fbpx

مآلات العلاقات التركية – السورية في ضوء نتائج الانتخابات!

0 76

أعتقد أنّ تناقض مواقف السوريين تجاه العلاقات مع تركيا، واختلاف مقاربتهم لمآلات العلاقات السورية التركية، هو الوجه الآخر للانقسام الناتج عن غياب بوادر حل سياسي وطني للصراع، يبقى السبيل الوحيد لترميم العلاقات بين السوريين، والإطار الموضوعي لتوحيد مواقفهم تجاه جميع القوى المتورّطة في تقاسم الجغرافيا السورية.

إذا تفهمنا دوافع وأسباب موقف المعارضات التي ربطت مصيرها ومصير الحل السياسي بمصالح تركيا وسياساتها، ومواقف المهجّرين داخل تركيا، الذين يشكّل لهم موقف النظام التركي عامل الأمان الوحيد، والسند الواقعي، إضافة إلى ظروف انقسام مواقف وردود أفعال السوريين على الصعيد الشعبي تجاه طبيعة العلاقات مع الجارة الكبرى، (نتيجة لما أصاب السوريين من عواقب دخول العلاقات بين النظامين بعد 2012 في مرحلة صراع مفتوح، على جميع الصُعد والمستويات، أحدثت في سياق صيرورة الخيار العسكري الطائفي، خاصة في مرحلته الثانية بين 2015-2020، حقائق جديدة في الواقع السوري، الجيوسياسي، والديمغرافي)؛لا نستطيع أن نتجاهل وجود أصوات عالية، تحذّر من وهم الاعتقاد أنّ المحتل التركي سينسحب من الشمال السوري… بل سيعمل على الحاقه وتبعيته كليا بتركيا!. يذهب هؤلاء إلى تأكيد موضوعية استنتاجهم بالقول أنّه منذ سنوات تم ربط الشمال السوري كليا بتركيا بالكهرباء والماء والاتصالات وصار التداول بالليرة التركية..[1]، ليصلوا إلى استنتاج غير واقعي، بأنّ الشمال السوري لن يعود إلا بالقوة!!؟.

اليوم، وفي ردود أفعال السوريين على نتائج الانتخابات، يتساءل معظمهم، الذين تعاطفوا مع الرئيس أردوغان أو تمنّوا له الهزيمة، عن مصير تلك الأراضي التي تقع تحت السيطرة التركية بشكل مباشر منذ 2016، أو عبر شركائها، ومستقبل مسار التطبيع السوري التركي؛ وهي بالطبع تساؤلات مشروعة، أحاول مقاربة إجاباتها بموضوعية.

إذا كانت هواجس السوريين حول وجود تهديد راهن واستراتيجي لمقوّمات الدولة السورية، نتيجة لتقاسم الحصص ومناطق النفوذ بين قوى الخيار العسكري لطائفي الخارجية وادواتها السوريّة، مشروعة، وواقعية، فإن الطريق الوحيد لمنع تحوّلها إلى حقائق هو قيام حل سياسي وطني شامل..؛ وهنا جوهر المأزق التاريخي!! لماذا؟.

في إدراكنا للعلاقة الجدلية بين المصالح والسياسات، نتفهّم حقيقة أنّه من مصلحة تركيا، كما من مصلحة السوريين، التوصّل إلى صفقة سياسية شاملة، تضمن انسحاب الجيش التركي الكامل، وإعادة المناطق التي يُسيطر عليها إلى سيطرة الحكومة السورية الشرعية، في إطار تسوية سياسية تأخذ بعين الاعتبار الوقائع الجديدة وموازين القوى، وتضمن في السياق والصيرورة، الحقوق التي منحتها الحكومة السورية السابقة في اتفاق أضنة 1998، وتتضمّن توفير ظروف موضوعية غير عدائية لعودة من أراد من السوريين في تركيا والوصول إلى تسوية ما مع الحكومة المؤقّتة؛ بمعنى العودة إلى ما يشبه الحالة التي كانت تحكم العلاقات السورية التركية بعد 1998، وشكّلت قاعدة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، وصلت إلى مراحل متقدّمة خلال النصف الثاني من سنوات العقد الأوّل. وهنا، التساؤل الذي يطرح نفسه:

ما هي طبيعة العقبات التي تواجه هكذا تسوية سياسية بين النظامين التركي والسوري، تشكّل خطوة أساسية على طريق تطبيع العلاقات مع تركيا، وبين السوريين؟.

