ما بعد إحاطة بيدرسون الأخيرة.. الروس في حرج فكيف سيتصرفون؟
إحاطة جير بيدرسون مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى مفاوضات جنيف الخاصة بالصراع السوري، أتت واضحة من حيث تقرير ما جرى في الدورة الخامسة لمفاوضات اللجنة الدستورية التي انعقدت في جنيف بتاريخ 25/1/ 2021، لمدة أربعة أيام.
يقول بيدرسون في إحاطته: “قلت لمجلس الأمن إن الاقتراحات إجرائية قُدّمت من الرئيس المشارك من هيئة التفاوض السورية، وأنا أيضاً اقترحت اقتراحاً مختلفاً، وقلت إن الرئيس المشارك من الحكومة، لم يقبل بأي من الاقتراحين، واجتمعت اللجنة بنفس الشكل كالماضي”.
وأضاف بيدرسون في إحاطته أمام مجلس الأمن قائلاً: “لا يوجد لدينا خطة للمستقبل حتى الآن، هناك طرف يقترح العمل بنفس طريقة العمل الماضي، وطرف يقترح تغييراً في العمل وطول الجدول الزمني”.
لكن بيدرسون اعتبر أن الدورة الخامسة كانت “فرصة ضائعة وعبارةً عن خيبة أمل”، مطالباً مجلس الأمن أن يجد طريقة لتغيير عمل اللجنة الراهنة، وفق الولاية المتفق عليها. مبيّناً ضرورة وجود دبلوماسية دولية بنّاءة بخصوص سوريا، بسبب غياب الثقة وغياب الإرادة السياسية للتوافق.
إحاطة جير بيدرسون لمجلس الأمن دفعت خمساً من الدول الأوربية (إستونيا، إيرلندا، فرنسا، بلجيكا وألمانيا) إلى تحميل نظام الأسد مسؤولية “عدم إحراز تقدم جوهري في مفاوضات اللجنة الدستورية الجارية منذ أكثر من عام ونصف العام”.
بيان الدول الأوربية الخمس أكّد على “أن النظام السوري يواصل عرقلة العملية، رافضاً الانخراط بشكلٍ بنّاء في مقترحات المبعوث الأممي الخاص، والمعارضة السورية”. موضحاً أن رفض النظام أدى إلى عدم وجود مسودة للإصلاح الدستوري”.
إن مناقشات مجلس الأمن في جلسته المغلقة، أظهرت حقيقة الموقف الروسي المعطّل للمفاوضات، بسبب دعمه الصريح لمواقف النظام السوري المتفلتة من التزاماتها الدولية، وهذا ما يضع الموقف الروسي في حرج صريح أمام المجتمع الدولي، بأنه يتملص من التزاماته الدولية حيال قرارات وقّع عليها.
إن تعثّر عمل اللجنة الدستورية، يشير إلى معطيات عديدة، منها أن الروس لا يزالون يربطون حلّ المسألة السورية، بنتائج تدخلهم العسكري في هذا البلد، أي أنهم يريدون الحصول على ثمن هذا التدخل. ولهذا لا يريد السيد لافروف وزير خارجية روسيا أي جدول زمني لعمل اللجنة الدستورية، لأنه يدرك أن تحديد هذا المسار بمدة زمنية محددة، يعني احتمال عدم حصول الروس على ضمانات دولية، بخصوص استثماراتهم في الحرب ضد الشعب السوري.
وهناك أيضاً رؤية روسية، باستخدام الصراع في سوريا لصالح صراع روسي دولي، لا علاقة للشعب السوري به، يريد الروس من وضع يدهم على سوريا، أن يقايضوا بهذا الوضع الغرب بمسائل كبرى مختلف عليها، ولعل في مقدمتها العقوبات المطبقة بحقهم من الغرب، ووضع جزيرة القرم، والدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا.
لكن الروس يدركون أيضاً أن مرور الوقت على الوضع في سوريا، لن يخدم وجودهم في هذا البلد، بل سيراكم من خساراتهم وإنفاقهم الاقتصادي، وحرجهم السياسي.
ولعلّ بالون الاختبار، حول ميل روسيا لاختيار مجلس عسكري انتقالي، بديلاً عن نظام الأسد، يشير إلى أن الروس باتوا في حالة تململ من عدم مقدرتهم على تحويل مسار أستانا وسوتشي إلى حلٍ روسي بامتياز، وهذا الاختيار رغم تصريحات الروس بأنهم لم يناقشوه، هو طريق مسدودة للحل السياسي، فالروس يفكرون أن يأتوا بمجلس عسكري حاكم في سوريا لمرحلة يمكن أن تطول انتقالياً، ويعرفون أن السوريين لا يريدون استبدال نظام عسكري استبدادي بآخر عسكري ربما كان أقل استبدادية بقليل.
الروس لن يستطيعوا تمرير انتخابات زائفة سيجريها حليفهم الأسد، فأوروبا والولايات المتحدة أعلنا بأن أي انتخابات سيجريها الأسد هي انتخابات غير شرعية، وهذا يعني قطع الطريق على اللعب الروسي حيال الالتزام بتنفيذهم ما يترتب عليهم تجاه القرار 2254، الذي يعتبره الغرب قاعدة الحل الرئيسية والوحيدة للصراع السوري.
إذاً، لم تأت تصريحات يفيموف سفير روسيا في دمشق مجاناً، فهو قال بالحرف الواحد إن إدارة بايدن ليست في وارد تغيير السياسة الأمريكية تجاه نظام الأسد، بل يبدو أنها تتشدّد، وهذا يجعل من دعم سوريا في ظل عقوبات غربية على روسيا أمراً صعباً.
رهان الروس على تغييرات محتملة كانت ستحملها انتخابات الرئاسة الأمريكية هي رهان فاشل، فلقد نسي الروس أنهم تدخلوا في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة ضد الديمقراطية هيلاري كلينتون لصالح ترامب، والآن يأتي ديمقراطي لا يحب الروس، ولذلك لا أمل في تغيير مرتقب، وهذا يعني مفاقمة المصاعب والأوضاع المتردية في سوريا، وهم غير قادرين على مواجهته، وكذلك إيران التي تعرف أن مصيرها في سوريا ودول المنطقة يسير بقوة فعل التاريخ إلى نهاية الحلم الإيراني.
بقي أن نقول إن الروس أرادوا دائماً التغريد خارج المنظمة الرأسمالية الدولية، لكنهم في كل مرة يخسرون موقعاً جديداً، وهذا يتطلب منهم تغيير جوهر سياساتهم الدولية المبنية على تحدي المنظومة الغربية، وهذا يجب أن ينعكس لديهم بالبحث عن توافقات ملموسة مع الغرب في ملفات سوريا وليبيا والقرم وغيرها.
هل سيراجع الروس جوهر سياساتهم، أم أن ذهنية بوتين العنترية ستقودهم إلى جحيم جديد قريباً؟ وهل سيدركون أن زمن نظام الاستبداد في سوريا أزف دفنه، أم سيبقون مكابرين؟
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”