لافرنتييف يبقُّ البحصة من فمه: الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير الأسد.. والمعارضة لا تزال صامتة!
تصريح المبعوث الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف لوكالة تاس حول العملية الدستورية، وكيف يراها الروس، لم يكن مفاجئاً للذين يعرفون بنية النظام الروسي، وأن هذا النظام يهمه أن يحافظ على كل طغمات الحكم القمعية والاستبدادية في مناطق نفوذه الدولية، لأنه وصل إلى السلطة بطريقة الاحتيال المخابراتي، ولهذا فهو يستميت في الدفاع عن نظام الأسد ونظام فنزويلا اللذين يشبهانه.
قال ألكسندر لافرنتييف: “إن إنشاء الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في ذلك البلد، وأن حكومة النظام راضية عن الدستور الحالي وفي رأيها لا داعي لتعديله”. مضيفاً: “إذا سعى شخص ما إلى هدف وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس، وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء.
البحصة التي في فم النظام الروسي حيال سوريا بقّها أخيراً لافرنتييف مبعوث بوتين إلى الملف السوري، فالروس ومنذ تدخلهم عسكرياً في سوريا، كان هدفهم السيطرة على هذه البلاد وأخذها رهينة وورقة مفاوضات لاحقة مع الغرب، وهم لن يضمنوا ذلك إلا إذا كان في واجهة الحكم نظامٌ برقبته جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
جرائم النظام نزعت عنه شرعيته، وبالتالي فالروس الذين يتلطون خلف شرعية زائفة يعبّر عنها نظام القهر والاستبداد الأسدي، إنما يدركون أنهم لن يتمكنوا من الإمساك بالجمرة السورية في حالة سقوط نظام الأسد أو رحيله.
لهذا يمكن أن نفهم تمرير الروس لقر ار مجلس الأمن رقم 2254، لأنه ببساطة قرار غير ملزم، ويُبقي الجرح السوري مفتوحاً، ومرهوناً لمفاوضات بلا جدوى مع نظام إجرامي، منحه القرار حق التسويف والمماطلة ومحاولة تفريغه من جوهره المفترض بخصوص انتقال سياسي حقيقي في البلاد.
الروس الذين مارسوا سياسة الأرض المحروقة ضد مناطق الثورة وحاضنتها الشعبية السلمية، كانوا منذ البدء ضدّ أي تغيير سياسي في سوريا، ولهذا اخترعوا مصطلح (القوى الإرهابية) والتي وسموا بها الشعب السوري الرافض لبقاء نظام استبدادي قهري، من أجل تبرير دفاعهم عن عمليات قتل وتهجير وتغيير ديمغرافي غير مسبوقة في العالم.
الروس الذين دمّروا الجزء الشرقي من مدينة حلب أرادوا تحويل فوزهم العسكري هناك إلى طريق سياسية تسمح لهم بتطبيق خطتهم في سوريا، والتي يتم من خلالها إعادة إنتاج النظام وفق برنامج أستانا البغيض. ولهذا فشلت كل مفاوضات أشرفت عليها الأمم المتحدة باعتبارها مفاوضات لا تتوافق مع سياستهم في الملف السوري.
إن فهم جولات أستانا ورسم خط بياني لمسارها يكشف عن مسائل خطيرة تمس جوهر الصراع السوري بين قوى الثورة ونظام الأسد الاستبدادي القهري، ويكشف ايضاً عن ضحالة دور وفعل وقدرة ما يسمى ممثلو المعارضة إلى هذا الدرب، حيث أن أوراقهم التفاوضية ليست أوراقاً حرة، بل مرتبطة بأجندات إقليمية ودولية.
إن وضع تصريحات ألكسندر لافرنتييف في سياقها إنما يضيء بشدّة الموقف الروسي المعادي للشعب السوري، ويضيء عجز المعارضة وفق بنيتها الحالية عن إحداث أي تأثير جدي على معرقلي القرار الدولي 2254، لتغيير موقفهم منه.
لقد ثبت أن وجود أطر للتفاوض وأخرى سياسية تمثّل الشعب السوري وثورته هي ضرورة، ولكن ليست بهذا الغثاثة السياسية والضعف وعدم الاحتضان الشعبي لها والذي يعبّر عن حال هذه الأطر بصيغتها الحالية.
ونتيجة لهذه الانعطافة الصريحة والواضحة للموقف الرسمي الروسي، ينبغي على أطر المعارضة السورية الامتناع عن قبول أي جلسات تفاوض جديدة مع النظام، بدون قرار دولي يبرمج زمنياً مدة المفاوضات وجوهرها المتمثل بانتقال سياسي لا يُبقي نظام الأسد في الحكم. ففريق المعارضة في اللجنة الدستورية ينبغي عليه بشكل صريح تجميد وتعليق كل تفاوض مع النظام، حتى تلتزم المنظمة الدولية بتنفيذ قرارها 2254، وحتى يمتنع الروس عن التدخل الصريح بهذه المفاوضات.
إن الوصول إلى هذه العتبة السياسية المطلوبة شعبياً وثورياً ووطنياً، يتطلب وضع النقاط على الحروف دون مواربة، ودون مجاملة، ويتطلب التحرر من ضغوط دول محددة، تتدخل بالشأن السوري، وتعتبر نفسها صديقة لقوى الثورة والمعارضة.
هذه العتبة السياسية، إذا ما تمّ العمل عليها، من خلال أعمال الندوة السياسية التي دعا إلى عقدها في الدوحة في شباط القادم رئيس هيئة المفاوضات السورية بنسختها الأولى، رئيس الوزراء السوري المنشق الدكتور رياض حجاب.
إذا أرادت القوى التي ستحضر الندوة وتشارك بها لاستجلاء طريق الخلاص السوري من نظام الاستبداد، ينبغي على هذه القوى أن تتحول الندوة إلى مرجعية وطنية واسعة التمثيل عن مكونات سوريا السياسية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني، ويخرج عنها قرارات تعيد إنتاج عمل ووجود قوى الثورة والمعارضة وفق توجه أكثر وطنية وأقل ارتباطاً بأجندات إقليمية أو دولية تُغمض أعينها عن جوهر مصالح الشعب السوري في التغيير السياسي لنظام الحكم في البلاد.
إن السوريين ينتظرون موقفاً صريحا من فريقهم في اللجنة الدستورية، وينتظرون موقفاً صريحاً وحاسماً من هيئة المفاوضات، يتمّ من خلالهما تعليق كل تفاوض مع النظام قبل وضع خارطة طريق ملزمة لتنفيذ القرار 2254، ويتطلب ذلك خلق حشد شعبي سوري كبير يلتف خلف هذه المواقف، عبر تمثيلاته السياسية ومنظمات مجتمعه المدني وشخصياته ونخبه الوطنية الرافضة للاستبداد ونظامه.
هذا الموقف يجب أن يترافق مع استقالة فريق المعارضة إلى أستانا، وتحميل أي جهة تذهب إلى هكذا اجتماعات مسؤولية التفريط بقضية الثورة السورية.
فهل يمكن أن نسمع بأذننا غداً موقفاً من فريق المعارضة في اللجنة الدستورية، ومن هيئة المفاوضات، يعلّق اجتماعاته قبل أن يتم الاتفاق في الأمم المتحدة على جدول زمني صريح للتفاوض وتنفيذ القر ار 2254، حتى لو تمّ تعديل هذا القرار الفخ.