إذا كانت من مصلحة سوريا وتركيا، والنظامين السوري والتركي، ومصلحة قسم كبير من المهجّرين، الوصول إلى تفاهمات هذه الصفقة، عبر تسوية سياسية، فإن تحقيقها يواجه معضلتين رئيسيتين، مرتبطين بعلاقات جدلية غير قابلة للفصل:

أ- المشكلة الأولى، هي ذاتها التي واجهت الحكومة السورية عام 19987، وترتبط بطبيعة العلاقات مع حزب العمال الكردستاني التركي، في نسخته السورية الجديدة، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD).

لقد استطاعت سلطة النظام حينئذ إيجاد حلّ يتوافق مع نهج تطبيع العلاقات مع النظام التركي لأنّها كانت المتحكّم الرئيسي بورقة PKK. اليوم الوضع مختلف، ليس فقط لأنّ وريثه خارج السيطرة، ويتحكّم بحوالي 25% من مساحة الجغرافيا السورية، ويرتبط بشبكة علاقات معقّدة مع شركاء النظام، خاصة النظام الايراني، بل ولأنّه يتمتّع بمظلّة الحماية الأمريكية؛ وهو ما يكشف طبيعة المعضلة الثانية.

ب- المعضلة الأساسية التي تواجه مسار التطبيع السوري التركي ترتبط بخطّة ومشروع التسوية السياسية الأمريكية الشاملة، وبطبيعة المصالح الأمريكية التي تسعى لتحقيقها.
في السياق والاهداف والأطراف، تقوم خطّة التسوية السياسية الأمريكية التي أطلقتها واشنطن وموسكو في مطلع 2020، (وكانت قد عملت واشنطن على توفير شروطها الموضوعية والذاتية في سياق صيرورة الخيار العسكري الطائفي منذ مطلع 2012، بتنسيق وتكامل جهود مع روسيا البوتينية وأوروبا الديمقراطية، وقد أخذت جهودهم المشتركة مسارين، سياسي – منذ 2012، مسار جنيف – وعسكري، بعد تدخّل جيوشهم المباشر في الصراع أوسط 2104/2015، وإطلاق حروب إعادة توزيع الجغرافيا السوريّة بين 2015-2020)، على قاعدة شرعنة الوقائع الجديدة التي صنعتها موازين قوى الحرب في نهاية 2019، واعترفت بها اتفاقيات الرئيسين التركي والروسي في قمّة 5 آذار 2020، وبرز فيها أربع سلطات أمر واقع؛ وعبر مسار سياسي واقتصادي، سوري وإقليمي ودولي، يسعى لتوفير شروط تهدئة مستدامة، تسمح بإعادة تأهيل متزامن لسلطات الأمر الواقع، وفي مقدمتها سلطة النظام السوري وسلطة قسد، وفي سياق تطبيع إقليمي شامل، يعمل على تطبيع علاقات النظامين الإيراني والسوري مع دول الإقليم، وعلى إعادة النظام الإيراني إلى الحضن الإقليمي عبر البوابة السعودية.
لماذا وكيف تشكّل مرحلة التسوية السياسية عقبة في مسار تطبيع العلاقات السورية التركية؟، ومَن هي قوى المشروع الرئيسية، والشركاء، وطبيعة العلاقات التي تفرضها أهداف وإجراءات التسوية؟

إذا كان الهدف الرئيسي للتسوية السياسية الأمريكية على الصعيد السوري يقوم على قاعدة الحفاظ على الحصّة الأمريكية التي تحكمها قسد، عبر شكل ما من أشكال مقايضة الاعتراف بها بإعادة تأهيل سلطة النظام على الحصّة الراهنة، وعدم ممانعة خطوات عودتها إلى الوسطين الإقليمي والدولي، يصبح واضحا طبيعة القوى الأساسية التي ستعطيها التسوية حصّة الأسد من شركائها في خيار الحرب، بمرحلتيه الرئيسيتين (2012-2014) (2015-2020) مقابل اعتراف جميع أطراف الحرب المشاركة في التسوية بشرعية الوجود الأمريكي وانخراطها في إجراءات تحقيق أهدافها في سياق خطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية، يضمن النظام الإيراني الحصول على اعتراف غير مباشر بشرعية هيمنته على حصّة النظام، ومكاسب التطبيع مع النظام الإقليمي العربي – وما ينتج عنها من الوصول إلى تفاهمات حول الملف النووي، قد تضمن لسلطة النظام الاعتراف بدخول إيران النادي النووي الإقليمي، بمفهوم القنبلة على الرف؛ كما ويتاح للنظامين السوري والتركي الدخول في مفاوضات صفقة سياسية لا تتعارض، كما تريد واشنطن، مع الأهداف الرئيسة للتسوية السياسية الشاملة، (ولا يفوتها استخدام أوراق الضغط المناسبة)؛ التي يشكّل على الصعيد السوري بقاء سلطة قسد عمودها الفقري، وعلى الصعيد الإقليمي، إضعاف شبكة تعزيز أسباب استمرار الحرب الروسية!.

