fbpx

مجلس الشعب السوري بين التغيير والضجيج

0 78

الكثير من معارضي الرئيس السوري يصفون مجلس الشعب السوري بمجلس الدمى، لذا لم تعلق المعارضة السورية على انتخابات مجلس الشعب السوري المزمع إجراؤها في 15 يوليو/تموز 2024، بناء على نص المرسوم الرئاسي رقم (99) لعام 2024.

يتكون مجلس الشعب من 250 عضواً، وقد نصت المادة 53 من دستور عام 1973 (أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب على الأقل من العمال والفلاحين)، وتكرر هذا النص في الفقرة الثانية من المادة رقم 60 من دستور عام 2012 الذي صدر في عهد بشار الأسد، وفي نص المادة 22 من قانون الانتخابات العامة 5 للعام 2014، وهو ما جعل عدد الممثلين النيابيين من للعمال والفلاحين 127 عضواً نيابياً، في حين يحصل باقي فئات الشعب على 123 عضواً نيابياً.

ظاهرياً وفي الإعلام تبدو سوريا بلداً علمانياً، ولكنها بالحقيقة هي دولة غارقة بالتفاصيل الطائفية، حيث فرض الأمن عبر السلطة السياسية الممثلة بتحالف حزبي يسمى “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يتزعمها حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو الحزب القائد للدولة والمجتمع وفق الدستور السوري، نظام توزيع طائفي غير معلن للمناصب، ففي ما يتعلق بالممثلين النيابيين في مجلس الشعب جرت العادة منذ زمان حافظ الأسد وامتدا لحكم ابنه بشار الأسد الابن، أن تحصل الغالبية السنية (%70 من سكان سوريا) على 171 ممثلاً نيابياً سنياً في جميع المحافظات السورية، بينما يحصل العلويون (%7-%11 من سكان سوريا) على 39 ممثلاً نيابياً موزعين على أربع محافظات، أما الطائفة المسيحية (%8-%13 من سكان سوريا) فتحصل على 23 ممثلاً نيابياً موزعين على عشر محافظات، الطائفة الدرزية (%1-%3 من سكان سوريا) تحصل على 9 ممثلين نيابيين ستة منهم من محافظة السويداء، بينما تحصل الطائفة الشيعية (%1 من سكان سوريا) على 5 ممثلين نيابيين، الطائفة الإسماعيلية (%1 من سكان سوريا) تحصل على ممثلين نيابيين، في حين تحصل الطائفة المرشدية (%1 من سكان سوريا) على ممثل نيابي واحد.

أيضاً يراعي التوزيع النيابي الطائفي، المشاعر القومية، والعرقية، والعشائرية في المجتمع السوري، حيث توزع المناصب النيابية في كل طائفة حسب الوزن العشائري، فمثلاً ضمن الطائفة العلوية تحصل العشائر التي تتبع الطريقة الكلازية بالتدين على نسبة أعلى، من العلويين الذين يتبعون الطريقة الحيدرية “الماخوس” بالتدين، بسبب أن الكلازية أعلى ديموغرافياً من الحيديريين، كما هم من أتباع نفس الطريقة الدينية التي تنتهجها أسرة الأسد الحاكمة.

كما توزع المناصب النيابية بين أتباع الطريقة الكلازية استناداً لانتماءاتهم العشائرية (الكلبية، الحدادين، الخياطين، المتاورة)، ففي حال لم يحصل أحد من ابناء تلك العشائر على منصب نيابي، فمن المؤكد أن أحد أبنائها سيحصل على منصب وزاري.

GovernorateSunni  Alawites  Christians  DruzeShia  IsmailiMurshiditeTotal
Damascus2115 2  29
Damascus Countryside15 22   19
Aleppo17 3    20
Aleppo countryside32      32
Latakia4112    17
Tartous391    13
Hama982  2122
Idlib16   2  18
Deir ez-Zur13 1    14
Ar Raqqah8      8
Al-Hasakah12 2    14
Daraa8 2    10
Suwayda   6   6
Al Qunaitra4  1   5
Homs9103 1  23
Total17139239521250

