ماذا تريد واشنطن في منطقة الجزيرة السورية
في تحرك لافت للنظر التقى وفد من ضباط تابعين للقوات الأمريكية في سوريا مع القائد السابق للواء ثوار الرقة أحمد علوش (أبو عيسى). وقد جرى اللقاء في مقر الفرقة السابعة عشرة وهذه الفرقة كانت أكبر تمركز لقوات النظام قبل أن تتم السيطرة عليها من قبل الجيش السوري الحر، وقد كان للواء ثوار الرقة دور أساسي بتحريرها. ثم خاض اللواء معارك شرسة مع تنظيم داعش الإرهابي.
بحسب المعلومات التي نقلتها شبكة نهر ميديا، فإن الضباط الأمريكيين طلبوا من أبو عيسى إعادة تشكيل اللواء بعدما قامت قوات سوريا الديمقراطية بحله بعد سيطرتها على عاصمة داعش، بالرغم من الدور الهام الذي قام به في مقاومة داعش.
اللافت للنظر أن الاجتماع المشار إليه تم بين القوات الأمريكية وقائد لواء ثوار الرقة دون حضور أي ممثل عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهذه بحسب معلوماتنا هي المرة الأولى التي تلتقي فيها القوات الأمريكية بفعاليات محلية سواء عشائر أو تنظيمات شبه عسكرية دون أن يكون هناك ممثل عن قسد منذ أن سيطرت قسد على منطقة الجزيرة السورية.
وهذا كان له سبب من قبل الطرف الأمريكي لأن تجاربه مع القوات التابعة للمعارضة السورية لم تكن مشجعة، أولاً لتشرذمها، وثانياً لأن الأهداف الأمريكية لم تكن متطابقة مع أهداف هذه الجماعات، فعلى سبيل المثال اقترحت الولايات المتحدة على بعض الجماعات التابعة للمعارضة السورية تزويدها بالسلاح بمقابل قتال داعش مع بداية توسعه وقد رحبت بذلك، ولكن نقطة الخلاف أن هذه القوات أبقت على صراعها مع قوات النظام وهذا ما رفضته واشنطن، لذلك سرعان ما نفضت هذه الأخيرة يدها من جماعات المعارضة. هناك سبب متعلق بسياسة قسد في المنطقة حيث قامت بإهمال التشكيلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية وأحكمت سيطرتها على تلك المناطق.
وألحت على القوات الأمريكية أن يكون أي حوار أمريكي مع أبناء هذه المناطق يتم من خلالها وهذا ما التزمت به واشنطن طوال السنوات الماضية منذ سقوط داعش.
من الواضح أن النموذج الذي ساد في هذه المناطق خلال السنوات الماضية استنفد أغراضه، ولم يعد قادراً على الاستمرار، خصوصاً أن قوات قسد لم تستطع توسيع تجربتها بل حكمتها توجهات قومية قائمة على التمييز بين الشرائح الاجتماعية على أساس العرق. وهذا جعل الحاضنة الاجتماعية متململة من النموذج الذي امتلك كل ثروات سوريا، ولكنه أدى إلى إفقار وتهميش وتجهيل معظم السكان، والنصيحة الأمريكية لتحويل القوات الكردية إلى قوات وطنية يمكن أن تحظى بقبول من الشعب السوري جميعاً، لم يتعد حدود الاسم فقد بقيت ذات قيادات كردية والبعض منها غير سوري. الولايات المتحدة لا تريد أن تضع بيضها كله في سلة واحدة، وبالتالي توسيع هامش خياراتها في تلك المنطقة.
ولكن الأهم هو محاولة قطع الطريق على الجهود الحثيثة التي تتم من أجل إقامة تفاهم بين النظام السوري وتركيا وروسيا، وقد وصلت هذه الجهود إلى مراحل متقدمة. إذا كان الخيار بالنسبة لتركيا هو بين نظام الأسد وقسد فإنها بالتأكيد سوف تختار نظام الأسد، لكن إذا وضعت واشنطن خياراً ثالثاً متمثلاً بتنظيمات محلية بعيداً عن قسد فربما يكون ذلك خياراً جيداً بالنسبة لأنقرة. في النهاية يبدو الوضع في الجزيرة السورية متسارعاً، وكل من واشنطن وأنقرة يبحثان عن ترتيبات تحافظ على الحد الأدنى من مصالحهما. أما الحل للأوضاع الكارثية في سوريا فهي في آخر اهتماماتهما.