ما هي طبيعة العلاقات بين أطراف التسوية السياسية الأمريكية، ومآلات الصراع بين قواها في ضوء نتائج الانتخابات التركية؟.

بناء على ما سبق، يمكن أن نتوقّع طبيعة العلاقات في المرحلة القادمة، اعتماداً على الإمكانيات التالية:

  • اعتراف الولايات المتّحدة بحقائق قوّة الشرعية التركية لنظام الرئيس أردوغان التي أكّدت عليها نتائج الانتخابات، وبمصالح تركيا، وموجّبات الحفاظ على أمنها القومي التي تضرّرت بفعل عواقب الخيار العسكري الطائفي الذي قادته واشنطن وموسكو بين 2015-2020؛ والتي يأتي في مقدمتها حسب تدرّج الخطورة بالنسبة للقيادة التركية، مسألة وجود واستمرار كيان الإدارة الذاتية، وقضيّة اللاجئين، وطبيعة الوجود الإيراني في سوريا.

ضمن هذا الإطار، تنفتح احتمالات حصول تغيّرات نوعية في أهداف وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية، وتغيّر طبيعة العلاقات السابقة، تتضمّن تخلّي الولايات المتحدة عن هدف إقامة قاعدة ارتكاز في سوريا، بما يُعيد مسار التسوية السياسية إلى روح مسار جنيف، والدفع باتجاه حل سياسي شامل، يتمّ خلاله موازنة عودة سيادة الحكومة السورية على كامل الجغرافيا السوريّة في إطار صيغة تشاركية على الحكم، يقودها النظام، وتجمع قيادات سلطات الأمر الواقع، وأحزابها السياسية في حكومة وحدة وطنية، على طريقة الطائف اللبنانية، وبما يضمن مصالح الولايات المتّحدة، ويزيل هواجس الأتراك.

طالما أنّ العائق الرئيسي أمام تقدّم هذا المسار يتمثّل بتناقض أهدافه ونتائجه مع خطط الهيمنة الإيرانية، و(هي في أحد جوانبها تجسّد العلاقات التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني) فإنّ تقدّمه، على الصعيد الإقليمي، يؤدّي إلى كسب تركيا لصالح محور مواجهة روسيا؛ بخلاف تقدّم صيرورة التسوية الراهنة، التي ستكون موضوعيا على حساب تطوّر العلاقات الروسية التركية.