المسيحيون وبحكم غياب تمركزهم في منطقة جغرافية محددة، وانتشارهم في عموم المحافظات السورية، هم غير قادرين على الحصول على أصوات ناخبين كثر من أبناء طائفتهم، لذا فرض الأمن على أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، تعيين ممثلين مسيحيين ضمن قوائمهم الانتخابية، وفعلياً قوائم الانتخاب التابعة للجبهة الوطنية التقدمية دائمة النجاح، وبنسبة %100، لدرجة تشعر السوريين أن نتائج الانتخابات غير مهمة، لأن الرابحين معروفين بمجرد إدراج أسمائهم في قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، من هنا ندرك أن الأمن السوري هو من يحدد قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، وفي حال قرر الأمن السوري ترشيح شخصية ما لتكون ضمن قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، فإن هذا الشخص لا يمكنه الرفض، أو التهرب من التكليف، والا اتهم بالخيانة، والتخلف عن خدمة الوطن والقائد للدولة والمجتمع.

عدد الممثلين في قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، هو أقل من العدد النيابي المخصص في كل محافظة، وهذا الأمر يسمح بمنافسة انتخابية محدودة بين فئة أخرى تدعى فئة المستقلين، وعادة تكون هذه الفئة من الأغنياء ورجال الاعمال أو الشخصيات العامة، وبالتأكيد كل المرشحين المستقلين مضطرين للحصول على دعم من القيادات الامنية لحملتهم الانتخابية، والا سيفقدون احلامهم بالحصول على المنصب النيابي، لذا هذه الفئة مرتبطة أيضا بالأمن السوري، او تكون معينة من قبله لغرض تمرير صفقات تجارية أو صناعية تحصل من خلالها القيادات الامنية على نسب من الارباح.

الفئة الدينية الوحيدة المهمشة نيابياً، هي أتباع المذهب الإيزيدي، فالدولة السورية لا تعترف بهذه الديانة وتدرج أتباع هذه الديانة (قرابة 13 ألف نسمة) ضمن السجلات الرسمية على أنهم مسلمون سنة.

مهام أعضاء مجلس الشعب الممكنة

لم يقدم مجلس الشعب على أي تعديل دستوري يتعلق بالأمور السيادية في الحكم منذ تولي الرئيس حافظ الأسد السلطة في سوريا، باستثناء تعديل المادة الدستورية عام 2000، الذي سمح بتنصيب ابن الرئيس السوري بشار الأسد خليفه لوالده، بعد ان عدلت المادة الدستورية التي تتعلق بعمر الرئيس السوري، لتصبح 34 عاماً، بعد أن كانت 40 عاماً.

فعلياً لا يتجرأ أي من أعضاء مجلس الشعب على توجيه أي انتقاد لأي مشروع قرار مقدم لمجلس الشعب، لأن إمكانية اعتقالهم وتشويه سمعتهم أمر سهل على الأجهزة الأمنية السورية كما حدث مع النائبين مأمون الحمصي، ورياض سيف في فترة ربيع دمشق.

من هنا باتت مهام مجلس الشعب منحصرة، في توصيل مطالب شعبية للسلطات والوزراء، وجلّ تلك المطالب تتعلق بأمور خدمية، مثل توصيل الكهرباء وشبكات الصرف الصحي لبعض المناطق، أو ضرورة تضمين خطط التنمية الحكومية لمشاريع تعليم في منطقة نائية، أو زيادة المرافق السياحية لمنطقة ما بما يتماشى مع التغيرات الديموغرافية.

أما فيما يتعلق بالشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، فإن عموم أعضاء مجلس الشعب موحدين في ترديد خطابات القيادة السياسة والأمنية التي تتعلق بالتصدي لإسرائيل والمشروع الأميركي الامبريالي الذي يستهدف سوريا، وضرورة دعم محور المقاومة والممانعة المتمثل بإيران – حزب الله – حماس – النظام السوري.

بعد اندلاع الثورة السورية، وتحولها إلى حرب أهلية، بات النواب السنة مكسوري الجانح، لأنهم غير قادرين على توفير خدمات للأجهزة الأمنية تتعلق بامتصاص غضب الشارع الثائر، ولم يتجرأ أي منهم على المطالبة بالإفراج عن أي معتقل، في حين لعب بعض النواب من الأقليات دوراً وسيطاً مع بعض رجال الأمن بغية معرفة مصير بعض المعتقلين، وبعضهم سعى سراً لإدراج أسماء بعض المعتقلين ضمن مراسيم العفو الرئاسي، من هنا كان وجود الأقليات في مجلس الشعب السوري مفيدا للمدنيين السوريين المغلوب على امرهم، طبعا هذه الخدمات كانت مأجورة من قبل ذوي المختطفين والمعتقلين، وهي تدخل في اطار دائرة الفساد العامة في سوريا.

