fbpx

متاهات الذاكرة المثقوبة

0 224

أنا لست هنا لأكون هناك

أزعجتني الظلال

في يوم بات أزلياً

صوتي يطويني 

سأعترق لأوراق دالية العنب

لأوراق التين والزيتون

كل المرايا لا وجه لها

لا شظايا

النهار يقترف حق البوح

يقترف حق الدهشة

الشمس تكفلت بالأجساد

وأنا تكفلت بكل الندوب

حتى أكون هنا 

أنا لست هناك

نسيت اسمي في قلبه

الليل يمعن في اقتراف 

حق الغواية

وأنا أقترف حق البوح 

……

مريم هذا حالها ككل مساء بعد يوم من الركض في رفقة تفاصيل الحياة.

تجلس في شرفتها تصاحب دواوينها.

ذاك سفرها الجميل، حتى تنجح في عملية التخلص من عقوبة الذكرى الموجعة.

تصطاد أحلام اليقظة وهو ترفل غير آبهة بصمتها. وهذا يثير لديها الأمل في أن كل شيء ممكن..

انفلتت ابتسامة صغيرة من بين شفتيها وهي تتأمل شجيرات الحديقة في حفلتها الربيعية، الشمس مازالت تقوم بدورها دون كلل. وهي مازالت تخيط الأيام بخيوط مهترئة.

تعمدت رشف ما بقي في فنجانها من قهوة على مهل كأنها تمدد تأشيرة الوقت.

عقارب الساعة في عرفها لم تعد تهتم لها من يوم ما رحل دون مبرر، فقط لأنها لم تستطع أن تكون وعاء أطفال.

في قرارة نفسها تعترف بمعاني الأمومة والأبوة ولكن لا خيار لها أمام القدر، الذي يورطها في الحرمان من الإنجاب.

رن الهاتف..

هي هادئة حتى لا تفضحها اللهفة، كلما سمعت هذا الصوت. إنه صديق أنعم به الله عليها في وقت كادت أن تصبح فيه دمية أحزان.

الحديث معه كان شفرات غير متقطعة تبعث فيها الأمل والارتياح.

انتهت المكالمة حول برنامج عمل يتطلب وجودها في قائمة المشاركين.

إنه موعد الحملة الخيرية المزمع تنظيمها لفائدة المهجرين قصراً لعدم توفرهم على وثائق إثبات الهوية.

وافقت دون تردد.. إنها تشتاق للعمل معه فهي تصبح بقربه نبتة صغيرة تحت رذاذ المطر. إنها تكتفي بهذا، ولا تتطلع للمزيد.

رفعت رأسها تبادلت النظر واللقلاق في الجانب الآخر من الشرفة على عمود سطح مجاور إنه يصغر ويصغر كلما أمعنت النظر إليه أكثر، كحلمها النابض في قبضة اللاممكن.

قررت المشاركة.

الوجهة كانت ضفاف الأندلس، صديقتها المقيمة هناك شجعتها أكثر من مرة على زيارة هذه المنطقة الدافئة بتاريخها.

كانت فرصتها الجميلة

تمردت على ترددها وحزمت حقيبتها، في قرارة نفسها كانت فرحة. لقاؤها به يسعدها.

لم تكن هناك صعوبة في الحصول على تذكرة السفر، كانت الصعوبة في كيفية إخفاء لهفة الإعجاب التي تمارس حق الجهر في كل حركاتها.

كان مجرد النظر إليه ينسيها المتاهات السيزيفية التي عاشتها في تحليل منطق الحب، بعد أن عاشت تجربة لم تكن لها بداية ولا نهاية كانت فقط مشاعر مقرصنة حاولت أكثر من مرة أن تبرر انتكاساتها، معتبرة أن الوضع طبيعي في مثل كل هذه الحالات ويحتاج منها فقط، صبراً ومقاومة.

(أن تكوني تحت ظل رجل أفضل من صفة مطلقة في مجتمع ذكوري بامتياز)

هذه آخر نصائح والدتها عندما كانت تشتكي لها علاقتها الزوجية التي أصبحت بلا أجنحة.

لكن المنطق يجبر العقل على عدم ترميمها وهي تثور في وجه الخيانات.

السفر عبر الطائرة كان ممتعاً.

أما الصديق فكان في مستوى تنظيم النشاط حجز لكل المشاركين وكانت هي واحدة منهم، لكنها اعتذرت له على اعتبار أن لها صديقة ستقيم عندها.

إنه هروب من طقطقة قلبها 

طال البحث عن العنوان، وأخيرا عثرت على المنزل في الجهة المقابلة، الجهة التي أفرجت عن الكثير من العقد التي أرهقت معصمي مفاهيمها.

طليقها يخرج منه مع صديقتها… نقلت نظرها في كل الاتجاهات وكأنما قدت من نار.

تردد صوت الاحتجاج في جنبات عقلها…

رجع الصدى كان من جب الاستغراب 

كيف حصل هذا..؟

ألم يكن ينصحني بالابتعاد عنها لأنها مطلقة.

جلدت ذاتها كم مرة كلما تواصلت معها خفية عنه.

توارت عن ناظريهما.. وهي لا تدري أين ستتجه؟

ترددت..

وبسرعة غير آبهة بالمارة ولا بالظلام الذي بدأ يمدد رموشه، توقفت تتأمل الوجوه باحثة عن وجهها الحقيقي..

كم يصعب تفكيك شفرات هذه الملامح خلف قضبان الأقنعة. 

لامست شاشة الهاتف، وقررت أن تتصل به.. ستخبره أنها تحبه وستصرخ في وجه المدينة أن لها نبض..

وبصوت مرتبك..

قالت:

– هل الإقامة مازالت موجودة سيدي؟. رد بصوت هادئ:

– لا عليك.. انا قادم

لم يسألها عن شيء، من رنة صوتها شعر أنها في ورطة. 

أصوات فيلم “طوق الحمامة المفقود” تحضر بذاكرتها.. إنها أصوات هلامية، قادمة من وراء جدران الأبنية القديمة أمامها.

هي تمضي مسرعة.. تنفض عناوين التقاليد.. تنفض أحداث الذاكرة المثقوبة.. توقفت لتسترد أنفاسها.

لقد حضر الصديق، إنه يقترب منها، نظراته أربكت كل حساباتها وأرغمتها على إسدال ستار الأسئلة الباقية في جعبة الدهشة.

تظاهرت بالابتسام في وجهه وبادرته بالاعتذار على ما سببته له من تعب.. كانت تبحث عن مبرر لورطتها.

كان صامتاً…. وقبل أن تبدأ الحديث.. وقف في مواجهتها ونظر إليها خارقاً جدار الحكي على ملامح وجهها.. وهمس:

– أعرف كل الحكاية، لكن ليس هذا هو المهم. هل تدرين أنني أعيش لمدة طويلة من أجل محبة الناس.. المحبة حروفها أقوى من الموت.

أقنعت نفسها بالفهم.. مسك بيدها وهمس:

– الحياة عهدتك.

كل حمم المشاعر بداخلها تضخ الدماء في وجهها.. لا تتذكر الآن سوى أبيات محمود درويش..

أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم

وانصرفوا

واسحبوا ساعاتكم من وقتنا

وانصرفوا..

واسرقوا ما شئتم من صور 

كي تعرفوا…

أنكم لن تعرفوا…

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني