لماذا يتجنب السوريون تقييم مسيرة الثورة.. تأمل في ذكرى الثورة السورية الـ 13
بعد 13 عاماً من عمر الثورة السورية، ما زال السوريون وخاصة منهم الناشطون والنخب السياسية والمثقفة التي قادت الحراك السياسي لم تتناول بالنقد والتقييم مسيرة الثورة، أين أخطأت وأين أصابت، وما هي أسباب الانتكاسة؟ فمعالجة هذا الموضوع هي أولوية وواجب علينا جميعاً لكي نستطيع فهم الواقع الحاضر بشكل صحيح، ورسم معالم المستقبل.
وبرأيي المتواضع يجب أن يكون الاحتفال بذكرى الثورة، ليس مناسبة لرفع وترديد الشعارات على أهمية ذلك، بل لمراجعة مسيرة الثورة التي ضحى السوريون من أجلها كثيراً، ووضع الإصبع على الجروح التي ما زالت تنزف.
النظام أموره واضحة فهو يعرف أن لديه رعاة يحمونه من السقوط بدءاً من إيران وروسيا وانتهاء بأمريكا وإسرائيل، فالنظام منذ حافظ الأسد الذي شبّك مع النظام العالمي، لأنه قدم خدمات أمنية وغيرها، مقابل الحفاظ على السلطة، وهذا بالضبط ما حصل، ولكن بعضهم لا يدرك أن النظام بقي حتى اليوم ليس لقوته وجبروته وذكائه في التخطيط، مع العلم بأنه يمتلك أجهزة أمنية أخطبوطيه، ومع ذلك كاد النظام أن يسقط لولا الدعم الإيراني والتدخل العسكري الروسي بضوء أخضر أمريكي عام 2015.
أما المسألة المتشعبة التي تحتاج لوقفة طويلة، فهي حال الثورة والثوار وأولئك الذين تصدروا مشهد المعارضة زوراً وبهتاناً وتحولوا إلى هياكل هزيلة جداً ومكشوفة بتبعيتها للخارج وعدم اهتمامها بوضع الشعب السوري ولا بثورته فهم مشغولون بأجنداتهم الخاصة.
وأود التركيز اليوم على العامل الذاتي في الثورة السورية، لأن الظروف العامة تحتاج لوقفة أخرى، وقد تحدثت عن بعض ملامحها في مقالات أخرى.
وأصبح واضحاً لدى السوريين بأن غياب القيادة المركزية للثورة، والذي للأسف فرحنا له في بداية الثورة لأننا تعبنا من ديكتاتورية الفرد والاستبداد والتسلط، لكننا أخطأنا، لأن غياب القيادة المتمرسة المؤهلة سياسياً أحد أهم أسباب تراجع الثورة.
ولنكن صريحين، كانت هناك قوى وشخصيات تصدرت لقيادة الحراك المعارض، ولكن ممن تكونت؟
لقد لعب الإسلاميون فيها دوراً مهيمناً منذ البداية، هل تذكرون صفحة الثورة السورية التي كانت مرجعاً للثوار والناشطين في بداية الثورة، التي كانت تحدد أسماء الجمع التي تجري فيها مظاهرات في كل سوريا؟ كان يديرها إسلامي وأساء استخدامها لأن أغلب أيام الجمع كانت ذات طابع ديني لدرجة أنهم سموا جمعة باسم إبراهيم اليوسف الذي ارتكب مجزرة طائفية في مدرسة المدفعية.
والسبب أن الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمين كانوا أكثر حزب وتنظيم سياسي مؤهل تنظيمياً ومالياً وسياسياً.
ولكن الإسلاميين شوهوا الثورة فقد ساهموا مع دول الخليج وبمساهمة من النظام أيضاً، الذي أفرج عن عناصر إسلامية متشددة، بتشكيل فصائل إسلامية مسلحة ساهمت في عسكرة الثورة، ثم استسلمت لاحقاً أمام النظام وسلمته أسلحتها ومستودعاتها، وهذه جريمة يجب أن يحاسبوا عليها بينما هم يسرحون ويمرحون في الشمال السوري بلا عقاب.
