لا منجا ولا ملجأ لمجرم الحرب بشار أسد
قرر رأس النظام الروسي منح شريكه في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بشار أسد اللجوء الإنساني في روسيا بعد هروبه من البلاد خوفاً من انتقام الشعب السوري الحر، وقد أثار هذا القرار ردود فعل سياسية وقانونية متباينة ما اقتضى منا بيان مدى قانونية هذا القرار وتوافقه مع قواعد القانون الدولي وآثاره القانونية لجهة ملاحقة بشار أسد من قبل القضاء الوطني أو القضاء الدولي.
استناداً إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ’’3‘‘ لسنة 1946، و’’170‘‘ لسنة 1947 المتعلقان بشأن تسليم ومعاقبة مجرمي الحرب، والقرار’’95‘‘ لسنة 1946 والذي يؤكد مبادئ القانون الدولي المعترف بها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية، وفي حكم المحكمة، وإلى القرارين ’’2184‘‘ لسنة 1966 و’’2202‘‘ لسنة 1966، اللذين نصا صراحة على إدانة انتهاك حقوق سكان البلاد الأصليين الاقتصادية والسياسية من ناحية، وإدانة سياسة الفصل العنصري من ناحية أخرى، باعتبارهما جريمتين ضد الإنسانية.
واستناداً إلى قراري المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة ’’1074‘‘ لسنة 1965 و’’1158‘‘ لسنة 1966 بشأن معاقبة مجرمي الحرب والأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.
واستناداً إلى المادة الثانية من الاتفاقية الدولية الخاصة بعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لسنة 1969 التي تنص على أنه: إذا ارتكبت أية جريمة من الجرائم المذكورة في المادة الأولى، تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها.
وإلى المادة الثالثة منها التي تنص على أن: تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ جميع التدابير الداخلية، التشريعية أو غير التشريعية اللازمة لكي يصبح في الإمكان القيام، وفقاً للقانون الدولي، بتسليم الأشخاص المشار إليهم في المادة الثانية من هذه الاتفاقية.
وحيث أن لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية قررتا إسقاط الحق باللجوء السياسي ’’الحماية الدبلوماسية‘‘ لتعارضه مع مبادئ وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وعليه فإن بشار أسد لم يغد ذي صفة رسمية تمثيلية عن الدولة السورية بعد هروبه من سورية خوفاً من انتقام الشعب السوري منه عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والخيانة العظمى التي ارتكبها بحقهم، الأمر الذي يجرده من الصفة الرسمية كرئيس دولة ويحوله إلى مجرم حرب هارب من العدالة الوطنية في سورية، الأمر الذي لا يمكن معه منحه الحق بطلب اللجوء السياسي لفقدانه الحق بالحصانة الدبلوماسية التي أقرتها اتفاقية العلاقات الدبلوماسية لسنة 1961.
اللجوء الإنساني وتعريف اللاجئ: تعرف المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحماية اللاجئين لسنة 1951 ، بصيغتها المعدلة في بروتوكول عام 1967، اللاجئ على النحو التالي: كل شخص يوجد، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد.
ولا يمكن منحه اللجوء الإنساني لتعارض ذلك مع القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني العرفي.
التعاون الدولي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية:
القاعدة 157 من القانون الدولي الإنساني العرفي: للدول الحق في أن تخول محاكمها الوطنية صلاحية الاختصاص العالمي للنظر في جرائم الحرب.
تكرس ممارسة الدول هذه القاعدة كإحدى قواعد القانون الدولي العرفي المتعلقة بجرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ومبدأ العالمية هو مبدأ إضافي لمبادئ أساسية أخرى للاختصاص الجنائي: مبدأ الإقليمية يستند إلى حيث وقعت الجريمة ومبدأ الشخصية الفاعلة يستند إلى جنسية الجاني ومبدأ الشخصية السلبية يستند إلى جنسية الضحية ومبدأ حمائي يستند إلى حماية المصالح أو الأمن القومي.