رغم خروج محافظات كاملة عن سلطة النظام السوري، مثل (محافظة إدلب، والحسكة، والرقة، السويداء) إلا أن النظام السوري أصرّ على تعيين ممثلين لتلك المحافظات في مجلس الشعب، في إشارة منه إلى أن تلك المحافظات جزء من سوريا، والجهات التي تسيطر على تلك المناطق، هي جهات محتلة، ولا سمة شرعية لها في إدارة تلك المحافظات.

أيضاً لم يغير النظام السوري من مستوى تمثيل النواب السوريين عن أي محافظة، رغم أن العديد من المحافظات تناقص عدد سكانها بفعل حجم الدمار الذي طال بنيتها العمرانية ومرافقها التحتية، كما أن الديموغرافيا السكانية تبدلت بشكل واضح في سوريا بسبب نزوح ما يزيد عن 6.5 مليون نسمة من سوريا، وجميع هؤلاء النازحين مغيبين عن العملية الانتخابية، من هنا يتضح لنا أن النظام السوري يسعى لعدم خلق أي تغيير سياسي في البلاد كي يبدو بمظهر المتوازن طائفيا وقوميا أمام حاضنته السكانية.

التغير الواضح في مجلس الشعب، كان في العام 2017 عبر تعيين رئيس لمجلس الشعب من أصول مسيحية، وهذا المنصب كان منوطاً منذ عهد الرئيس حافظ الأسد بالطائفة السنية، وتحديداً سنة مدينة دمشق، ولربما هذا التغيير هدفه إرضاء الروس، وتوجيه رسالة للغرب بأن المسيحيين لديهم مناصب قيادية في الدولة التي يحكمها الأسد.

برأي أيمن عبد النور، المستشار السابق للرئيس السوري والمنشق حالياً عنه، فإن الطائفة المسيحية تضررت سياسياً، فقد جرت العادة أن يعين أو ينتخب عضو مسيحي في القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ولكن هذا الإجراء تم تغييره مع تغير اسم القيادة القطرية إلى اسم القيادة المركزية لحزب البعث الاشتراكي عام 2018، ففي انتخابات القيادة المركزية الأخيرة هذا العام لم يحصل أي عضو مسيحي على منصب فيها سوى النائب حمودة صباغ وذلك بحكم منصبه كرئيس لمجلس الشعب.

ويضيف أيمن لمركز التنمية البيئية والاجتماعية إن وجود حمودة صباغ في القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي سببه الوحيد أنه رئيس لمجلس الشعب السوري، لذا إن أسفرت انتخابات عام 2024 عن رئيس مجلس شعب غير مسيحي، فإن المسيحيين سيخسرون موقعهم السياسي في القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا تراجع كبير في التمثيل السياسي للمسيحيين السورين.

المحامي مهند الحسني وضح لمركز التنمية البيئية والاجتماعية، أن النظام السوري غير معني بتقليص حصص الأقليات الممثلة نيابياً، ولكنه قلص الصلاحيات السياسية للأغلبية السنية عبر إلغاء منصب رئيس مجلس الشعب عنهم، والأمر ذاته عبر تعيين عدة ضابط علويين في إدارات أمنية كانت محسومة للسنة، مثل مكتب الأمن الوطني، التي كان اسمها سابقاً مكتب الأمن القومي، لذا إن حدث تغيير في الحصص النيابية فقد يطال التمثيل السني.

السوريون المسيحيون عموماً ليسوا منخرطين بشكل جدي في الحياة العسكرية السورية، وبحكم كونهم أقلية موزعة في مختلف المحافظات السورية، فهم ملتمسون لمشاعر العداء الطائفي بين الشيعية والسنة، ولا يرغبون أن يكونوا طرفاً فيها، لذا غالبية الأسر المسيحية أرسلت أبنائها لدول المهجر، ومن استقر بالخارج لن يعود إلى سورية وهي دولة ممزقة وفاشلة إدارياً.