وكذلك سيطر الإسلاميون على المجلس الوطني السوري منذ تأسيسه وقدموا لرئاسته شخصيات علمانية، واختبؤوا خلفها، بينما كانوا مهيمنين على قرارات ومقدرات المجلس الوطني. فمن لا يعرف كيف كان مكتب الإغاثة خاضعاً بالكامل للإخوان المسلمين، حيث كانت ترد إليهم ملايين الدولارات، أما المكتب المالي الذي يقوده شخصية من إعلان دمشق فلم تكن لديه الأموال، بل يطلبها من مكتب الإغاثة. وقام الإخوان المسلمون باستغلال الأموال التي قدمتها الدول لدعم الثورة بتأسيس فصيل مسلح يخضع للإخوان المسلمين ولأجنداتهم الحزبية الأيديولوجية كأولوية.
والذي يجب أن نعترف به كقوى ديمقراطية، هو لماذا سكت ممثلو إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عن ممارسات الإخوان المسلمين. وهناك أمثلة وقصص يرويها شهود عيان بأن الإخوان كانوا يستميلون الفصائل والناشطين ليتبعونهم مقابل دعمهم مالياً.
كما شكل الإخوان مجموعات تحت مسميات مختلفة، ولكنها تتبع الاخوان، بينما القوى الديمقراطية كانت قليلة التمثيل ولم يسع ممثلوها لزيادة تمثيلهم، وأذكر حادثة توسعة المجلس الوطني في عام 2012 التي أشرفت عليها لجنة أغلب أعضاءها من إعلان دمشق الديمقراطي. ولكن التوسعة كانت بامتياز لصالح الإسلاميين، وهذا أمر غريب لا أجد له تفسيراً، ومن حضر مؤتمر المجلس الوطني السوري في الدوحة في تشرين الثاني 2012، يعرف كيف جرت الانتخابات لدرجة أن شخصية محسوبة على التيار الديمقراطي العلماني مثل المسيحي الأستاذ جورج صبرة سقط في الانتخابات، والعلوي الوحيد في المؤتمر الدكتور منذر ماخوس سقط في الانتخابات، ولم تنجح سيدة واحدة في الانتخابات، وعندما أعلنت النتائج حدثت ضجة وانتقادات، فاستدرك الاخوان المسلمون الوضع واتفقوا على إضافة جورج صبرة ومنذر ماخوس وأربعة سيدات إلى الأمانة العامة للمجلس الوطني، وقدموا جورج صبرة لرئاسة المجلس الوطني ومنذر ماخوس وسيدة واحدة أضيفا لعضوية المكتب التنفيذي.
هذا مثال واحد، ولكن الهدف من هذه المقالة ليس الحديث عن الإخوان المسلمين ودورهم في تدمير الثورة، بل عن أولئك المحسوبين على التيار الديمقراطي ولماذا فرّطوا بالثورة.
السكوت عن الأخطاء والمجاملات وبوس اللحى لم يخدم الثورة، بل حدث من أجل تقاطع المصالح المتعلقة بالمناصب أو بالفوائد المالية والسياسية والحزبية، الذي لعب دوراً فاعلاً في تدمير ثورة الشعب السوري.
مثلاً، لماذا لم يتقدم إعلان دمشق وقاد المعارضة والثورة انطلاقاً من مؤتمر أنطاليا في تركيا؟
كان مؤهلاً لذلك تماماً، ولكن قيادة الإعلان ارتأت أن يبقى الإعلان مراقباً في الصف الخلفي، كما حصل عندما ألقى أنس العبدة كلمة باسم الإعلان في ذلك المؤتمر بصفة مراقب ومنع رئيس المجلس الوطني في حينها من التحدث باسم الإعلان؟.
