ما بين خالد بكداش ورياض الترك وميشيل كيلو
أخذتني اللهجة التبريرية في أحاديث بعض شخصيات المعارضة العلمانية: ليبرالية أم يسارية وانتقاداتها الموجهة إلى الإسلام السياسي دون الإشارة إلى أيٍّ من أخطائها، وعدم اتخاذها أي موقف في حينه أو توقفها عن تحالفها أو إعلانها على الأقل. أقول أخذتني تلك اللهجة إلى حزبي الشيوعي السوري إذ كان الرفاق حين يتذمرون من الأوضاع الداخلية (الوضع المعيشي، الفساد، التمييز بين المواطنين، التوغل الأمني، تسلط العسكر، توقف التنمية، طبيعة التحالف.. إلخ) يجري الرد عليهم من القيادات المختلفة، كل حسب موقعه، بالقول: إننا في سياستنا العامة تجاه الحكم في سورية، لا ننطلق من الأوضاع الداخلية، ولو كنا انطلقنا منها لكنا في المعارضة حتماً.. لكننا نبني سياستنا على أساس الموقف الوطني لسورية (الموقف من الإمبريالية العالمية، وإسرائيل) نعم هكذا يقال لـ “سورية”، وكأنَّ النظام هو سورية، وهو المعبِّر عن إرادة شعبها، وكانت هذه العبارة كافية لكي يصمت المتذمر أو السائل، فالحزب قد قال كلمته.. والعبارة بالطبع لأمينه العام “خالد بكداش” الذي قال ذات مرة: “إن النظام في سورية هو نظام ديكتاتوري، لكن من نوع خاص..!” وأسمح لنفسي بتفسير “الخاص” هذا بقولي: إن السوفييت لهم إرادة في التعاون الذي (غدا مع الأيام تحالفاً ثمَّ أبدياً رغم انعدام التكافؤ)، ذلك إذا تجاهلت المصلحة بأشكالها كافة.. ودونما دخول في التفاصيل، ولا بالمبدأ العام الذي وضعه الحزب لأجل التعاون في وثائق المؤتمر الثالث للحزب.. فإن هذا الفصل القاطع بين السياستين الداخلية والخارجية (الموقف الوطني) لا أساس له في الواقع، ويرفضه المنطق المادي الجدلي الذي يؤمن به الشيوعيون، إذ يقول بالتلازم بين ما هو وطني عام وما هو داخلي يرعى مصالح الشعب، فلا وطن قوي من غير شعب حر يتمتع بالعدالة والمساواة ويثق بقادته..
أما المناضل رياض الترك الملقب بـ “مانديلا” العرب نسبة إلى نلسون مانديلا الزعيم الإفريقي الذي سجن مدة خمس وعشرين سنة متواصلة.. فقد رأى في رده على سؤال الصحفية “جيزيل خوري” “أين أخطأت الثورة السورية، وحزب الشعب” في برنامج “المشهد” على قناة “البي. بي. سي. عربي” أن يلقي باللائمة على جماعة “الإخوان المسلمين” ولم يذكر في معرض إجابته، أيَّ خطأ وقع فيه حزبه، وقيادته، علماً بأن حزب الشعب الديمقراطي وأحزاب أخرى قريبة منه قومية ويسارية، إضافة إلى جماعات وأفراد ومثقفين كانوا ( إن توافقوا) الأكثر كفاءة، والأكثر قبولاً لقيادة أو لتصدر ذلك الزخم الثوري السوري الذي بدأ في العام2011 بشبابه الذين يمثلون الطيف السوري كله، وتجرؤوا على أعتى نظام استبدادي كان قد بنى دولة عميقة على أساس من الفساد وعبر أدوات ترتبط فيما بينها بمصالح خاصة تتشابه وتتماثل.. وحزب الشعب العلماني والأقرب الى الليبرالية التي لخصها أولئك الشباب المحتجون بكلمة “حرية” لم يتحدث ابن العم عما فعله الحزب لدى رؤيته انعطاف الثورة باتجاه الأسلمة، وما المواقف التي اتخذها لتعديل مسار الثورة إلى شعاراتها الديمقراطية التي تمثل وجهها الحقيقي والشارع السوري الراغب إلى إنهاء حالة الاستبداد لا استبداله باستبداد آخر، وكذلك الأمر لدى بروز ميل أصحاب تلك الشعارات نحو السلاح والتسليح وتنفيذ مطالب الداعمين بعد عدة أشهر من بدء تلك المظاهرات الاحتجاجية ذات الزخم الشعبي كما أشرت..
