لماذا كل هذا التخبط في أروقة المعارضة السورية
خلال أقل من خمسة عشر يوماً، أحدث الائتلاف السوري ضجة في الأوساط الشعبية المؤيدة له والمعارضة على حدٍ سواء؛ إذ نقل المتابعين إلى ساحة الاستفسار حول إمكانية تنازلهم عن مرتكزات أساسية أكدت عليها المرجعية الدولية حول الحل السياسي في سوريا، وبالدرجة الأولى هيئة الحكم الانتقالي، بالرغم من نفي مسؤولي المعارضة السورية ذلك. لكن مؤشرات ذلك التنازل تتصاعد لسببين مركبين، أولهما: القرار رقم /24/ بإنشاء جسم تقني سياسي بمسمى «المفوضية العليا للانتخابات» لتهيئة الكوادر السورية وتحضيرها للاستحقاقات الانتخابية الرئاسية المقبلة، والمرحلة الانتقالية وما بعدها، قبل أن تتراجع عن قرارها، تحت حجة المزيد من المشاورات والتوصل إلى قرار حاسم في هذا الموضوع. وثانيهما: وهو الأخطر، وفق ما يراه جمهور ومؤيدو الانتقال السياسي، كانت الوثيقة المقدمة/المسربة من أروقة وكواليس الجولة الرابعة للجنة الدستورية، وخلوها من كل ما يشير إلى أي قرار دولي حول سوريا. ولعلها تتمة لما يمكن أن نسميه الانعطافة الخطيرة، حين سبق وأن كشفت للمرة الأولى عن حالة التوافق بين هيئة التفاوض والأمم المتحدة على الورقة التي قدمها المبعوث الدولي السابق إلى سوريا “ديمستورا” خلال مؤتمر جنيف8، حينها سميت بــ “لا ورقة” ليتحول اسمها بعد ذلك التوافق إلى (الورقة الحية) علماً أن الهيئة العليا للتفاوض المنحلة رفضت الموافقة عليها، قبل أن يتم إنتاج وتشكيل هيئة جديدة للتفاوض وبدأت منذ تشرين الأول2017 مهمة التفاوض رسمياً باسم المعارضة.
لم يتأخر الائتلاف كثيراً في إيجاد مخارج سياسية له من المطبين، دون أن يكترث لهشاشة الإخراج، في تكرار لسيناريوهات الأنظمة والحكومات غير الآبهة بردات الفعل الشعبية. ففي قراره الأول المتعلق بالمشاركة عبر المفوضية العليا للانتخابات، فإنه قفز على محددات الانتقال السياسي المستند إلى بيان جنيف وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 وقرارات مجلس الأم الدولي رقم 2118 و2254. وكمخرج قال إنه تراجع عن القرار، بمعنى لم يلغه بعد، في انتظار المزيد من المشاورات، فهل تم إصدار ذلك القرار العجيب دون نقاش مستفيض؟ ما يعني وجود خلاف مركزي ضمن الائتلاف نفسه حول هذا القرار، عدا أن المفوضية العليا ووجود أمانة عامة للانتخابات سيعني إلغاء دور الائتلاف. وبما أن القرار لم يلغ بل توقف إعلامياً فحسب، فإنه من المحتمل أن يكون القرار قدّ ترجم وأرسل إلى المبعوث الأممي “غير بيدرسون”. إضافة إلى أن أولويات الحل السياسي، فيما لو تبدلت وتعرضت لتقديم أو تأخير في سلال ديمستورا، والذهاب إلى انتخابات، فإنها بحاجة إلى قانون انتخابات جديد، لا يملك الائتلاف تفويضاً له، إنما هو من صلاحيات الحكومة المؤقتة.
وتتمة لتقديم التبريرات، وبعد حالة الرفض الشعبي لما قيل إنها ورقة/وثيقة تقدم بها الوفد المفاوض عن المعارضة السورية في اللجنة الدستورية، فإنهم سرعان ما برروا ذلك بأنها “لم تكن وثيقة إنما المداخلة الأخيرة والتي تلخص أفكار الوفد، وليست ورقة رسمية” ويقيناً فإن أي قرار تتخذه اللجنة الدستورية المصغرة يجب أن يحظى بالموافقة من قبل اللجنة الدستورية الكبرى.
