fbpx

كيف يتدبر العمال السوريون في تركيا أمور معيشتهم بأجور الحد الأدنى

0 371

يبدو أن الوضع المعيشي للعمال السوريين اللاجئين في تركيا يتراجع من حين إلى آخر، هذا التراجع يقف خلفه تضخم اقتصادي، يؤدي إلى تراجع قيمة الليرة التركية في أسواق الصرف أمام العملات الأجنبية الرئيسية. وهو ما يعني تآكل القدرة الشرائية، وبالتالي فأجر العامل السوري اللاجئ في خسارة مستمرة، هذه الخسارة تتأتى من أن راتب هذا العامل يكون بالعملة المحلية، إضافة إلى أن هذا الراتب في أغلب الأحيان يكون أقل من راتب الحدّ الأدنى الذي تُقره الحكومة التركية في مرحلةٍ، ثم تقوم بتعديله في مرحلة أخرى، نتيجة تراجع قيمة العملة المحلية.

أجور أقلّ من الحدّ الأدنى   

الأجور الشهرية التي نحصل عليها لقاء عملنا لا تكفي للمعيشة بحده الأدنى.

يعمل العمّال السوريون في كثير من مجالات سوق العمل التركية، ويقدّمون نفس الجهد الذي يقدمه العامل التركي في نفس العمل، ولكن الأجر المقابل لهذا الجهد هو أقل من الأجر الذي يحصل عليه العامل التركي، ولعل ثمة أسباب مختلفة وعديدة تقف خلف هذه الحالة.

الدولة التركية تحدّد الأجر الشهري الأدنى للعمالة فيها، هذا الأجر قليل من السوريين من ذوي الخبرات في العمل يحصل على هذا الأجر، ويقف خلف ذلك أن غالبية العمال السوريين يعملون في المنشآت الصناعية أو الزراعية دون تسجيل رسمي في الجهات الحكومية التركية المسؤولة عن العمالة، أي أنهم يعملون خارج نظام العمل، وهذا يخدم أرباب المنشآت ويضرّ العمال اللاجئين، لأنه يوفر عليهم دفع رسم التأمين الشهري عن العامل (السيكورتا)، وبنفس الوقت يكون بإمكانهم تسريح هذه الفئة من العمالة دون دفع تعويضات نهاية الخدمة.

يقول العامل السوري محمود سعودي وهو ينحدر من محافظة حلب، ويعمل في مجال صناعة التريكو:

الأسرة المكونة من زوج وزوجة وثلاثة أطفال تحتاج إلى صرف ما يعادل أربعمئة ليرة تركية يومياً باستثناء أجرة المنزل، أي تحتاج الأسرة إلى مبلغ شهري للمصروفات يساوي اثني عشر ألف ليرة، أما آجار البيت فيبلغ حالياً بحدوده الدنية خمسة آلاف ليرة تركية دون دفع فواتير الماء، والكهرباء، والانترنت، والغاز. ولهذا يحتاج العامل إلى العمل الإضافي لسدّ بعض احتياجات المعيشة لأسرته.

أما ما يتعلق بكرت الهلال الأحمر فهذا الأمر لا يستفيد منه كثيرٌ من اللاجئين الفقراء كما يقول العامل محمود سعودي.

ويضيف سعودي: بصراحة كل يوم وضعنا المعيشي من سيّئ إلى أسوأ، ما يدفعنا للتفكير ببدائل للعمل وهذا غير متوفر في تركيا، لأن الأجور الخاصة باللاجئين عموماً هي أدنى من أجور العمال الأتراك بنفس العمل ونفس المهنة.

أجر العمالة العادية الحقيقي

أسامة وردة ينحدر من محافظة حلب، ويقيم في ولاية غازي عنتاب، يقول حول وضعه المعيشي: أتقاضى راتباً شهرياً يبلغ قرابة عشرة آلاف ليرة تركية، وهو راتب لا يسدّ الحد الأدنى لاحتياجات الفرد المعيشية في تركيا، إذ أن العامل الذي يقيم في هذا البلد بمفرده، يحتاج إلى مبلغ حد أدنى لعيشه لا يقل عن سبعة آلاف ليرة، يتوزع هذا المبلغ على أجور السكن كعازب، مع الخدمات المختلفة، إضافة إلى مستلزمات الطعام وغيرها. وباقي الأجر يتمّ إرساله إلى الأسرة وهو مبلغ صغير لا يكفي لهم.

ويقول أسامة وردة: الأجر الشهري الذي أحصل عليه من عملي أقل بكثير من راتب الحد الأدنى الذي حدّدته الحكومة، وهذا يعني أننا في عوز حقيقي، ولا يمكننا كعمّال سدّ الهوّة بين راتب الحد الأدنى وراتبنا الحقيق المتدني.

الراتب الشهري يتوزع على ثلاثة أقسام

أنس كحالة شاب يعيش بمفرده في تركيا، ويعمل في مجال صناعة رقائق البطاطا والذرة الغذائية. يقول أنس: أنا من محافظة حماة، بقيت اسرتي في سورية لعدم القدرة على العيش في هذا البلد، وراتبي الشهري من عملي يبلغ أربعة عشر ألف ليرة تركيا، أقسّمه على ثلاثة أمور، قسم أدفعه لآجار السكن كعازب، أي أتقاسم أجرة السكن مع اثنين أو ثلاثة عمال آخرين، وقسم أتركه كمصروف حدٍ أدنى، والقسم الأخير أرسله للأهل ليتدبروا معيشتهم في سورية.

