لماذا دُعي الأسد الى قمة البحرين؟
قرر وزراء الخارجية العرب، يوم الأحد 7 مايو/أيار 2023، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم صدور القرار، بعد دعوة الأسد لحضور القمة العربية المقبلة في المنامة في 16 مايو أيار المقبل، حيث يمر عام تقريباً على مشاركته في القمة السابقة. يثير هذا القرار السؤال حول ماذا حقق الأسد لصالح العرب خلال هذا العام وفقاً لمنهجية الخطوة مقابل الخطوة، ليستحق الدعوة للمشاركة في القمة القادمة؟ للإجابة على هذا التساؤل، ينبغي أن نلقي الضوء على بعض النقاط الرئيسية في سياقها.
يجب أن نعيد النظر في أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية كانت ضمن إطار محدد، حيث كانت مشروطة وتم تحديد الشروط خلال اجتماع عمان التشاوري في 1 مايو من العام الماضي، بالإضافة إلى اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة، وصدور بيان من مجلس الجامعة العربية. هذه المشاركة كانت جزءاً من الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية وفقاً للقرار 2254، الذي يشمل إطلاق عملية سياسية تشمل الحوار مع المعارضة السورية وتعديل الدستور السوري لضمان مشاركتها في عملية سياسية مقبولة بالبلاد ومشاركة جميع الأطراف في حكم سوريا.
خلال مقابلة الأسد مع سكاي نيوز في 9 أغسطس 2023، أعلن الأسد بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وبعد اتهامه للعرب والجامعة العربية بوضع فخٍ له في مبادرتهما الخاصة بالانفتاح عليه ونظامه، أعلن أيضاً أنه غير ملتزم بهذا الاتفاق. إذا كانت العودة مشروطة، وكان الهدف منها الضغط على الأسد لتنفيذ القرار 2254، والذي يسعى إلى إزاحة الأسد “أمر مشكوك به”، يجب فهم هذه النقطة للمضي قدماً في تطبيق القرار. ماذا استفادت الدول العربية من هذا المسار خلال العام الماضي؟.
من هنا، يمكننا طرح سؤالٍ معكوس: ماذا استفاد الأسد من هذه العودة؟ إذا فكرنا في ذلك، يمكننا فهم ماذا استفادت الدول العربية والأطراف الأخرى. بالتالي، يجب أن ننظر إلى التقدم في كسر عزلة الأسد، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي. في السياق العربي، يُلاحظ تضييق الخناق على الأسد نتيجة للتوافق العربي المتنامي ضده، ويرجع ذلك إلى المسار الذي اتخذته الجامعة العربية، والذي يشمل مبادرة “خطوة مقابل خطوة”. في السابق، كان هناك تباين في مواقف الدول العربية تجاه النظام السوري، إلا أنه بعد تبني مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، أصبح هناك توحيد في الموقف العربي.
بالنسبة للتقدم في استعادة السيطرة وتثبيت الحكم، فقد فقد الأسد مساحات جديدة في السويداء وعلى الحدود السورية الأردنية، ولم يحقق أي تقدم في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية. كما لم يحقق أي تقدم في الحصول على الدعم المادي.
على صعيد الاقتصاد، الوضع المعيشي تراجع بشكل كبير، ولم يكن هناك أي تحسن في العلاقات الاقتصادية مع الدول الخليجية أو حتى دعم إيراني لإخراجه من هذه الأزمة الخانقة التي يعيشها السوريون في مناطق حكمه.
بالنسبة للدول العربية، تحققت مكاسب في زيادة النفوذ داخل سوريا وفتح قنوات للتفاوض وتبادل المصالح، بما في ذلك زيادة التأثير السعودي على النظام السوري. كلما ازداد النفوذ السعودي في سوريا، أصبحت سوريا ورقة تفاوض مهمة بيد السعودية مع النظام الإيراني. لاحظنا أيضاً صدور العديد من القرارات لتغيير شكل الحكم وتوزيع الصلاحيات، استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد. التركيز على توزيع الصلاحيات الرئاسية على عدة مواقع يهدف إلى جعل كل موقع تحت وصاية وسيطرة طرف معين، وهذا يعكس النموذج العراقي أو اللبناني.
من بين المكاسب الأخرى التي حققتها الدول العربية، لاحظنا لجم ردود فعل محتملة للنظام نتيجة لزيادة النفوذ الأردني في الجنوب السوري وسيطرته على الحدود المشتركة، وهو ما يعكس التحالف الأمريكي – الأردني في هذا الصدد. ومع ذلك، كان الرد السوري خجولاً جداً، حيث لاحظنا بياناً واحداً فقط بعد الهجمات التي قام بها الأردن في السويداء وراح ضحيتها المدنيين، بينما ظل الصمت حيال الأحداث الأخرى، مما يشير إلى توتر الوضع وعدم القدرة على اتخاذ إجراءات. وتظل إيران لاعباً أساسياً في هذه الديناميكية والتفاوض معها أمراً حيوياً.
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر النجاح الذي حققته الدول العربية ودول الخليج من خلال التعامل مع قضية المخدرات بعيد المدى عن مجرد الجوانب المادية المباشرة. كما أن هناك جوانب أخرى تعتبر أكثر أهمية وعمقاً، مثل الاتصال الذي جرى بين رئيس الإمارات والأسد بعد بدء إسرائيل في عمليتها في غزة بيومين تقريباً. رغم المحاولات لتصوير دور النظام السوري في تلك الأحداث، إلا أن الحقيقة تظل أنه لم يتدخل بأي طريقة في الأحداث، ولم يكن له أي تأثير على الحملة الإسرائيلية الوحشية ضد غزة.
وصلت الأمور إلى مرحلة منع النظام السوري، بسبب الترتيب العربي مع الغرب ومع إسرائيل والولايات المتحدة، والذي يتعدى سوريا، وربما يصل حتى إلى روسيا. وقد ساهم هذا التحالف في وضع ضغوط سياسية على النظام السوري، مما جعله يتماها مع مطالب الدول العربية بشكل محدود، ويعتبر عدم إصدار أي بيان إدانة من النظام السوري بشأن أي من أفعال إسرائيل في الداخل السوري وفي غزة مؤشراً قوياً، ويرتبط بشكل مباشر بمبدأ الخطوة مقابل الخطوة والمكاسب التي حققتها الدول العربية. على الرغم من عدم استفادة الشعب السوري مباشرةً، إلا أن الدول العربية وحلفاءها استفادت كثيراً خلال العام الماضي، ما دفع إلى دعوة الأسد لحضور القمة في هذا العام.