لكنها ورقة خطيرة جداً، فهي تغافلت عن الحق الدستوري لوجود مكونات الدولة السورية من/كرد، سريان أشوريين، تركمان.. إلخ/ ولم تبين نوعية الضمانات الدستورية لمستقبل بلد عصفت به كل المحن وتعمق فيه الشرخ المجتمعي، وأصبحت القواعد الاجتماعية في حالة عداء أو خوف من بعضها بعضاً. عدا أن خطورة تلك الورقة لا تتوقف عند حد التفافها على مضمون قرارات مجلس الأمن ومبادئ جنيف المتعلقة بالحل السياسي في سوريا فحسب، فهي كتحصيل حاصل، أي اللجنة الدستورية هي من مخرجات مؤتمر سوتشي، بل إن التنازل عن هيئة الحكم الانتقالي وفق ما تقوله الورقة، وليس ما بررته قيادة الائتلاف فإن ذلك من أشد اللحظات فرحاً لروسيا والحكومة السورية، بل هي من الأماني التي يسعون إليها دوماً.
وعبر ما أقدم عليه وفد المعارضة الدستورية خلال الأسبوع الفائت، فإن لغة السؤال الشعبي تتمحور حول استفسارين، الأول: ما المنتظر من هذه الورقة في الجولة القادمة، وهل بدأت المعارضة بالرضوخ للضغوط الإقليمية والدولية حول ذلك خاصة وأن الدول المتدخلة في الصراع السوري، أو ربما بعضها، بدأت تتوضح عبر تصريحات مستشار الرئاسة التركية السيد إبراهيم كالن، الذي تحدث عن مجمل ما يتطلبه الحل السياسي باستثناء الإشارة إلى بند هيئة الحكم الانتقالي لسورية خلال لقائه مع المبعوث الأمريكي إلى سوريا جويل رابيرون بداية الشهر الحالي، والاكتفاء بالحديث حول دعم أعمال اللجنة الدستورية وتوفير بيئة لإجراء الانتخابات بشكل حر ونزيه وتأمين عودة طوعية آمنة للاجئين.
والثاني: لماذا اكتفى البند السادس من الورقة بذكر أنه من حق السوريين تقرير مصيرهم من خلال الديمقراطية والانتخابات دون أية مرجعية دولية؟ وهو على أية حال المطلب الروسي عبر سني الأزمة السورية. إضافة إلى ما ذكر خلال البندين /15-16/ بإنشاء لجان لمتابعة وضع اللاجئين وحقوق الإنسان. والمتعارف عليه ضرورة امتلاك أي جسم سياسي يصدر مثل هكذا بنود أو دعوات، المسوغ والتشريع القانوني والقرار السياسي لشرعنة دعوته، لكن في حالة اللجنة الدستورية للمعارضة السورية، فهل تملك الحق في إنشاء هيئات قانونية ذات طابع إداري أو تنظيمي، أم هي من اختصاص هيئة الحكم الانتقالي، وفي غياب تلك الهيئة فإن الحكومة السورية ستصبح صاحبة القرار في ذلك.
التوضيحات والتبريرات التي صدرت عن رئيس وفد اللجنة الدستورية المعارض هادي البحرة، أو أعضاء اللجنة، عقب ما أثارته الوثيقة التي قدموها في ختام الجولة الرابعة لمفاوضات اللجنة الدستورية السورية التي فشلت لأنها أضاعت فرصة جديدة منحتها هيئة الأمم المتحدة لإحراز تقدم في العملية السياسية المرتقبة لمستقبل سوريا، تلك التصريحات تشبه إلى حد بعيد تفسيرات قادة الائتلاف بعد صدور قرار تشكيل هيئة الانتخابات. وفي كلا الحالتين لا أثر قانوني ولا ضمان لعدم عودتهم إليها مجدداً. ويبدو أنها كانت “بالونات اختبار” للشارع السوري، نتيجة عدم امتلاك الجرأة في المواجهة العلنية معهم مباشرة. والمطلوب حالياً توضيح موقف المعارضة السورية من المرجعية الدولية للحل السياسي، وهل لا زالت متمسكة بتلك القرارات أم لا، بشكل واضح وصريح، دون مواربة أو التفاف. على أقل تقدير كي ينصرف السوريون إلى شؤونهم الخاصة عوضاً عن المتابعة والتفسير.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”