ما بعد الكورونا
ماذا بعد الكورونا؟
ماذا لو أرسل الله فيروساً يسلخ لحم الوجه فور كذب صاحبه؟ ألا نجد حينها معظم رؤساء العالم وملوكها وسلاطينها، مجردين إلا من عظام الوجنتين والأنف والأسنان السوداء المنخورة؟
رؤساء العالم المعاصرون توزعوا الأدوار بين أهبل ومجنون وطائش وغبي وبليد تجمع بينهم خصلة واحدة هي الإجرام، ولهذا يكذبون بشكل متواصل.
من المحيط إلى الخليج ومن الخليج إلى المحيط، هل يمكن تسمية زعيم عربي واحد يتمتع بالكاريزما اللازمة للقيادة؟
هل يمكن أن نعثر على واحد منهم يتقن الكلام بلسان فصيح لا يخطئه المنطق؟
بل إن السياسة الدولية الحالية تجاوزت الفجائع العربية فغدت تصدّر الرؤساء البلهاء حتى لا يبقى أحدٌ أفضل من أحد.
وياويلنا نحن الشعوب من صراع الدببة الذين تتجاوز مجازرهم ما تعجز عنه كل فيروسات العالم بما في ذلك الكورونا الذي بات يشكل رعباً لدى جميع شعوب الأرض عدا المسلمين في الصين الذين يبادون والعالم يتفرج، وعدا المسلمين في الهند الذين تقدمهم حكومة الهند قرابين للبقر، وعدا السوريين الذين يتوزعون بين الأنقاض والسجون والمنافي بفعل بشار الأسد المجرم الذي لا يتورع عن فعل أي شيء من أجل أن يحتفظ بالكرسي.
العالم أمسى برج مراقبة يحظّر حتى الحديث مع النفس، ويراقب شفاه الذين يتكلّمون.
ألا يعني ذلك أنّ الكلمة كانت ولا تزال بخير؟
إنّها هي التي تقود المفجوعين إلى الزحف لاستعادة الحقوق ولو بالأظافر.
حقّاً، إن الكلمة ليست رصاصة، والغابة التي تحكم العالم باسم النظام الجديد تحتاج إلى طير أبابيل لردعها، ولكننا لا نملك إلا الكلمة. الكلمة – الآن – هي المتنفّس الوحيد الذي من خلاله نستطيع تجسيد الفاجعة لأمثالنا المسحوقين الذين لم يصل بهم الوضع إلى حدّ الانفجار…
أيتها الكلمة.. الصديقة الأثيرة : السلطة ليست بيدي/والرصاصة ليست في البندقية/والبندقية لا أملكها/والتـيّار أقوى منّي/ولا أملك إلاّ الشعر
ونحن الشعراء ندافع عنّا بما نملكه.
ولأَنْ أقول خير من أن أجلس مكتوف اليدين.. ومكتوف العقل.. ومكتوف الهلوسة…
ألستِ معي بأنّ علينا أن نعيش حتى اللحظة الأخيرة مدافعين عمّا نراه حقاً، فذلك خير لنا من أن نميت حلم الانتصار.
لم تعد رأس الحبيبة سوى جمجمة من عظام، وإن أردنا الاستغراق في (الرومانسية). قد نتخيّل الأفكار التي تتحرك داخل الرأس الصغيرة، على شكل ذرات أو ذبذبات. لم يعد القدّ ممشوقاً بقدر ما هو موضوع لرؤية الآخر/الذات، موضوعيّاً على أنّه هيكل عظمي تتضايف إليه الأعصاب والدم والعضلات… يكسوه الجلد حتى لا تبدو عليه قدسيّة الموت.
إنه الزمن العاقل المعقلِن، حيث لا مكان للأمل، مادام هو شيئاً لم يكن، وليس هو الآن. وهمٌ وأسطورةٌ إذن، طقس خرافي يُضاف إلى المعتقدات التي تجعلنا نبحر في الخوف. ما الداعي لأن نتحرر إذن ما دمنا لا نشكّل سوى نابض في ذلك المحرّك الضخم – الكون؛ إذا كنّا نعتقد أنّه تراكَبَ صدفة.. أو تطوّر عبر التدحرج في زمن كانت الجاذبية فيه غائبة ثمّ ظهرت كلّ القوانين فجأة، وأصبح السير سلحفاتياً وفق السبب والمسّبب؟
لم نعد نلمس الآخر لنعيد ذلك الإحساس الحيّ الذي يولد عن انتقال كهارب حواريّة بيننا وبينه، ويولد – من ثمّ – الشعور بالدهشة.
إننا نصافح الآخر.. أو نعانقه، وفي الآن نفسه يفقس دماغنا تصوّراً براغماتّياً عمّا يمكن أن يقدّمه لنا ذلك المصافح العتيد.
ومن سخريات القدر أن المصافحة صارت، بحد ذاتها، خطراً؛ بحيث ابتدعت بعض الجهات أسلوب ملامسة الأحذية تعبيراً عن الود.
هل يمكن أن يشكل الكورونا بدء نظام جديد؟ وهل نحتاج إلى انفجار ضخم كي نعيد تكوين القيم، ونتعلّم كي يطابق الفكر العمل، أم أننا ما نزال بعيدين عن إمكانية تحقيق إنسانية الإنسان؟
ولعلّ هذا السؤال نفسه يتردّد على الصعيد المحلّي: ما الذي يمكن أن يحدث بعد السقوط المروّع للأسد ونظامه المافيوي؟ هل نحن قادرون – حقّاً – على تجاوز المحنة لنقلبها إلى منحة؟ أسئلة، ربما لم يحن، بعد، وقت الإجابة عنها، ولكن لابد لنا من الدوران في فلكها كي لا نترحّم على ما كان.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”