القاعدة 158 من القانون الدولي العرفي الإنساني: يجب على الدول أن تحقق في جرائم الحرب التي يزعم ارتكابها من قبل مواطنيها أو قواتها المسلحة، أو على أراضيها، ومحاكمة المشتبه بهم، عند الاقتضاء. ويجب أن تحقق أيضاً في جرائم الحرب الأخرى الداخلة ضمن اختصاصها، ومحاكمة المشتبه بهم، عند الاقتضاء.
اتفاقيات جنيف تطلب من الدول أن تبحث عن الأشخاص الذين يُزعم أنهم ارتكبوا، أو أمروا بارتكاب انتهاكات جسيمة، وأن تحاكمهم أو تقوم بتسليمهم. ويوجد الواجب في التحقيق مع الأشخاص الذي يُزعم بأنهم ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون الدولي ومحاكمتهم في عدد من المعاهدات التي تنطبق على الأفعال المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وتذكر ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية”.
وتوصية الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الأولى لسنة 1946 التي تنص على أن: تقوم الدول، بما فيها تلك التي ليست أعضاء في الأمم المتحدة، بإلقاء القبض على الأشخاص الذين يُزعم بأنهم ارتكبوا جرائم حرب في الحرب العالمية الثانية، وأن تعيدهم إلى الدولة التي ارتكبت فيها الجرائم من أجل محاكمتهم. ومنذ ذلك الحين، شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي مناسبات، على واجب الدول في اتخاذ تدابير تكفل التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومعاقبة الجناة. وفيما يتعلق بالعنف الجنسي في حالات النزاع المسلح، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات دون تصويت، تدعو الدول لتعزيز آليات التحقيق ومعاقبة جميع الأشخاص المسؤولين عن العنف الجنسي، وتقديم الجناة للعدالة.
تأثير العفو العام على الوضع القانوني لبشار أسد أو باقي مجرمي الحرب في سورية:
فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية، لا تأثير لقوانين العفو على جرائم الحرب، إذ تستثنى هذه الجرائم من شمول العفو العام تكريساً للواجب القانوني الذي فرضه القانون الدولي العرفي في التحقيق بجرائم الحرب التي يُزعم ارتكابها في النزاعات المسلحة غير الدولية، ومحاكمة المشتبه بهم إذا اقتضى الأمر.
السوابق الدولية:
من المقبول عموماً أن الأشخاص المشتبه بارتكابهم جرائم حرب لا يتمتعون بالوضع القانوني للاجئين. ونجد ذلك، على الأخص، في الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، كما توجد ممارسة دول بهذا الشأن. وفي العام 1994، وبخصوص رواندا، شدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أن “الأشخاص المتورطين في ’’انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني‘‘ لا يمكنهم التمتع بالحصانة من المحاكمة بالهروب من البلاد “وأن” أحكام الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين لا تنطبق على مثل هؤلاء الأشخاص كما جرى دعم الحرمان من حق اللجوء للأشخاص المشتبه بهم كمجرمي حرب من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان المتعلق باللجوء الإقليمي، وفي القرار3074 لسنة 1973 المتعلق بمبادئ التعاون الدولي في الكشف عن مجرمي الحرب واعتقالهم وتسليمهم ومعاقبتهم.
وبناء على ما سبق:
إن قرار رأس النظام الروسي بمنح المجرم بشار أسد اللجوء الإنساني في روسيا ليس له أي أثر قانوني على ملاحقة ومحاسبته أمام القضاء الوطني السوري أو القضاء الجنائي الدولي.
القانون الروسي يمنح للاجئ الإنساني في روسيا الحق بالحصول على الجنسية الروسية بعد مرور سنة على لجوئه، ما يمكن بشار أسد من الحصول على الجنسية الروسية خلال هذه الفترة، في حال حصول ذلك فلا يغير في الأمر شيئاً لجهة مسؤولية بشار أسد عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ولا لجهة ملاحقته ومحاسبته عليها.
لن يتمتع بشار بعد اليوم بملاذ آمن أو ملجأ يمكنه من الإفلات من العقاب لأن جرائمه المذكورة لا تسقط بالتقادم.