كيف تنتهي المسألة الطائفية في سوريا
مسلم مسيحي سني
درزي علوي إسماعيلي وغير ذلك، هي جملة من الأطياف التي تمثل المكون السوري وعموم مكونات
الشرق الأوسط، فالمكونات الدينية لم تكن في أي يوم سبباً للصراعات في كل بقاع
الأرض، لأن الشعوب لا تدفعها الاختلافات الدينية وشكل العبادات والإيمان والصلوات وغير
ذلك لإشعال فتيل الحروب، فالنزاعات الدينية والعرقية وغيرها مردها يعود دائماً إلى
(إشكالية الحقوق) التي تدفع بعض النخب السياسية للبحث عن تناقضات أخرى تبرر
الاختلاف، بغية تحريض الشارع وحشد المزيد من الأنصار خلفها، وبالتالي إن خلف كل
واجهة دينية أو اثنية للصراعات ثمة مسائل ومكتسبات مادية تحاول استغلال هذا
المشهد.
إشكالية
الحقوق:
اللعبة التي
أدارها نظام الأسد الأب منذ البداية، تتمثل في إشكالية الحقوق، حيث انتزع النظام
مئات آلاف الدونمات في محيط العاصمة دمشق وغيرها من المدن السورية، وأنشأ عليها ما
يسمى بمساكن الضباط، وغير ذلك من القطع العسكرية والمراكز الأمنية، ثم أقدمت
البلديات تحت وصاية المخابرات على القيام بغزوات متواصلة على أملاك المواطنين، والتي
كانت تسلبها تارة تحت شعار المصلحة العامة، أو تعمل على تدويرها ونقل ملكيتها للمتنفذين،
وهي بالضبط أول إشكالية واجهت المجتمع السوري، وهي التي أسست فيما بعد للاحتقان
المذهبي والطائفي، قبل العبث بالجانب الإداري للدولة، حيث صنع النظام ما يمكن
تسميته بالقوى المسيطرة، اختصرت المشهد فيما بعد، ليتحول المواطن السوري إلى
الأغلبية المقهورة والتي فيما بعد حاولت أن تنطلق في عملية تغيير سلمية، غير أنها
لم تكتمل.
التوصيف الثاني هو
أن طبقة المنتفعين لم تكن من لون محدد رغم غلبة الطيف، وما نعنيه إن تحميل طائفة
بعينها وزر مسببات الاحتقان هو أمر غير واقعي، ويمكن أن نقول بشكل أوضح، إن
النظام الاستخباري هو الطائفة الجديدة التي تشكلت في سوريا، وكانت مزيجاً من جميع
الطوائف، وهذا المزيج هو الذي أوصل سوريا إلى هذه الحالة التي نشاهدها اليوم، حيث
خرجت سوريا من دائرة الأطياف السورية إلى مسمى جديد وهو الطوائف السورية، وهذا
المسمى مرفوض تماماً، إذ لا يتناسب مع طبيعة العصر الحالي استخدام كلمة طوائف،
وإنما الأطياف السورية، والفارق هنا يبدو شاسعاً بين استخدام مصطلح يذهب نحو
الاختلافات المذهبية التي لا يمكن أن يتمكن البشر من حلها على وجه الأرض، وبين
استخدام مصطلح (الأطياف) والتي تشمل كامل التركيبة الاجتماعية والثقافية وحتى
الدينية للمجتمع الواحد.
نحن بين طائفة
اسمها النظام، يمثلها حزب البعث والأجهزة الاستخبارية، وبين الأطياف السورية
الواسعة التي هي الأطياف المذهبية والدينية والثقافية، التي يستطيع النظام استغلال
بعضها أكثر بحسب المصلحة، وبحسب الموقف والاعتبارات السياسية التي يرغب بالعبث
بها.
فالنظام كان
سلفياً وجهادياً في سلوكه عندما كان يرسل الجهاديين الى العراق، وكان كذلك عندما
صنع بعض الجماعات الجهادية في مخيمات نهر البارد وعين الحلوة، وكان طائفياً عندما
أجج الصراع في لبنان إبان الحرب الأهلية، وأصبح شيعياً عندما استقدم الإيرانيين لذبح
المنتفضين عليه، وكان قومياً واشتراكياً، وكان وكان… بالتالي هو الطائفة فقط في
وسط هذه الأطياف على اختلافها.
مسألة
الحقوق:
يبدأ حل
الإشكالية (الطائفية) في سوريا بضرورة الفصل بين مسألتين، مسألة الحقوق، وبين ما
نتج عن الحقوق، فما بعد الحرب لم تعد الحقوق مسألة ممتلكات بمقدار ما هي مسألة
دماء، والخشية من تواصل عمليات الثأر، أو ما يمكن أن نسميها الحرب الصامتة، التي
ستحول دون الاستقرار لسنوات طويلة.
الحق الأول الذي
يجب أن نعيه وندركه تماماً أن جميع الأطياف السورية دفعت الثمن غالياً في هذه
الحرب، وأن المطلوب أولاً وقبل كل شيء أن ندرك أن سوريا تضم أطيافاً من أعراق
وأديان متنوعة، وأن مشكلة الجميع هي مع النظام، الذي هو (الطائفة الوحيدة) وسط هذا
التنوع الاجتماعي الواسع، وبالتالي (إن تفكيك النظام هو الحق الأول الذي يحتاج
المواطن السوري أن يحصل عليه) وما نعنيه بالتفكيك، هو ولادة نظام بديل، سوف
يتمكن هذا النظام من إعادة الحقوق المسلوبة، وسيتمكن من حل إشكالية الدماء، ونحن
لدينا تاريخ قريب في المسألة اللبنانية، حيث انتهت الحرب الأهلية هناك، وسارت
الأمور باتجاه الحلول السياسية وعودة الدولة، إلى أن تم اغتيال الشهيد رفيق الحريري
ومن ثم هيمنة حزب الله على مقدرات لبنان، وهو ما أعاد لبنان الآن إلى الحالة
المتردية.
قد يكون الحل
السياسي في لبنان قبل هيمنة حزب الله درساً مفيداً، لكن الذي يجب أن يدركه الجميع
أن الحرب لم ينتصر بها أحد، وأن النظام حارب الأطياف السورية كافةً من خلال هذه الحرب،
وهي القاعدة الأساسية التي يتوجب العمل تحتها.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”