متى تنتهي العقوبة
منذ انطلاقة الثورة السورية بداية عام 2011 اعتقل النظام السوري ما لا يقل عن 10556 أنثى ولا يزال قسم كبير منهن قيد الاعتقال/الاحتجاز أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، فيما تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 على حماية النساء من التهجم على شرفهن وإهانة كرامتهن الشخصية في ظل النزاعات والحروب، في حين تشكل ممارسات النظام انتهاكاً سافراً للاتفاقيات المتعلقة بالمعتقلين وأحكام القانون الدولي، بالتزامن مع عجز آليات القانون الدولي عن حماية المرأة السورية من الممارسات الوحشية التي تتعرض لها في مراكز الاحتجاز والمعتقلات التابعة للنظام السوري.
تقول أم ثائر دخل النظام إلى بلدتنا في 2012، واعتقلوا زوجي لأنه كان يشارك بالمظاهرات وكانت التهمة جاهزة حيث وجهوا له تهمة تفجير حواجز، وبعد 4 أشهر وعندما خرج زوجي من السجن (نتيجة تشابه أسماء) كانت قدمه مصابة من شدة الضرب حتى أن ركبته لم تكن في مكانها، وهرب زوجي إلى القنيطرة، هنا بدأ النظام يداهم البيت ويفتشه بحثاً عن زوجي لاعتقاله مرة أخرى، وعندما كانوا يسألوننا عنه كنا ننكر معرفتنا بخروجه، ونقول لهم بأنه معتقل لديكم فيقولون لقد خرج بخطأ منا بسبب تشابه أسماء وعند آخر مداهمة أخذوا عمي (والد زوجي) ولدى عودته، قام باستخراج أوراق مزورة (قيود سجل مدني) وقررنا أن نذهب إلى لبنان، وخرجنا الساعة الرابعة فجراً، وعند حاجز مفرزة قطنا قام الجيش برصدنا، وتم إنزالنا عند الحاجز مستعملين وسائل الإهانة كافة، من شدنا من حجابنا أنا وأخت زوجي مع استخدام كلمات بذيئة، وطلبوني بالاسم وهم يصرخون من زوجة (الكلب) كما قاموا بإنزال حماتي والدة زوجي، وعمي ولم يراعوا كبر سنهم، في البداية أنكرت تواصلي مع زوجي، ومعرفة مكانه وإني منذ اعتقاله أمكث في بيت أهل زوجي مع أطفالي، ثم قاموا بفتح الحقائب، والعبث بمحتوياتها ورميها على الأرض وتركوا أخوات زوجي خارج الغرفة.
تضيف أم ثائر: عندما عرفوا أنني أتواصل مع زوجي، وأذهب إليه مع الأطفال وذلك بسبب اعتراف عمي نتيجة الضرب والتعذيب والكلام السيء، قاموا باحتجازي مع عمي والد زوجي وأطفالي وأطلقوا سراح زوجة عمي (حماتي) وبناتها وأخدوا سندات القيد والأوراق ثم قاموا بتمزيقها وعندما أخرجوا عمي من الغرفة المجاورة أجبروا عمي على أن يطلب مني الطلاق من ابنه وقال أنا لا أتحمل المشاكل يا بنتي، وهنا تقدم الضابط وقالي يا بنتي بتطلبي منو الطلاق ونحن لا ينقصنا مشاكل ثم تقدم الضابط وضربني كف بكل قوته ومن قوة الضربة أصابني التهاب في الأذن الوسطى (دوار دهليزي) ولا أزال أعاني من ألم في الأذن ومشاكل بالسمع إثر تلك الضربة، كما قام الضابط بتوجيه ضربة بقدمه على ظهري أسقطتني أرضاً أمام أطفالي وعمي، ونتيجة هذه الضربة تعرضت للإصابة بديسك بثلاث فقرات، ثم قاموا باحتجازي مع عمي وأطفالي، وأرسلوا خبراً لزوجي بضرورة تسليم نفسه لأنهم يحتجزون زوجته وأولاده ووالده وأننا ضيوف عندهم حتى يسلم نفسه.