  • إذا كان من مصلحة النظام السوري التكتيكية في حال غياب صفقة تركية أمريكية شاملة تجيير إجراءات وخطوات التسوية السياسية الأمريكية، والاستفادة مما تسمح به على صعيد التطبيع والتأهيل، (حتّى على حساب الوصول إلى تسوية سياسية مع تركيا، تسمح بانسحاب جزئي أو شامل للجيش التركي)، فليس من مصلحته على المستوى البعيد القبول بسلطة قسد، تحت مظلّة الحماية الأمريكية، وبقاء الجيش التركي، وما ينتج عنهما من إضعاف سيادة الدولة، وتفشيل مقوّماتها؛ وهي عوامل قويّة، قد تخلق إمكانيّة تغيّر السياسات والتحالفات، وكلّ أشكال الصراع بين الأطراف المعنية.
  • ذهاب النظام السوري نهائيا على خيار التسوية السياسية الأمريكية يمنع وصوله إلى تفاهمات صفقة سياسية مع النظام التركي، وسيدفعه إلى تعزيز تحالفه مع روسيا في مواجهة جهود إيرانية لتضييق الخناق على الوجود الروسي في سوريا، ويعمل بدعم من قطر، إلى البحث عن حلّ لإعادة توطين القسم الأعظم من المهجّرين داخل شريط المنطقة التي يُسيطر عليها، (وقد بدأ المشروع)، وتأجيل مسألة انسحاب الجيش التركي، بما يؤدّي عمليا إلى تكريس وقائع الحصص ومناطق النفوذ، بما يتوافق مع مشروع التسوية السياسية الأمريكية!!.
  • ذهاب النظام السوري والإيراني على خيار التسوية السياسية الأمريكية يؤدّي في السياق والصيرورة إلى إضعاف الوجود الروسي، وتقويض مصالح روسيا على المدى المتوسط؛ وهو ما قد يخلق تعقيدات جديدة داخل المشهدين السوري والإقليمي، تعزّز مخاطر تفشيل الدولة السورية، وتعمّق خنادق الانقسام بين السوريين!.
  • في حال عدم الوصول إلى صفقة تسوية سياسية أمريكية تركية، وفي ضوء عوامل سياق الخيار العسكري الممتد منذ منتصف 2012، تؤشّر موازين قوى الصراع على الصعيدين السوري والإقليمي والأوروبي/الأمريكي، (التي تميل لصالح الولايات المتحدّة والنظام الإيراني، على الصعيد السوري والإقليمي، ولصالح الولايات المتّحدة، على صعيد صراع السيطرة على أوروبا)، إلى تعزيز مآلات التحالفات الجديدة التي صاغها مؤتمر قمّة جدّة، وتصاعد صراع النفوذ والسيطرة بين قوى مشروع المحور السعودي/الإيراني في مواجهة سياسات تركيا وروسيا، وذهاب التحالفات إلى قيام محورين، ترتبط علاقات أطرافهما بعلاقات جدلية متحرّكة:
  • محور أمريكي، شكّلت قمّة جدّة الأخيرة، أبرز خطوات مشروعه، وتعمل على تحقيق أهداف مرتبطة بسياقي التسوية السياسية ومواجهة روسيا. يرتكز المحور على علاقات تشاركية إيرانية سعودية، ويتغطّى بالشرعية العربية، ويحظى بدعم أوكراني صيني وأوروبّي.
  • محور روسي تركي قطري، يسعى على الصعيد السوري لمواجهة خطوات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية، وعلى الصعيد الإقليمي، منع نجاح سياسات الولايات المتحدّة لعزل روسيا، وإضعاف شبكة علاقاتها الإقليمية، الداعمة لجهود الحرب في أوكرانيا؛ مع أهميّة الإشارة إلى ما تتميّز به العلاقات بين الأطراف من طبيعة متحرّكة، نتيجة لتداخل المصالح، وتشابك العلاقات بينهم خلال مراحل الحرب، وبالتالي حرص كلّ طرف على عدم قطع الشعرة الشهيرة، وعدم المخاطرة بعواقب الدخول في مواجهات مباشرة!.

ضمن عوامل السياق السابق، نفهم طبيعة تعارض المصالح بين تركيا من جهة، والولايات المتّحدة والنظام الايراني، من جهة ثانية، وطبيعة الصعوبات التي تواجهها العلاقات السورية الإيرانية، والسورية التركية؛ كما نفهم طبيعة المصالح السوريّة والدولية التي تُشابك بين السياسات التركية والروسية.

في الختام، اوّد الإشارة لنقطة بالغة الأهمية، ترتبط بطبيعة المواقف المعارضة لخطوات التطبيع الإقليمي، التي يعمل المروجون لها على تغييب أهدافها ودوافعها الأمريكية في سياقات صراع الأطراف المشاركة في إطار التسوية السياسية، وليس خارجها؛ وهو تعزيز لنهج تضليل الرأي العام السوري!.

لضبط خطوات وسياسات، شركائها من الحلفاء والخصوم في مشروع التسوية السياسية على الصعيدين السوري والإقليمي، تستخدم الولايات المتّحدة نهجها القديم، الحديث، الجزرة والعصا (الغليظة أو اللينة)، وتقود حربها اللوجستية، الدعائية بمهارة من خلال توزيع أدوار بين الإدارة والكونغرس.

في حين يقود الكونغرس، بتشريعاته القديمة والجديدة، وبتنسيق مباشر مع شركاء الولايات المتّحدة في حكومات المتصرفيات الأوروبية حربا شعواء ضدّ سياسات التطبيع، والمطبعين، محذّراً من العواقب الوخيمة، لم تخف إدارة بايدن عدم ممانعتها لتقدّم قطار التطبيع، وتبذل جهوداً مختلفة في إطار تأهيل سلطتي قسد والنظام؛ ولكلّ جبهة ما يُبرّر سياساتها في دعايات الطرفين!
مما جاء في مداخلة جويل رايبورن، في ندوة يوم الجمعة بتاريخ 28 نيسان الماضي، قدّم لها، وأدارها السيد راسل بيرمان، Russell Burmen مدير مجموعة العمل حول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في معهد هوفر Hoover Institution StanfordUniversity، بمشاركة ضيوف الندوة، السيّد بدر جاموس: وجويل روبيرن، Joel Rayburn:

يحاول السوريون فهم الدوافع والأسباب المنطقية خلف قرار صنع التطبيع في العواصم العربية. نحن نحاول فهم آليات صناعة القرار في الأجزاء المختلفة من الحكومة الأمريكية… موقف الكونغرس من النظام ثابت، لا يمحى، ولا رجوع فيه. هذا هو الموقف النهائي للكونغرس، كما لدينا مبادرات مستمرة لمجلس النواب. وقد اطّلعت على تصريحات من قيادات مجلس النواب، والحزبين، ولجنة الشؤون الخارجية، وتصريحات من قيادة مجلس الشيوخ، قد تؤدّي جميعها إلى صدور تشريعات، من شأنها أن تعزز في القانون الأمريكي سياسات الضغط الأمريكية، وعزل نظام الأسد، وإجراءات أعتقد أنّها ستؤدّي إلى ردع التطبيع، ردع إعادة تأهيل النظام على المستوى العالمي. هذا قادم من الكونغرس، الذي ما زال على نفس خط الضغط على النظام…،
ثمّة أيضا تباين بين الإدارة والكونغرس، الذي أصبح أكثر نشاطا في موقفه المتشدّد ضدّ الإدارة التي لا تنفّذ السياسات، لا تطبّق سياسات الكونغرس.

إلى ماذا سيؤّدي ذلك، ونحن نشهد دلائل على ذلك بالفعل. أعتقد أنّه سيكون هناك تدخّلاً من الكونغرس في تنفيذ القانون الأمريكي المتعلق بسوريا. سترى الكونغرس، يتخذ الخطوات التي تفرض على السلطة التنفيذية، تنفيذ سياساته تجاه سوريا.

إذن، لدينا توتّر بين السلطة التنفيذية والكونغرس.

في نفس الوقت، فإنّ أخطر الاتجاهات التي يتمّ الحديث عنها في وسائل الإعلام الأوروبية هي أنّ الاوروبيين في اتجاه إجراء تحقيقات في جرائم الحرب، وإصدار لوائح اتهام، ومحاكمات لكبار المسؤولين عن الجرائم ضدّ الإنسانية في النظام.

إنّ ردود أفعال الإدارة الأمريكية على تسارع خطوات التطبيع وتقوية النظام السوري لم تكن سلبية فحسب، لكنّني أعتقد بوجود موافقة ضمنية على خطوات التطبيع تلك. ما نسمعه من مصادر في العواصم العربية هو أنّهم عندما يطرحون قضية التطبيع مع الإدارة الأمريكية، كانوا يحصلون على ضوء أخضر ضمني، يختلف عمّا تعلنه الإدارة جهارا. الإدارة الأمريكية لعبت دوراً سلبياً للغاية. هناك بعض الأصوات داخل الإدارة تقول إنّه من مصلحتنا التطبيع مع النظام، لأنّ ذلك يساعدنا على إزالة القضية السورية من الجدول كمشكلة يجب على الولايات المتّحدة التعامل معها، ولأنّنا نريد أن نطبّع مع النظام الإيراني عبر اتفاق نووي، وتساعدنا بالتالي خطوة التطبيع البيني الإقليمي، والتطبيع مع النظام السوري، لكونه أحد أهم حلفاء النظام الايراني..
يكرر الدكتور التقي نفس الاسطوانة، مغيّبا سياق العلاقات التشاركية الإيرانية والامريكية، وحيثيات وسياق التسوية السياسية في اسباب المتغيّرات المتسارعة على الصعيدين السوري والإقليمي[2]:

إيران حالياً، يجري العمل معها، كما أشرت بمقالتي بوضوح، عن الإطار العالمي للصراع..

الولايات المتّحدة تفكّر الآن في إمكانية مقاربة الوضع مع إيران، وقد ذكرت في عدّة مرات أنّ إيران ليست عدواً أصيلاً للولايات المتحدّة. إيران دولة مارقة… زعرة. يتمّ احتواء الزعرنة.. إيران لا تشكّل للولايات المتّحدة أي تهديد..

ولأنّ النظام الايراني الأزعر، وبعد تقلّص عدد زباينة دولته، بعد حصار جدّي، اضطرّت تدخل بمفاوضات الملف النووي، وأكثر من ذلك، والآن، تحت ضغط العقوبات، إيران مستعدّة للتفاوض. تبدي استعداداً للتفاوض!! الله أكبر!! سبحان العقوبات الأمريكية مغيّرة الأحوال، ومروّضة الأنظمة المارقة!.

الولايات المتّحدة تفكّر الآن في إمكانية مقاربة الوضع مع إيران.

يوجد ميل لدى الأمريكان، خاصّة الديمقراطيين، لأن تُستخدم دول الخليج، خاصّة المملكة السعودية، كأداة لدمج إيران في المنظومة الإقليمية، مقابل ألا تذهب إلى الحضن الروسي، يمكن تخفيف العقوبات تدريجيّاً، ومن خلال إرضاء المملكة، التي ستصبح الجسر الذي يمرّ عبره الدعم المالي، المعفي من العقوبات الأمريكية، وسيبقى تحت حصار شديد على طريق دفعه للدخول بعملية سياسية جدّية، تقودها الأمم المتحدة، حسب 2254.

هي قضية جوهرية، إبقاء القرار حياً، كي لا يتمّ تجاوزه على غرار القرارات الفلسطينية.


[1]– … وألحقت إدارياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً وصحياً بتركيا، وتم إعطاء السوريين هويات خاصة مكتوبة باللغتين التركية والعربية وفي المدارس يتم تعليم اللغة التركية، وكل المؤسسات يديرها الترك ويسعى الترك إلى تحويل الشمال السوري إلى مركز اقتصادي حر تابع لتركيا يصدر من خلاله مختلف أنواع البضائع التركية إلى الداخل السوري ولبنان والأردن والجزيرة العربية، الشمال السوري لن يعود إلا بالقوة. “طلال العبد الله”.

[2]– لطبيعة المتغيّرات الاستراتيجية في أدوات السيطرة الإقليمية الأمريكية لحقبة ما بعد الحرب الباردة، (التي بدأت أولى إرهاصاتها مع انتصار الثورة المضادة للتغيير الديمقراطي الخمينيّة في طهران، شباط 1979 بدعم لوجستي أمريكي/فرنسي، وأخذت تتبلور خلال ثمانينات القرن الماضي في أدوات تأجيج الحرب العراقية الإيرانية، وفي مواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان، ووصلت إلى أعلى درجات الوضوح إبان غزو العراق 2003، وما بعده، في تأسيس نظام ديمقراطي طائفي، تشاركي، أيرو أمريكي؛ وبلغت اوجها في مواجهة استحقاقات الربيع السوري الديمقراطية!)، وأعطت للشراكة مع أدوات المشروع الإيراني – الوجه الآخر لأذرع الإسلام السياسي الوهّابي – الأولويّة والأفضلية، على شركائها في مرتكزات السيطرة الاقليمية لحقبة الحرب الباردة السابقة، التي كانت تحتلّ فيها أذرع الوهابيّة السعودية و جيش الدفاع الإسرائيلي المرتبة الأولى!.

ليس خارج السياق، أعتقد أنّ إدراك القيادة الإسرائيلية لطبيعة هذا التغيّر الجديد في خطط السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة – حليفها الاستراتيجي وكفيل أمنها – قد قلّص من قدرتها على ردع أدوات التغلغل الايراني المنافسة، في العراق وسوريا ولبنان، وعزّز جهود حكومتها المواجهة لأذرع الأخطبوط الإيراني للاعتماد على النفس أوّلاً، والتنسيق مع القيادة الروسية، في درجة ثانية، لحماية ما تعتقده حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلية مصالحها العليا خلال الصراع على سوريا، المستمرّ منذ 2011، حيث واجهت أدوات المشروع اليوروأمريكي أكبر التحدّيات التي خلقتها ثورات الربيع العربي، في تمرّدات شعبية سورية غير مسبوقة ضدّ مرتكزات السيطرة الاقليمية للنظام الإيراني؛ وهو ما يفسّر طبيعة الحرب الدفاعية التي استخدمت فيها الولايات المتّحدة وشريكيها الإيراني (وحليفهما الروسي) جميع الوسائل الهجومية، وفي مقدمتها خيارات العسكرة والتطييف وأذرع الإسلام السياسي الميليشياوية، لإجهاض أهداف حراك السوريين السلمي الإصلاحي، وتحويله إلى مجازر طائفية، أخذت أشكال الحروب الطائفية، السعودية/الإيرانية.

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني