مجزرة الغوطة وأبواق المصالحة
يبدو أن ذاكرة الحكومات العربية هي ذات ذاكرة السمك، فهم يتجاهلون أن نظام أسد ارتكب جرائم حرب ضد السوريين لم يسبقه عليه أحد، ولهذا يتشاطرون ويتسابقون على استعادة النظام في منظومتهم المسماة (الجامعة العربية).
وسط هذا اللغط ومحاولات تعويم نظام عصابات أسد، تمرّ علينا في هذه الأيام الذكرى التاسعة لمجزرة نظام الأسد الإرهابي ضد أهالي الغوطة، التي راح ضحيتها مدنيون من رجال وأطفال ونساء، وذلك بأوامر مباشرة من رئيس النظام الإرهابي بشار الأسد، وفق معلومات مؤكدة بارتكابه هجوماً بالأسلحة الكيماوية على أهالي الغوطة وهم نيام.
هذه الجريمة بشعة بكل الأبعاد، لا يصدقها عقل الإنسان، وكان صعباً على المجتمع الدولي فهم أو استيعاب أي نوع من أنواع خلق الأعذار لها. فضحايا الغوطة لم يكونوا مسلحين، والهجوم لم يكن براً، هؤلاء كانوا مدنيين عزّل غير مدججين بأسلحة ثقيلة، ليتمّ قتلهم بأسلحة الدمار الشامل دون تمييز.
إن التفسير الوحيد لهذا الهجوم هو الدلالة على أن عصابة الأسد لا حدود لإجرامها، وهي غير مكترثة بالمجتمع الدولي، لا بل هي خطر عليه، وإن النظام ذاهب لنوع من الإجرام المطلق بلا عودة، أو أنصاف حلول أو وساطات ومصالحات مستقبلية، لقد أثبتت مجزرة الغوطة الكيماوية وغيرها من المجازر الكيماوية التي تلتها، إن عصابة الأسد قد حسمت طريقها في سلك طريق الاجرام المطلق دون العودة، إن دعوات بعضهم في المنطقة للمصالحة بين المعارضة السورية وعصابة نظام الاسد بعد الجرائم المهولة ضد السوريين وبعد قتل أكثر من 1429 مدنياً أعزل، منهم 426 طفلاً في مجزرة الغوطة وغيرها، ومليون شهيد ومئات ألوف المعتقلين والمختفين قسريا وأكثر من 12 مليون بين نازح في الداخل ولاجئ في دول الجوار، وتدمير البنية التحتية لسوريا، هو أشبه بالاستسلام والخنوع والذل.
إن أيّ مصالحة دون تقديم مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من عصابة النظام السوري للعدالة هو مخالف للطبيعة البشرية، وسيرورة الحياة والطبيعة الإنسانية، والقيم والأسس التي يتبناها المجتمع الدولي، ونظام الأمم المتحدة، ومعاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية.
إن نظاماً يمارس أبشع انواع القتل والجرائم، ويمارس الكذب والنفاق والمراوغة مع نفسه قبل الجميع، ومع شعبه والمجتمع الدولي، ويمارس الإجرام والإرهاب اللامحدود ضد شعبه الأعزل، ويقوم باغتيال موظفيه بعد انتهاء خدماتهم له، ولا يتورع عن تدبير الاغتيالات للمعارضين له، ويسجن مئات الألوف حالياً من معارضيه ويتم قتلهم يومياً، لهو نظام عصابة شريرة مجرمة، وليس نظاماً سياسياً استبدادياً أو مجرد نظام ديكتاتوري.
لا يملك النظام الأسدي أي مصداقية ولا يلتزم بأي عهد، وهذه عقلية قطّاع طرق وليس عقلية أنظمة حكم طبيعية، ولا يمكن أن يؤتمن له، إنه يتلاعب ويتهرب من مستحقات القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتحديداً القرار 2254، ويتلاعب ويتهرب في مفاوضات اللجنة الدستورية التي لا طائل منها.
إن سلوك طريق المصالحة هو سياسة خرقاء فاشلة، وستجلب الويلات للشعب السوري والوطن والمنطقة والعالم، إنها ضرب من تخييلات الشيطان وبداية النهاية، للذين يريدون أن يسلكوها من المعارضة السورية، على هؤلاء أن يعلموا الحكمة بأنه لا تستطيع أن تجعل عذابك ونضالك أسهل بالتحالف مع الشيطان، من الأفضل الاستمرار بالطريق الوعر وعذابات النضال، لأن نهايتها مكفولة بالنجاح، إن الدم الذي أراقه الأسد وعصابته يجب أن يدفع ثمنه، وإلا فليستعد الجميع لتحمل ما سيحدث بعد ذلك من نتائج لن تحقق عودة السوريين إلى مربع وطنيته، هذا المربع لن يتمكن أحدٌ من السير فيه بدون تطبيق العدالة الانتقالية، إن اطلاق أبواق المصالحة تحت أعذار واهية، منها الحفاظ على وحدة سوريا، أو الخوف من إنشاء كيان كردي انفصالي هو غير مبرر، ولا يبرر التحالف والتطبيع مع عصابة من الارهابيين قتلة الأطفال، والتي تريد الاستمرار باغتصاب احتلال سوريا، وتركيع شعبها، وإعاقة تطورها على أسس صحيحة.