فإذا قاطعنا أفكار عبد النور، والحسني، قد نستنتج أن النظام السوري هذا العام سيجدد لشخصية مسيحية في رئاسة مجلس الشعب السوري، كي يحافظ على التوازن الطائفي في القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وإن لم يفعل ذلك فقد قرر وبحق تهميش المسيحيين سياسياً. وهذا الأمر قد يعطي احتمالاً نحو تقليص مستوى التمثيل المسيحي في مجلس الشعب هذا العام أو في الدورات النيابية اللاحقة، وقد يعوض عن النواب المسيحيين بشخصيات علوية أو شيعية، خاصة وأن الشيعة تزايد عددهم مؤخراً في سوريا وتحديداً في العاصمة دمشق، وريف دمشق، وريف حمص.

أيضا ساهم الاضطراب الأمني والقصف الإسرائيلي على مناطق الجنوب اللبناني، بنزوح أكثر من 200 أسرة لبنانية شيعية نحو محيط العاصمة دمشق، ورغم أن هذه الأسر لم تحصل على جنسية سورية، إلا أن العديد من مقاتلي حزب الله وأسرهم حصلوا على هويات سورية خلال عملهم العسكري ضمن الأراضي السورية، وهذا من شأنه زيادة الديموغرافيا الشيعية في سوريا، وان استمرت الاضطرابات الأمنية في الجنوب اللبناني، فإن تلك الأسر وغيرها قادرة على الحصول على هويات سورية، في ظل حالة التراخي الواضحة من الحكومة السورية مع المطالب الإيرانية والنفوذ الواسع لحزب الله ضمن دوائر القرار السورية.

السوريون الدروز حيدوا أبناءهم عن الخدمة الإلزامية في المناطق خارج محافظة السويداء، وهم مهددون حالياً من قبل النظام السوري والمليشيات الإيرانية، ولا يوجد تأثير للنواب الدروز على الشارع المنتفض ضد النظام السوري في محافظة السويداء، ولا تتجرأ أي شخصية درزية سياسية أو اقتصادية لها جذور محترمة شارعياً أن تغيير رأي الشارع الدرزي في محافظة السويداء.

ضمن سياسة العصا والجزرة التي انتهجها النظام مع السوريين السنة كان من المتوقع أن يفعل المثل مع الدروز، بحيث يخفض من التمثيل الأمني أو التمثيل النيابي الدرزي في مجلس الشعب، ولكن هذا الأمر مستحيل كون عموم الشعب في محافظة السويداء من الدروز، لذا لجأ النظام السوري لتعيين محافظ جديد للسويداء وهو اللواء أكرم علي محمد المعروف بشراسته، وعلاقاته الأمنية مع مقاتلي حزب الله ومليشيا فاطميون خلال معارك حلب عندما كان رئيساً لإدارة أمن الدولة في حلب، وهذا الأمر يعطي مؤشراً أن النواب الدروز الذين سيتم تعينهم ضمن مسرحية الانتخابات التي سيديرها اللواء أكرم، سيكونون من الفئات المعارضة للحراك، والتي قد تطالب في مجلس الشعب بقمع أهلهم في السويداء بقبضة من حديد.

باقي الأقليات لن تتأثر في تمثيلها النيابي، كون تمثيلها في الأساس منخفض، ومن المتوقع أن يراعي النظام السوري مستوى التمثيل النيابي السني في انتخابات 15 يوليو/تموز 2024، خاصة وأن عدد من الدول العربية السنية أعادت علاقاتها معه وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والبحرين، والأمارات، وجمهورية مصر العربية.

هذا العام سيكون على عاتق الممثلين النيابيين في مجلس الشعب، أدوار هامة وخاصة فيما يتعلق بالإعلام، والعلاقات الخارجية، والصفقات الاقتصادية، فالكثير من شخصيات النظام السوري الأمنية والسياسية باتت مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية، والكثير منهم لا يتجرأ على السفر بالطيران غير السوري خوفاً من الاعتقال من قبل الإنتربول، لذا المؤسسة الأمنية السورية ستهيئ قسماً من النيابيين السوريين ليلعبوا هذا الدور، ومن واجب المعارضين للنظام السوري رصد هذه الشخصيات والتبليغ عن أية انتهاكات يقومون بها لأنهم أذرع النظام الأمني الجديدة نحو الخارج.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني