مبدأ حسن النية بالقانون
الطبيعة
الطيبة هي الصفة الأساسية للجنس البشري فنقول (فلان طيب القلب لساته على الفطرة)
ما يعني أن تلك الطبيعة لم يطرأ عليها أي تعديل، بقيت محافظة على نشأتها الأولى
وتلك الطبيعة هي ما يسعى القانون لحمايتها ومنها انطلق الفكر الإنساني ومبادئ حقوق
الإنسان، فالطيبون لا يقبلون بالظلم والتمييز لأي كائن على سطح الكرة الأرضية.
إذاً
الطيبة أو ما يسمى بالقانون (حسن النية) هي قاعدة ومبدأ لتكون الحماية القانونية
فالحقوق هي التي يحميها القانون، وطالما كان الأمر حقاً فمن واجب القانون حمايته
من أي اعتداء، ومن هنا انطلق المشرع بصياغة القواعد القانونية التي تحمي حسن النية
ضماناً لحسن سير التعامل واستقراره.
اذاً
الأساس في فكرة حسن النية هي استقرار التعامل، والثقة الممنوحة للمتعاملين بالحقوق
المدنية والتجارية فحسن سير المعاملات يقتضي افتراض حسن النية إلى أن يثبت العكس، مثلاً،
نص القانون أن صاحب الحق العيني لعقار المرفق بإشارة على صحيفة العقار فصاحب
الإشارة الأولى له الأفضلية في ترتيب الحقوق على العقار إذا كان حسن النية كشرط
أساسي لحفظ حقه وحمايته إلى أن يثبت العكس وهو سوء النية ويكون ذلك بالعلم بترتيب
حقوق على العقار غير مسجلة أو مقيدة بإشارة على صحيفة العقار، فالعلم هو المعيار
في تحديد حسن النية وقبول حماية حقوقه.
هل
يتعارض مبدأ حسن النية مع القاعدة العرفية (القانون لا يحمي المغفلين) تلك القاعدة
العرفية لم يسنها تشريع إنما جاءت كاجتهاد من قاض أمريكي وأخذت منحى القاعدة
القانونية، لكنها تتعارض مع المبدأ القانوني وأساس وجود القانون الذي يحمي البسطاء
وناقصي الأهلية والجاهلين بالقانون فلا
يفترض العلم بكل القواعد القانونية إنما الافتراض الحيطة والحذر بالتعامل وهذا
يتنافى مع مبدأ حسن النية وبالوقت نفسه أوجب القانون وجوب الأهلية الكاملة لبعض
التصرفات القانونية وافتراض المحاكاة العقلية لأي تصرف قانوني ومعياره بذلك تصرف
الرجل العادي فلا هو شديد المعرفة والحرص ولا هو جاهل وناقص الأهلية.
هذا في القانون المدني لكن هل ينطبق المبدأ نفسه في القانون
الجزائي؟
هل
نستطيع القول إن ارتكاب جريمة معينة كان بحسن نية؟ صنف القانون الجزائي الجرائم
المرتكبة عن قصد أو عن عمد والمرتكبة بدون قصد استناداً إلى النية الجرمية فمتى توفرت
النية الجرمية في جريمة ما اعتبرت جريمة مقصودة وإن ارتكبت بدون نية مسبقة أو غير
مقصودة مع مراعاة وجوب توفر الحيطة والحذر. اعتبر قانون العقوبات السوري أن من
أركان الجرمية عنصرين عنصر مادي هو القيام بالفعل الجرمي أو الجريمة السلبية
بالامتناع عن القيام بفعل أوجبه القانون والعنصر الثاني هو المعنوي وعرّفه بالنية
الجرمية لارتكاب الفعل الجرمي فنصت المادة /187/ من قانون العقوبات السوري “ارتكاب
الجريمة على ما عرفها القانون” أي يفترض بالفعل المرتكب أن يكون مجرّم بنص
قانون فلا عقوبة بدون نص قانوني.
ووضحت
المادة /188/ متى تكون الجريمة مقصودة “تعد الجريمة مقصودة وإن تجاوزت النية النتيجة
الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل
بالمخاطرة” ونصت المادة /189/ يكون الخطأ إذا نجم الفعل الضار عن الإهمال أو
قلة الاحتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة”.
أيضاً
المادة /190/ “تكون الجريمة غير مقصودة سواء لم يتوقع الفاعل نتيجة فعله أو
عدم فعله المخطئين وكان في استطاعته أو من واجبه أن يتوقعها وسواء توقعها فحسب أن
بإمكانه اجتنابها “وبناء عليه رتب المشرع العقوبات على الفعل الجرمي بحسب
وجود النية فخفف العقوبة إذا لم تتوفر النية الجرمية وضمن العقوبات التعويض المادي عن الضرر والأذى كما هي الحال في حوادث السير
ومخالفة قانون السير فتسري أحكام القانون المدني الواردة بالمواد /170و172و173/
على العطل والضرر فيحكم القاضي الجزائي بالعطل والضرر بناء على طالب الادعاء
الشخصي.
أيضاً
المعيار في تحديد وجود النية من عدمه هو العلم والتوجه لارتكاب الفعل أو الامتناع
عما هو واجب فعله، ومعيار التحديد لوجود الخطأ (الرجل العادي) في الجرائم الناجمة
عن الإهمال وقلة الاحتراز.
هل
يستفيد المرتكب والمسبب الرئيسي في الحرب السورية من مبدأ حسن النية أو أنه لم
يتخذ قرار الحرب بنية مسبقة أو أنها آنية من غير عمد؟
طبعا
لا يستفيد من أي عذر أو مسوغ شرعي لقرار الحرب على الشعب السوري فالقانون السوري
يطاله بكل الأحوال على كل التوصيفات القانونية فمن هو في موقع صنع القرار ينبغي أن
يتحلى بالحكمة والعقل لاتخاذ أي قرار يتعلق بالمصلحة العامة فكيف إذا كان قرار حرب
على شعب؟ لقد تخطى كل القواعد والأعراف القانونية المحلية والدولية والمبادئ
الدولية لحقوق الإنسان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”