خلال فترة اعتقالي لديهم تعرضت لتعنيف جسدي ونفسي بمختلف الأساليب لمدة شهر ونصف. تقول أم ثائر: (ضرب وذل وإهانات من الصبح للمسا ما وفروا شيء أبداً كانوا يطفوا أعقاب السكائر بظهري، وضرب بالإبراهيمي حتى خبرهم وين زوجي وكيف كنت شوفوا حتى الأولاد الصغار ما سلموا من الضرب والصراخ والمسبات “الشتائم”).
ابنتي الكبيرة تخاف منهم كثيراً عندما كانت تراهم (تصير ترجف رجف وصار معها جفاف بمعدتها نتيجة سوء التغذية) وابني الثاني أصابته حالة هيستيريا قريبة من حالة الجنون ويبدأ يرتجف حتى أنه يتبول على نفسه دون أن يشعر وابني الصغير أصبحت لديه عقدة نفسية، يخاف من أي شيء، ويرتجف كل جسمه إذا رأى عصا أو صرخ شخص بوجهه ودائماً يفضل البقاء لوحده، يذهب إلى زاوية الغرفة ويضع رأسه بين قدميه، ويلف يديه حول رأسه وقدميه ويدخل في حالة صمت قد تستمر لساعات ونحن ننادي عليه أنا ووالده وهو يرفض أن يرد علينا أو أن يترك مكانه وأحياناً يبدأ بالصراخ ثم البكاء فجأة وكأنه يتذكر ما حصل معه في المعتقل.
بعد اعتقال مدة شهر ونصف جاء أبي وطلب منهم أن يضعوه مكاني أنا وأولادي وقال لهم: اطلبوا أي شيء أنا جاهز، وبدأ التفاوض معهم لإخراجي مع أطفالي وهنا تم الاتفاق على دفع 150 ألف ليرة سورية كما قدم لهم والدي هدية ثمينة وهنا تمت الصفقة وخرجت مع أطفالي بختم على يدي ولم يكتفوا بذلك إنما استمرت المداهمات على البيت حتى يعتقلوا زوجي إذا حضر لرؤيتنا، وكان عناصر الحاجز يكررون اعتقالي كنوع من التهديد والضغط على زوجي حتى يسلم نفسه.
تضيف أم ثائر: قام عمي باستخراج ورقة من النظام كلفته 300000 ليرة سورية وغادرنا إلى لبنان برفقة أهل زوجي ثم لحق بنا أهلي إلى هناك.
بدأ أهل زوجي يلقون باللوم عليّ، بسبب مغادرتنا واعتقال عمي، رغم أنني اعتقلت بسبب مشاركة ابنهم (زوجي) بالمظاهرات، وبت أتعرض للتعنيف اللفظي منهم.
بعد مرور أسبوع، أفرج عن إحدى المعتقلات التي كانت معتقلة معي، التي صرّحت بأننا تعرضنا للاغتصاب داخل المعتقل، ما أثار الريبة لدى أهل زوجي وكثرت أسئلتهم حول تعرضي للاغتصاب أيضاً، حتى أن أم زوجي أقسمت أن تطلقني من ابنها في حال ثبت تعرضي لذلك.
ناهيك بالكلام القاسي والألفاظ السيئة التي أسمعوني إياها، التي فاقت التعذيب داخل المعتقل سوءاً.
حتى هذه اللحظة، يسألني زوجي فيما إذا كنت قد تعرضت للاغتصاب، طبعاً أنكرت هذا واكتفيت بالقول بأنني تعرضت للضرب الجسدي فقط. وقصة الاغتصاب لا يعرف بها أحد سوى أمي، لكن الإهانات لم تتوقف من قبل أهل زوجي وأهلي أيضاً، ولا زالوا يعتقدون أنني سبب تهجيرهم وتركهم لبيوتهم. حتى وصلت لدرجة لم أعد أحتمل فيها كل هذا التعنيف منهم، فقررت أن أعود إلى دمشق.
عدت إلى دمشق وذهبت إلى بيت خال زوجي، بعد فترة اعتقلت مع أولادي مرة أخرى من قبل مفرزة قطنا نتيجة وشاية من أقارب زوجي.
وتعرضت كما في المرة السابقة إلى الضرب والإهانة بشكل يومي إضافة إلى حرمان الأولاد من الماء والطعام، حتى الصغار منهم الذين يحتاجون إلى حفاضات، كانوا لا يؤمنوها لي إلا بعد أن يكون الطفل قد تبلل بشكل كامل.
وكنت أتعرض للضرب والشتائم إذا شاهدني السجان وأنا أحمل أحد أولادي، ويهددني في حال سمع أصوات بكاء الأطفال أو شكواهم.
أفرج عنا بعد مرور خمسة عشر يوماً، بعد أن أخبرونا بأنه لا ذنب لنا وختموا أيدينا. ثم قام زوجي بإخراجنا تهريباً إلى القنيطرة ,ومنها لبيت جن ثم خرجنا إلى خان الشيح أثناء الحصار ثم قام الجيش بنقلنا بالباصات الخضراء إلى المناطق المحررة (إدلب).
الآن نحن مستقرون نسبياً وقد رزقت بتوءم.
كنت أعتقد أن من يخرج من المعتقل تقام له الأفراح، لكن في حالتي أقاموا لي عزاءً، ولا زلت أتعرض للإهانات والشتائم من أهل زوجي.
لكن الأمر الأصعب والأقسى أن زوجي طلّقني مرتين، ولازال يهددني بالطلاق ويضغط عليّ بشكل دائم حتى أقص عليه كل ما جرى معي في المعتقل، وينسى أنني اعتقلت بسببه ولا ذنب لي أصلاً.
كلما تذكرت ما حصل معي، أحس بالنار تنهشني من الداخل، وتكوي قلبي، والآن مرت تسع سنوات على التهجير، قاطعني أهل زوجي تماماً ويرفضون التحدث معي بسبب الاعتقال الذي لم يكن لدي حيلة به.
ولا زلت حتى اللحظة أتساءل عن الذنب الذي ارتكبته ومتى تنتهي هذه العقوبة.
النظام أخلى سبيلي ولكن المجتمع لا يزال يعاقبني على ذنب لم أرتكبه ويقوم بتعذيبي كما فعل النظام تماماً.
وأشارَ تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى تعرض النساء المحتجزات للعنف الجنسي، وفي بعض الحالات تعرضن لابتزاز جنسي على أساس المقايضة، ويقدر التقرير ارتكاب قوات النظام السوري ما لا يقل عن 8021 حادثة عنف جنسي، بينها قرابة 879 حادثة حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وما لا يقل عن 443 حالة عنف جنسي حصلت لفتيات دون سنِّ الـ 18.
وحسب تقرير الشبكة فإن قوات النظام السوري لا تراعي في احتجازها للنساء في مراكز الاحتجاز العائدة للأفرع الأمنية أية اعتبارات لطبيعتهن أو احتياجاتهن، وتخضعهن لظروف الاعتقال ذاتها التي تحتجز فيها الرجال، كما يتعرضن لأشكال وأساليب التعذيب كافة التي يتعرض لها الرجال. وذكر التقرير أنه في حالات كثيرة تعتقل النساء بصحبة أطفالهن، أو تعتقل نساء حوامل، ويحرمن من احتياجاتهن الجسدية أو النفسية كافة، ويخضع أطفالهن للظروف ذاتها التي تطبق على الأم طوال مدة اعتقالها، وفي هذا السياق سجَّل التقرير منذ آذار 2011 ما لا يقل عن 143 حادثة اعتقال لأطفال كانوا بصحبة أمهاتهن، وما لا يقل عن 87 حادثة ولادة لأطفال داخل مراكز الاحتجاز، جميعهم عانوا من نقص الرعاية الصحية اللازمة لهم بعد الولادة ومن تأمين احتياجاتهم؛ ما تسبَّب في وفاة 7 أطفال منهم.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”
فعلا يجب ان تستقبل استقبال الابطال
بارك الله جهدك ، معتقلاتنا العفيفات الطاهرات وان تعرضن للعنف خارج ارادتهن فهن نجمات الثورة المضيئة و مشغلها الاساس .
دمتن بخير ناجيات الاعتقال وانتن الاخوات و حقكم في رقابنا .