fbpx

لماذا الآن؟ ما هو العامل الذي يفسّر التوقيت؟!

0 144

أبرز مظاهر عجز الوعي السياسي النخبوي عن إدراك الحقائق هو تجاهله لمسألة التوقيت: لماذا الآن، في هذا التوقيت؟

مَنْ هي القوى المستفيدة من تأجيج الحقد الطائفي، ودفعه الى الواجهة، بعد انحساره بفعل ما تكشّف من وقائع توحّد السوريين، على الصعد السياسية ولاقتصادية، وفيما يرتبط بحقائق الصراع؟!

بصراحه وموضوعية، النخب السياسيّة والثقافيّة السورية الطافية على السطح، الموالية والمعارضة، العربية والكردية، معظمها متورّط، والبعض عاجز، أو فضّل الصمت لأسباب مفهومة، لتصبح النتيجة عدم كشف الحقائق الابرز في الصراع، لصالح تحالف أعداء التغيير الديمقراطي وما يتيحه من فرص أمام السوريين، في مراكزه السوريّة والإقليمية والدولية، بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكية:

1- في سياق جهد مشترك لتجهيل الرأي العام السوري، وتغييبه عن حقائق الواقع، في هذه المرحلة الأخطر من الصراع على سوريا، وبعد سنوات طويلة من حروب القوى المعادية لأهداف ومصالح السوريين، وقضيتهم المركزية، قضية الانتقال السياسي، الحقيقة المرّة التي يسعى تحالف أعداء المشروع الديمقراطي للشعب السوري لتغييبها، بتواطؤ نخبوي واضح، وبوسائل مختلفة، وتحت رايات “الديمقراطية” و”الطائفية”، هي حقيقة توصّل قوى هذا التحالف، التي تورّطت بالخيار العسكري، إلى صفقة سياسية، تُشرعن واقع الحصص الذي وصلت إليه موازين قوى الصراع حتّى 2020، وذلك على حساب مسار جنيف وقراره 2254، وجميع مقوّمات الدولة السورية، وعبر إعادة تأهيل سلطات الأمر الواقع الميليشياوية.

في هذا الإطار تصبّ جهود دفع السوريين إلى المزيد من التخندقات الطائفية، وتعميقها.
2- حقيقة أنّ “الطائفية” والوعي الطائفي، في ظروف مجتمعاتنا الشرق أوسطية، الذاتية والموضوعية، إضافة إلى “التعصّب القومي/غير الوطني، والمعادي للديمقراطية وحقوق الإنسان”، هي أخطر الأدوات التي تستخدمها سلطات الأنظمة “الوطنية” على الصعيد الداخلي، كما استخدمتها سلطات الاحتلال الخارجي، كوسائل للتحكّم والسيطرة، ولمنع توحّد شعوبها، في مواجهة وسائل نهبها، وسيطرتها، وقد تأخذ طابع كارثي، مؤلم، دموي، في ظروف المدّ الثوري، حين تواجه الأنظمة (وسلطات الاحتلال الأجنبية) تمردات شعبية واسعة، تهدد أدوات سيطرتها الطبقية والسياسية، وحين يصبح تعميق الصراعات الطائفية والقومية في جبهة أعدائها التاريخيين هو حبل النجاة الوحيد.

3- حقيقة أنّ ما يقوم به الإعلام الأوربي والأمريكي، وجهود مؤسساته الثقافية والسياسية، وحتّى الإغاثيّة، لا يخرج عن سياق سلوك سياسي تاريخي، تجسّد في مواجهة تحدّي ثورة الربيع السوري في 2011، في قيادة الولايات المتّحدة وحكومات أوروبا الديمقراطية للجهد السوري والإقليمي والروسي المضاد للثورة، ولمنع حدوث انتقال سياسي سوري وإقليمي – كان قد أصبح إمكانية بفضل تمرّدات شعوب المنطقة، وما أظهرته في ربيع 2011 من إصرار على انتزاع الحرية، والسعي لبناء مؤسسات دستورية؛ وهي حقائق يصرّ ممثلو النخب المعارضة على تغييبها، لأهداف مشاريع ارتهانها الخاصّة!!

4- الحقيقة الأبرز التي تعمل أطراف قوى الثورة المضادة على تغييبها عن إدراك الوعي السياسي السوري هي استحالة نجاح جهود أي شكل من أشكال التغيير السياسي، وقيام مؤسسات دولة العدالة، دون توحيد مواقف جميع السوريين، من جميع الطوائف والقوميّات، أصحاب المصلحة الحقيقيّة.
إذا كان من مصلحة النخب المرتهنة تغييب تلك الحقائق، فليس مستغرباً عدم إدراك السوريين لها، وفشلهم، عند كلّ امتحان، وهو ما يشجّع أعدائهم لاستخدام المزيد من الخطوات، والوسائل، طالما تحقق الأهداف المرجوّة!

كم هم مساكين هؤلاء السوريين الطائفيين، الضحايا، الذين انطلت عليهم دوافع وأدوات وأهداف تجيير مشاعرهم ومعتقداتهم الدينية، في حروب طائفية ميليشياوية، الذين لم يفهموا حتّى اليوم، رغم كلّ ما حدث، أن تتطيف “الحراك الوطني” الذي تفجّر في ربيع 2011 – عبر وسائل وأدوات مختلفة، لم يكن ارتكاب المجازر الطائفية إلّا أكثرها قذارة – كان أحد أبرز أدوات قوى “الثورة المضادة”، بأطرافها الإقليمية والدولية والسوريّة، من أجل تغيير طبيعة الحراك، السلمية والوطنية، ومنع توحّد الصف الوطني السوري ؛ وهي شروط اساسية لهزيمة الثورة، وتدمير مقوّمات الدولة السورية؛ ولا يختلف الهدف عند ارتكاب المجازر، أو في اعادة ترويجها!

كم هم مساكين هؤلاء السوريين “القوميين” الضحايا، الذين انطلت عليهم الأهداف الحقيقية لتجيير تحالف الولايات المتّحدة لمشاعرهم وحقوقهم القومية من أجل تأسيس كانتونات “قومية”، تشكّل دُمل متقرّحة في الجسد السوري، وتمنع تعافيه، وإمكانات بناء مقوّمات مشروع حضاري، ديمقراطي، يشكّل المظلّة السياسية والحقوقية، الحامية لمصالحهم القومية والوطنية!

هذا الرأي العام السوري الطائفي/الشوفيني الذي نجحوا بامتياز في صناعته، هو أكثر أشكال الوعي هشاشة، وسهولة في تهيج غرائزه، وأنجع أدوات الثورة المضادة تدميراً، في ظل غياب وتغييب حاملي الوعي السياسي الوطني، الديمقراطي!.

السلام لسوريا، والعدالة للجميع!

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني