كتب الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي في كتابه “الأيام” حادثة طريفة حدثت عندما كان طالباً في الجامعة المصرية قال:
في أحد الأيام قرر الطلاب أن يضربوا عن درس الأستاذ “نالّينو” الإيطالي، لأن إيطاليا أعلنت الحرب على تركيا وأرسلت سفنها غازية لطرابلس الغرب (ليبيا).
أزمع الطلاب أن يجتمعوا في غرفة الدرس، حتى إذا أقبل الأستاذ ودخل مجلسه خرجوا من الغرفة وتركوه وحيداً، وقد كان لهم ذلك، خرجوا من قاعة الدرس ووقفوا أمام الغرفة ينتظرون ما يكون من أمره، ولبث الأستاذ في الغرفة بعض الوقت ثم خرج، فأقبل على تلاميذه وقال لهم في لهجة عربية فصيحة صحيحة؛ مثلكم مثل الرجل الذي أراد أن يغيظ امرأته فخصى نفسه!!.
وكان السهم صائباً وكان أثره لاذعاً ممضاً، ومنذ ذلك اليوم لم يفكر طلاب الجامعة في الإضراب قط عن الدروس مهما تكن الظروف. انتهى كلام الدكتور طه حسين بنصّه.
ترى هل خصينا أنفسنا خلال السنوات القليلة الماضية، سنوات الفوضى والربيع المزعوم وتدمير الذات؟!.
فعل ذلك الطلاب الذين هتفوا لا دراسة ولا تدريس حتى يرحل الرئيس “فخصوا أنفسهم” حيث خسر الكثير منهم سنين من دراستهم وضاع مستقبل بعضهم، وفعلها كذلك الغوغائيون الذين قاموا بإحراق وتخريب بعض المصالح العامة فحرموا أنفسهم وغيرهم الخدمات التي كانت تقدمها لهم سنوات من التخريب والإضرابات العشوائية اللامسؤولة وقطع الطرق والطلبات التي لا تنتهي ووقف الإنتاج في مواقع حساسة والنمو المتوقف والبطالة المقنعة والربح السهل والتهرب من الضرائب والفساد بأنواعه وضرب الدولة وحتى خيانة الوطن ونبحث دائماً عن شماعة وفعلها غيرهم بأساليب شتى وطرق مختلفة.
قد يقول قائل إن هؤلاء غُرّر بهم ودُفعوا إلى ذلك دفعاً، ونقول فليكن غُرر بهم أولاً وثانياً وخُدعوا، فما بال بعضهم بعد هذا كله مازال مصراً على هذا النهج التدميري الواضح كل الوضوح؟!.
مشكلة الكثير منا في عدم التفريق بين النظام الحاكم وبين الوطن ككيان يشترك فيه الجميع ويستظلون في كنفه، فيقوم بما يقوم به ظاناً أنه ينتقم من الحكومة وهو إنما ينتقم من نفسه وأهله ومجتمعه!!.
متى نتعلم من النكبات والمصائب التي تحل بنا تباعا والكثير منها من صنع أيدينا؟.
بعضهم يمضي في طريق العناد وهو يعرف في قرارة نفسه أنه يخسر كثيراً ولكنه كمن يقول “عليّ وعلى أعدائي” ناسياً أو متناسياً أن أعداءه الحقيقيين هم المستفيدون مما يفعل، وأن من يتأذى ويتضرر هم أهله وبني وطنه بل هو نفسه.
عندما أتأمل ما يجري اليوم وأرى وأسمع بعض الحماقات التي يرددها بعضهم والإصرار على المضي لا في خصي أنفسهم فحسب بل وتقطيع أطرافهم وسمل أعينهم، ينتابني خوف شديد من المآلات التي نمضي نحوها إن لم يراجع الكثير حساباتهم فكل خسارة يمكن تعويضها في وقت يطول أو يقصر إلا خسارة النفس والوطن فربما يكون ثمنهما الضياع الأبدي ومن ثم الجلوس للبكاء على الأنقاض والأطلال!.