كذلك في مقالة للأستاذ ميشيل كيلو في 18 نيسان الجاري، نشرتها صحيفة العربي الجديد تحت عنوان “هل هزمنا” أجاب على سؤاله بالتمييز “بين مستويات ثلاثة تنسب نفسها إلى الثورة” وهي” “المستوى الفصائلي، ويضم بقايا الجيش الحر، والفصائل الإسلامية، والتنظيمات الإرهابية. والمستوى التمثيلي من ائتلاف، وحكومة مؤقتة، وهيئتي تفاوض في جنيف وأستانة وسوتشي. والمستوى الشعبي، وقد ابتعد المستويان، الأول والثاني، عن الثورة، فهجرهما(المستوى الشعبي) وتمسّك برهاناتها”. ولا يقيس على المستويين الأول والثاني لأنه سيعترف بأن الثورة هزمت “لكان علينا الاعتراف بأننا هزمنا” ولم يتضح للقارئ عائدية ضميري “نا” في كلمتي بـ “أننا هزمنا” لكن الأستاذ ميشيل يرى أن هزيمة المستويين “لن يكونا بالضرورة هزيمة للشعب، ستعيده إلى ما كان فيه من بلاء قبل ثورته”.
لا أعتقد، يا أستاذ ميشيل، بأن الأمور تقاس بهذا الشكل.. إذ عليك أن تضيف إلى ما كان عليه الشعب من بلاء قبل ثورته تسع سنين من الآلام والأحزان والدماء والتشتت وخرائب الشجر والحجر وأرواح البشر والأفظع من ذلك ذهاب قرار الشعب السوري إلى القوى الدولية النافذة وهي التي تتصارع الآن تحت الطاولة وفوقها على تقاسم أشلاء جسد الضحية بعد أن انشغلت روحها بما جرى لها. فمن الذي يتحمل ما حصل للشعب السوري وكيف سيقتص هذا الشعب من ظالميه إذا أتيح له ذلك.. وما الفائدة من تشريح هؤلاء الذين ألقيت عليهم عبء الهزيمة ألم يكونوا قادة؟! ألم يرتضيهم الشعب ممثلين عنه (المجلس الوطني يمثلني؟!) لا شك في أن الجميع يعرفون بأن النظام هو المسؤول الأول، إذ هو أطلق الرصاص على المحتجين السلميين، وهو الذي أفرج عن المعتقلين المتطرفين، ولكن من الذي بارك تلك الفصائل، أو صمت عنها، على أقل تقدير، ثم كيف نمت ومن فرضها، لا شك في أن توصيف الأستاذ ميشيل لما حصل صحيح.. وصحيح أيضاً أن الشعب السوري لم يهزم. “لن يهزم شعب سورية، وكيف يهزم وقد صارت الأسدية وراءه، بينما يتمسّك برهان ثورته الذي لطالما هتف له فتيانه وكهوله، نساؤه ورجاله، السكارى بنشوة التصميم على الانعتاق من الكابوس الأسدي: سورية بدها حرية، والشعب السوري واحد”. نعم لن يهزم الشعب، وكل هذا الكلام صحيح.. ولكن الصحيح أيضاً أنَّ هذه المعارضة لن تكون قائدة له، ومن البديهي ألا يكون النظام موجوداً.. وأخيراً لست من الإسلام السياسي لأدافع عنه، ولا أجد أي رابط في عصرنا الحالي بين دين الإسلام وبين علم السياسة الذي يختصُّ بأساليب إدارة شؤون الدول والشعوب.. وأعتقد أن لا سبيل إلى حرية الشعب السوري وتنميته بغير الديمقراطية، وآن لهذه المعارضة بأطيافها كافة أن تقف من مسيرتها موقفاً رجولياً يصارح الشعب السوري في كل ما حدث..!
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”