لماذا لم يتفق إعلان دمشق مع بعض القوى السياسية التي كانت تنتمي للتجمع الوطني الديمقراطي مثل الاتحاد الاشتراكي الذي لعب أغلب أعضائه دوراً بارزاً في الحراك الثوري في الداخل واغتال النظام عدداً منهم، بدلاً من التحالف مع الإخوان المسلمين.
أسئلة تحتاج لوقفة وإجابة صريحة وشفافة أمام الشعب السوري.
وبعد المجلس الوطني السوري جاء الائتلاف الوطني في تشرين 2012، الذي صنّع من قبل القوى الخارجية ليزيد في تمييع وإخضاع الثورة لأجندات خارجية، وكانت تركيبته لا تمت للثورة وللشعب السوري بصلة بل كانت تلبي مصالح ومواقف المتدخلين الخارجيين، لذلك وصل الائتلاف إلى ما هو عليه اليوم فأصبح مجموعة من المرتزقة والانتهازيين والمتسلقين والمأجورين للأجندات الخارجية، ولا يوجد بينهم من هو مهتم بمصلحة الشعب السوري، تخيلوا أن الكل يعرف أن الائتلاف مخترق من قبل النظام الأسدي ولا أحد منهم يتجرأ على تسمية هؤلاء الأشخاص الملتبسين.
وظهرت الحكومة المؤقتة لتتحول تدريجياً إلى شبه مافيا لا نعرف ماهي صلاحياتها وماذا تفعل في المناطق الشمالية ولماذا يسود هناك انتهاك للحقوق والسلب والقتل وتجارة المخدرات والسلاح، وتحول الشمال الذي من المفترض أن يكون محرراً وحراً، أصبح مثل “حارة كل من إيدو إلو”، حيث يتم اغتيال الأحرار وتنتهك حرمة الحرائر والمدنيين الأبرياء. فما علاقة هؤلاء الذين يسيطرون على الشمال بالثورة، علماً أنهم يرفعون راية الثورة، لكنهم أصبحوا عملياً جزءاً من الثورة المضادة.
وليس أفضل حالاً الهيئة العليا للتفاوض، واللجنة الدستورية، التي اغتصبهما شخصان معروفان، والآن هما ومعهما أعضاء من مافيا الائتلاف، يتصدران المشهد المعارض ويعتبران نفسيهما زوراً ممثلين للشعب السوري، هذه قمة الانحدار في مسيرة الثورة، ولكن هذه الحالة الكارثية التي تعيشها قوى المعارضة هي نتيجة الصمت والسكوت عن الأخطاء والتعايش مع الاختراق، ومع صعود الشخصيات الملتبسة، وكل من هو في الائتلاف والحكومة واللجنة الدستورية وهيئة التفاوض أصبحوا أعداء الثورة – وكما قال الشاعر العراقي مظفر النواب: لا أستثني منكم أحداً!.
أما القوى السياسية وخاصة الأحزاب التقليدية التي لها تاريخ في النضال والعمل السياسي فقد اثبتت مسيرة الثورة بأنها فشلت لأنها بقيت محافظة على عقلية ما قبل الثورة، أي عقلية العمل السري والانغلاق على الذات، والتشكيك بأغلب الشخصيات والقوى والتجمعات السياسية، علماً أن الثورة فتحت أبواب الحرية والشفافية ومن واجب كل القوى السياسية أن تنفتح على الشعب السوري وتتفاعل معه، وتمارس العمل الوطني دون خوف من أحد وبكل ثقة بالنفس.
أيها السوريون الأحرار! حان الوقت لتقييم مسيرة الثورة والقوى المعارضة بكل صراحة وبدون مجاملة، ليس بهدف النيل شخصياً أو سياسياً من أحد، بل لقول الحقيقة كاملة، وإلا لن نتمكن من التخلص من الواقع الحالي المتردي، ولن نستطيع السير إلى الأمام.