ما هي استراتيجية الأمن القومي الألماني الجديدة، وكيف سينعكس ذلك على أوروبا؟
أعلنت ألمانيا، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، عن استراتيجية الأمن القومي، فماذا هي بنود تلك الاستراتيجية؟ وماذا تعني بالنسبة لحلف الناتو؟ وكيف ستنعكس على أوروبا؟
كان المستشار أولاف شولتس قد أعلن، في يونيو/حزيران من العام الماضي، أنّ بلاده سوف تمتلك أكبر جيش تقليدي أوروبي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بفضل الأموال الضخمة التي قرّرت برلين استثمارها؛ لتعزيز قدرات الجيش الألماني منذ بدأت القوات الروسية هجومها على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”.
كما أعلنت الحكومة الألمانية عن تخصيص 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني في وجه ما يوصف بأنه “تهديد روسي”، وقال شولتس إنه “يجري حالياً بناء أكبر جيش تقليدي في أوروبا في إطار حلف شمال الأطلسي، وهذا أمر مهمّ للقدرات الدفاعية لحلف الأطلسي بأسره”.
استراتيجية الأمن القومي الألماني
وبعد مرور عام على تلك التحولات الكبرى، أعلنت ألمانيا منتصف يونيو/حزيران 2023، عن استراتيجية الأمن القومي الخاصة بها، وذلك للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، وأشارت الحكومة الألمانية في وثيقة تعريفها بالاستراتيجية إلى سعيها لتعزيز قدرات الجيش الألماني، لأداء مهامه الأساسية المتمثلة في الدفاع عن الوطن ودوره في إطار حلف الناتو.
ووفقاً للاستراتيجية المعلن عنها، ستلتزم برلين برفع ميزانيتها الدفاعية بما يلبي قرارات حلف الناتو بإنفاق الدول الأعضاء 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بعد أن اتضح أن برلين أنفقت 1.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع خلال العام الماضي.
وتناولت منصة أسباب المختصة بالتحليل السياسي والاستراتيجي ما يعنيه ذلك التحول التاريخي في ألمانيا، والذي يبدو أن دافعه الأساسي والوحيد هو الحرب في أوكرانيا.
فقبل ما يقرب من عام ونصف، اعتبر شولتس أن “الغزو الروسي لأوكرانيا” نقطة تحول في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، تستلزم تغييراً جوهرياً في سياسة ألمانيا الدفاعية. وكشفت حرب أوكرانيا عن تحديات تواجه ألمانيا بما في ذلك أوجه القصور في الجيش الذي يفتقد الجاهزية الكافية لتلبية متطلبات القتال الدفاعي بسبب سياسة تقليص حجم وتسليح الجيش التي اتبعتها برلين بعد نهاية الحرب الباردة.
إضافة إلى الاعتماد المفرط على الغاز الطبيعي الروسي الذي يمثل أكثر من نصف واردات الغاز إلى ألمانيا، والاعتماد على الصين في التجارة والمواد الخام الهامة. وبالتالي فإن استراتيجية الأمن القومي تركز على ثلاث ركائز للأمن الألماني.
الدفاع: تحسين قدرة ألمانيا على الدفاع عن نفسها، بما في ذلك تقوية الجيش وزيادة الإنفاق العسكري المتمثل في 2% من الناتج المحلي الإجمالي اعتباراً من العام المقبل، والتركيز على الردع، ودعم الدفاعات السيبرانية.
ثانياً، المرونة: وتشمل القوة الداخلية كأساس للصمود، والتي تتطلب أن يكون المجتمع والاقتصاد مرنين وقابلين للتكيف ومستقرين؛ ولذلك، تستهدف الدفاع عن نظام ألمانيا الديمقراطي الحر ضد النفوذ الخارجي، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد الاقتصادي على المنافسين وتنويع سلاسل التوريد. ثالثاً، الاستدامة: من خلال معالجة قضايا تشمل تغير المناخ وأزمتي الطاقة والغذاء.
ليست عسكرية فقط.. شمول استراتيجي
وتتبنى الاستراتيجية نهجاً شاملاً ومتكاملاً للأمن، يضم إلى الجوانب العسكرية والأمنية، التحديات التي يفرضها تغير المناخ والتراجع الديمقراطي والرعاية الصحية.
وتستهدف الاستراتيجية جعل الجيش الألماني أحد أكثر الجيوش التقليدية فاعلية في أوروبا؛ مما يرسخ أقدام ألمانيا كقوة عسكرية قادرة على مواجهة التهديدات الروسية، ولعب دور بارز في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي؛ وهذا بدوره سيقود إلى تغيرات عميقة في مسار سياسة ألمانيا الأمنية والدفاعية. بالإضافة لذلك، تقر الوثيقة تشكيل وكالة لمواجهة الهجمات السيبرانية وسط المخاوف من حروب هجينة قد تشنها دول مثل روسيا.
إذ تؤكد وثيقة استراتيجية الأمن القومي على “أننا نعيش في عصر تعددية قطبية متزايدة”، ومن ثم تعتبر التكامل الأوروبي عملية لا غنى عنها لألمانيا، وتدعم توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل دول غرب البلقان وأوكرانيا ومولدوفا وجورجيا. وتشدد بصورة خاصة على “الصداقة الوثيقة” مع فرنسا.
ولا تترك الوثيقة مجالاً للشك حول موقع حلف الناتو كحجر الزاوية في استراتيجية برلين الأمنية، وموقع ألمانيا “المتجذر” في الحلف والذي يعبر عن “الشراكة مع الولايات المتحدة”.
كذلك تؤكد الاستراتيجية الألمانية على نهج أكثر صرامة تجاه روسيا التي تصنفها كـ”أكبر تهديد للسلام والأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية”، وذلك تراجع عن سياسة ألمانيا منذ عقود والتي اتسمت بالحذر والفصل بين التعاون الاقتصادي والقضايا السياسية في علاقتها مع روسيا.