يضيف أنس كحالة: الحياة المعيشية للعمالة السورية في تركيا صعبة وضاغطة، فالعامل السوري في المنشآت التركية يعمل عدد ساعات أكثر مما ينص عليه قانون العمل التركي، وقد يصل عدد الساعات إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم وربما أكثر بقليل، وهذا يمكن تصنيفه ضمن معنى الحياة الشاقة، فرب العمل التركي يهمه من العامل السوري غير المسجّل بدوائر العمل أن يستفيد منه أقصى ما يمكن مقابل أجر شهري أقل ما يمكن.

نتائج أوضاع المعيشة الصعبة 

صلاح صباغ من مدينة حلب السورية، يعمل في مجال العقارات كوسيط، يقول صلاح:

أود أن أنوّه إلى أن حتى أصحاب العمل السوريين ليسوا بحالة جيدة، فأصحاب الشقق يأخذون منا نحن أصحاب المكاتب العقارية نصف العمولة التي يدفعها المستأجر، وندفع ضرائب على ما نحصل عليه من “كومسيون”، وندفع أجور المحاسب القانوني التركي.

أي باختصار “كأنك يا أبا زيد ما غزيت” مثلما يقول المثل.

ويتابع صلاح صبّاغ: ونتيجة للظروف المعيشية الصعبة يأتي إلى مكتبنا العقاري بصورة شبه يومية أشخاصٌ انفصلوا عن زوجاتهم بسبب ضائقتهم المادية، فكرت الهلال لا يغطّي سوى جزءاً صغيراً من حاجات اللاجئين السوريين في تركيا. كذلك ونتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة فإن إخوتنا العمّال الأتراك هم أيضاً يعيشون في ضائقة.

الحدّ الأدنى للأجور تحت خطّ العوز

المدير التنفيذي لمنظمة LDO السيد يوسف نيرباني يقول حول الأحوال المعيشية للعمالة السورية في تركيا:

بالنسبة لأجور العمال السوريين في تركيا بشكل عام، فإن العمال السوريين في أحسن الأحوال يتقاضون الحدّ الأدنى للأجور في تركيا، وبعد حدوث التضخم الأخير، وانخفاض قيمة الليرة التركية، أصبح الحد الأدنى للأجور هو تحت خط الفقر، وبالتالي هو غير كاف لمتطلبات الحياة الأساسية، وخاصة بالنسبة للاجئين السوريين. الذين لديهم متطلبات أكثر من غيرهم كونهم غرباء في هذا البلد، وبالتالي فهذا الراتب أو الأجر الشهري غير كافٍ على سدّ الاحتياجات الأساسية للعائلة السورية.

ويضيف السيد يوسف نيرباني: لا بدّ أن يكون هناك في كل منزل أكثر من شخصٍ يعمل حتى يتم سدّ المتطلبات الأساسية لهذا العائلة. كذلك لا يمكن للعمال السوريين العمل في أكثر من منشأة لأنهم يشتغلون زمناً أكثر من الزمن المحدد للعمل بموجب القانون التركي.

وبالنسبة للأطر القانونية التي تحمي حقوق العمال السوريين في تركيا، فإن قانون العمل التركي يحمي حقوق العمال بصورة عامة، ومن بينهم العمال الأجانب، طبعاً يفضّل أن يكون العامل يعمل بصورة رسمية من خلال “إذن العمل”، حتى يستطيع أن يثبت حقوقه العمالية، فالذي لا يملك إذن عمل لا يستطيع المطالبة بحقوقه العمالية، وهذا يزيد من أمد التقاضي في القضاء في حالة امتناع رب العمل عن دفع حقوق العامل.

مكاتب الوساطة القانونية

يقول مدير منظمة LDO السيد يوسف نيرباني حول حصول العامل السوري على حقوقه: تعنبر مكاتب الوساطة القانونية طريقاً إجبارية للتقاضي بما يتعلق بالحقوق العمالية، وبالتالي أي عامل يريد أن يطالب بحقوقه العمالية لابدّ أن يلجأ إلى هذه المكاتب، فهذه المكاتب يتوجب عليها الحكم أو تثبيت الاتفاق بين العامل وصاحب العمل خلال ثلاثة أسابيع، ويمكن تمديدها لأسبوع رابع كحد أقصى، وفي حال عدم الاتفاق يتم اللجوء إلى محكمة العمل في الولاية التي يعمل فيها العامل، فمحكمة العمل تنظر في اختصاصها المحدد لها في القانون بكل ما يتعلق وينتج عن عقد العمل والعلاقة العمالية بين العامل وصاحب العمل.

يتبين في كل ما سبق أن الوضع المعيشي للعمالة السورية العاملة في تركيا هو في حالة بحاجة إلى تصحيح أوضاع، وهذا عمل يختصّ بسياسة الحكومة التركية حيال هذا الملف.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني