
مؤتمر الحوار الوطني السوري – 25 فبراير 2025
عُقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في 25 فبراير 2025 في دمشق، بمشاركة شخصيات سياسية واجتماعية سورية من مختلف الأطياف، بهدف رسم ملامح المرحلة المقبلة بعد أكثر من عقد من النزاع المسلح. شكّل المؤتمر محاولة جديدة لخلق توافق داخلي حول أسس المرحلة الانتقالية وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة. وفي ظل التعقيدات السياسية والعسكرية والغياب الواضح لبعض الفاعلين الأساسيين، يطرح المؤتمر عدة تساؤلات حول مدى جديته وقدرته على تحقيق نتائج ملموسة. ومع ذلك، يمكن اعتبار المؤتمر خطوة مهمة نحو إشراك الأطراف المختلفة في عملية الحوار والتوصل إلى مواقف مشتركة.
المحاور الرئيسية للمؤتمر:
- السيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية: أكد البيان الختامي على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيم أو اقتطاع.
- إعادة هيكلة الجيش وحصر السلاح بيد الدولة: تم التأكيد على ضرورة بناء جيش وطني احترافي يمثل جميع السوريين. وبرز في هذا السياق تأكيد الرئيس أحمد الشرع في كلمته الافتتاحية على أن “وحدة السلاح واحتكاره بيد الدولة ليس رفاهية بل ضرورة”، مشيرًا إلى أهمية بناء مؤسسات الدولة على أسس جديدة.
- الإصلاح السياسي والدستوري: طُرحت فكرة إعلان دستوري مؤقت، وتشكيل مجلس تشريعي انتقالي، تمهيدًا لصياغة دستور دائم. كما تمت الإشارة إلى ضرورة الاستمرار في عملية الانتقال الديمقراطي لضمان التغيير الشامل.
- الوجود العسكري الأجنبي: أدان المؤتمر التدخل الإسرائيلي وطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية، دون تحديد آليات واضحة لتحقيق ذلك.
- المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار: ناقش المؤتمر آليات تحقيق المصالحة بين مختلف الأطراف السورية وسبل إعادة الإعمار بدعم دولي، مؤكدًا على ضرورة إشراك جميع السوريين في عملية البناء المستدام.
- إجراء انتخابات عامة: تم الاتفاق على ضرورة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي لضمان مشاركة جميع السوريين في رسم مستقبلهم.
- مكافحة الإرهاب والتطرف: شدد المؤتمر على ضرورة إنهاء وجود التنظيمات المتطرفة والتعاون مع المجتمع الدولي في هذا الصدد.
تحليل المخرجات:
الإيجابيات:
- التوافق الداخلي: يُعتبر المؤتمر خطوة نحو محاولة تحقيق توافق داخلي بين مختلف الأطياف السورية في ظل الظروف المعقدة. فتح هذا المجال للحوار كان له أهمية كبيرة في وقت تشهد فيه سوريا انقسامات عميقة.
- التركيز على السيادة الوطنية: التأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم يعد خطوة إيجابية نحو الحفاظ على استقرار الدولة السورية وتعزيز مفهوم السيادة الوطنية.
- إصلاح الجيش: إشارة المؤتمر إلى ضرورة بناء جيش وطني احترافي يعكس طموحًا لإعادة بناء الجيش ليكون تحت إشراف الدولة ويمثل جميع السوريين، وهو تطور إيجابي نحو تعزيز الحيادية.
- إجراء الانتخابات: الاتفاق على إجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي يعد خطوة مهمة نحو إرساء أساس ديمقراطي في سوريا.
- إعادة الإعمار والمصالحة: المناقشات حول المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار تعتبر أملًا في بناء مستقبل مشترك لجميع السوريين وتعزيز التماسك الاجتماعي بعد سنوات من النزاع.
السلبيات:
- الشرعية والتمثيل: لم يكن المؤتمر شاملاً في تمثيله لمختلف الأطياف السورية، إذ غابت عنه بعض القوى والشخصيات المعارضة المؤثرة، إضافة إلى المكون الكردي. وبدت تركيبته أقرب إلى لون سياسي واحد إلى حد كبير، مما قد يضعف مصداقية مخرجاته ويعطي انطباعًا بأنه موجه أكثر لإرضاء الأطراف الخارجية، بدلًا من أن يكون خطوة حقيقية نحو بناء مستقبل مشترك مع شركاء الداخل.
- التطبيق العملي: لم يضع المؤتمر آليات تنفيذية واضحة لتطبيق بنوده، مثل تحديد آلية تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي أو ضمان حيادية الجيش. كذلك، لم يتطرق بوضوح إلى كيفية التعامل مع الفصائل المسلحة. وكان بالإمكان تشكيل لجان متخصصة من المؤتمرين لمتابعة تنفيذ كل مخرج من المخرجات، مثل لجنة معنية بالإعلان الدستوري المؤقت وأخرى مخصصة لتعزيز الحريات.
- ازدواجية الخطاب حول السيادة: بينما طالب المؤتمر بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية، لم يقدم آليات عملية لتحقيق ذلك. كما أن المؤتمر لم يطرح رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع الوجود العسكري لدول أخرى في الشمال السوري.
الاستنتاج:
يبدو أن مؤتمر الحوار الوطني السوري كان خطوة تكتيكية تهدف إلى تحقيق نوع من التوافق بين بعض الأطراف السورية، رغم بعض النقاط التي تحتاج إلى تحسين. ولكن غياب قوى المعارضة الفاعلة، وعدم وجود ضمانات لتنفيذ المخرجات، قد يجعل من المؤتمر مجرد محاولة لإعادة إنتاج الوضع القائم، رغم أنه قدم الكثير من الأفكار الإيجابية التي قد تسهم في تشكيل مستقبل سوريا في حال تم تبنيها وتنفيذها بشكل فعّال.
التوصيات:
- ضرورة انخراط جميع الأطراف السورية في أي عملية حوار وطني حقيقي.
- وضع آليات تنفيذية واضحة وملزمة لمخرجات المؤتمر.
- إشراك المجتمع الدولي في تقديم ضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
- تحديد موقف واضح من جميع القوات الأجنبية على الأراضي السورية دون انتقائية.
نجاح أي عملية سياسية في سوريا مرتبط بمدى قدرتها على إشراك جميع الأطراف المعنية وضمان تنفيذ مخرجاتها على أرض الواقع، وليس فقط إصدار بيانات سياسية.