مآلات التحرك العسكري لفصائل الثورة السورية الراهن
تتابع الفصائل المسلحة اندفاعها العسكري، والذي كان ناجحاً على الصعد كافة، فالعمليات العسكرية التي قامت بها قوات غرفة عمليات “ردع العدوان” أنجزت تحرير مدينة حماة وكل ريفها، واتجهت لتحرير ريف حمص الشمالي والذي استطاعت تحريره مناطقه الخمس الكبرى.
الفصائل المسلحة أثبتت إنها خضعت لتدريب عسكري عال، بدلالة التنسيق الدقيق بين مختلف الفصائل المشاركة، والاندفاع المحسوب في الجغرافيا المحيطة بحلب المدينة، ما حقق لهم انتصارات واضحة وجلية لا لبس فيها، هذا الجانب لم يكن الجانب الأهم في هذه العملية العسكرية، إنما قدرة قيادتهم على فرض وحدة الرايات، فكانوا تحت ظل علم الثورة فقط، بحيث تحاشت عمليتهم والتي حملت اسماً يعبّر عن أسبابها، أن يوسم بالإرهاب. حين استقروا في حلب، ثمّ، وهذا من أهم ما فعلوه، طمأنة الناس على مختلف أديانهم ومشاربهم، وقاموا بتوزيع الخبز للجميع، وإعادة التيار الكهربائي للمدينة، والاهتمام بمتطلبات المشافي، أي أنهم أظهروا اهتماماّ خاصاً بالمتطلبات المجتمعية لأهل حلب.
إذاً، وعلى مدى الأيام الماضية، كان العمل العسكري ناجحاً، بل ومبشّراً بمرحلة جديدة ستمرّ بها سوريا على ضوء ما حلّ حتى الآن من نجاحات عسكرية، وعلى ضوضاء تخبط النظام في كل المجالات، سواء كانت عسكرية أو حياتية أو إعلامية، ويشهد للنظام بأنه خير من أهمل متطلبات الناس، وإن مرحلة جديدة ينتظرها السوريون على مدى كامل التراب السوري.
هاهو النظام الذي أراد أن يغرق العالم بتفاصيل القررات الأممية، وبمخرجات جنيف1، يغرق هو، وتضيع قواته على الطرق منهكةً وعاجزةً عن الدفاع عن نفسها، وتتخبط قيادته السياسية العاجزة عن طرح أي مسار تفاوضي قد ينقذ البلد. فهل تراه سيخضع للقرارات والمراسم الدولية المتعلقة بالقضية السورية؟
ما نراه الآن يجري على الأرض، يجعلنا نعتقد وبقوة، إن هذا التحرك سيقود إلى تحريك الوضع السياسي المتجمّد منذ سنوات، وهذا التحرّك سيكون أمامه القرار الأممي 2254 بالفهم السوري الصحيح، وليس بالفهم الروسي الأعرج لهذا القرار.
على بشار أسد أن يفهم المتغيرات الجديدة التي حصلت بعد 27 تشرين الثاني 2024، عليه أن يعي مآلات هذا التحرك بدقة، فخياراته محدودة، وداعموه في أسوأ حالاتهم، الروس لازالوا يبحثون عن مخرج لأزمتهم وحربهم في أوكرانيا، أما إيران فهي الحليف الرئيسي لنظام أسد، فقد أثبت إنها حليفٌ غير موثوق، يتخلى عن خطوطه المتقدمة، حين يكون هناك ضغط عسكري، هذا تماماً ما فعله مع حماس أولاً ومع حزب الله ثانياً، وها هم يواجهون العنف المفرط من الآلة العسكرية الإسرائيلية الضخمة والمتطورة، والتي لم توفر القيادات من الصفّين الأول والثاني لكلا الطرفين، والنظام السوري الآن يدفع ثمن رفضه للحل السياسي، وهروبه من الاستحقاقات المترتبة على عدم تنفيذه للقرارات الاممية.
الغباء السياسي والجمود اللذان يسمان سياسة نظام بشار، بالإضافة إلى خضوعه لإملاءاتٍ كثيرةٍ من أطراف متعددة، لها أجندات مختلفة، وأطماع متعددة في سوريا، جعلته يعتقد بأن خشبة النجاة هي في تأجيل الاستحقاقات الأممية يوماً بعد يوم، ولكنّ عملية ردع العدوان على ما يبدو قد تجاوزت في تأثيراتها حدود الردع إلى ما هو أكثر من الردع، فهي عملية ضخمة أتت على العاصمة الاقتصادية لسوريا، وواضح أنها ستدفع كلّ القوى السورية باتجاه الحل السياسي المبني على القررات الأممية، بدءاً بقبول رأس النظام بذلك، مروراً بالمرحلة الانتقالية، وبالتالي نقل البلد إلى العصر الجديد لسوريا بلا عائلة أسد.
إن الحل هو سياسيٌ بامتياز، والفعل العسكري يصبّ في هذا الاتجاه، خيارات ومساحة المناورة المتاحة لبشار أسد تتقلص يومياً، وتضغط بشكلٍ خانقٍ على نظامه، بالكاد يستطيع بمؤسساته الأمنية والعسكرية المهترئة والفاسدة متابعة أو مواكبة الأحداث المتسارعة، والتي تدفع إلى ضرورة تفعيل مسارات الحل السياسي، والذي يُخرج سوريا من أزمتها، بل من كارثتها التي ساقها إليها نظام عائلة أسد.