرطوس أو القنيطرة. وقد تقاسم سكان المحافظة معهم الخبز والماء والمازوت والغاز والخضرة والفاكهة وهذا أمر طبيعي عند جميع السوريين ولا يحتاج لشكر أو ثناء؛ لكنّ المهم أنه لم تحصل أي مشاكسة، ولم تسجل مخافر الشرطة أو الجهات القضائية أيّ مشكلة شجار أو قتل أو تحرش أو اعتداء على طفل أو امرأة. أي لم تشهد المحافظة سجلاً واحداً لانتهاك حرمة الضيوف أو الاعتداء على بيوتهم أو أسرهم، وأستثني عمل العصابات المسلحة، وهي مشتركة في عناصرها من مختلف المناطق، ومرجعيتها ليست من الأصول الأخلاقية السورية، ولا تمثل أخلاق المحافظة، ولا تمثل الهوية الاجتماعية والأخلاقية والوطنية للمحافظة. والجميع يعرف حقيقة هذه العصابات وأجنداتها وأهدافها بل أهدافها الأولى الإساءة للمحافظة نفسها.

وينقسم سكان المحافظة بين موالٍ ومعارض، وبين صفوف المعارضة أسماء لامعة ومؤثرة، وينحاز أهل السويداء بشكل عام للتغيير السلمي الديمقراطي، فيوجد فيها عدد من الأحزاب المعارضة وعدد من التجمعات الأهلية والاجتماعية والمدنية، معظمها في صفوف المعارضة. ويوجد فيها فصائل وميليشيات مسلحة تتراوح بين الموالاة والمعارضة؛ ولكن ما يميز أهل السويداء بعدهم عن التعصب، ويرفضون كل مشاريع التجزئة والتقسيم، وكلنا يعرف أن السويداء مستهدفة من جهات كثيرة متحاربة على الأرض السورية؛ لكنها قدمت نموذجاً للوحدة الوطنية بالدفاع عن هويتها وسيادتها، وحماية العرض والأرض بمواجهة هجوم داعش المخطط له بدقة، والمدعوم من جهات متعددة، وبروح قتالية عالية ووطنية متميزة اُجْهِض هذا المشروع، ولم ينتصر على الأرض، ولم يحقق أهدافه؛ ولكن دفعت السويداء عدداً كبيراً من الجرحى بلغ 90 مصاباً بدرجات مختلفة، وأكثر من 250 شهيداً، وحوالي 35 مخطوفاً، تم إعدام اثنين منهم أحدهما شاب جامعي.

وقبل أن أختم هذه الورقة اسمحوا لي أن أحيي الشعب السوري التواق للحرية أينما وجد على الجغرافيا السورية، وأخص أهل السويداء بشهادة عدوهم الفرنسي الجنرال ديغول الذي أنصفهم بشهادته حيث قال: “العشيره المعروفية من أشرف العرب وأكرمهم، بيوتها ومضافاتها فنادق مجانيه ومقاهي مجانيه، إنها تحب الحق وتموت في سبيله، لا تعتدي على أحد، ولا تنام على ضيم، تحمي الضيف والدخيل بالدم، وتبذل الغالي والرخيص فداء كرامته، وحمايته واجب مقدس عندها، عاداتها وتقاليدها من أشرف العادات.. حاربناها لكنها هزمتنا، ولم يذلَّ الجيش الفرنسي إلا أمام العشيرة المعروفية فقط، رغم كل الانتصارات التي حققها في أكبر المعارك المصيرية”.

ليس تعصباً، وليس تفاخراً، وليس تقليلاً من أحد أو لأحد، فأهل السويداء جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني والاجتماعي للسوريين أينما وجدوا على الأرض السورية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني