كيف تعيش لحظتك؟
ما لا شك فيه، أن سؤالاً من قبيل” كيف تعيش لحظتك؟” والذي عنون به هذا المقال، وجاء في صيغة الاستفهام الإنكاري، لم يرد في إطار توخي إجابة محددة عليه، وهومن حيث الدلالة لا يرمي إلى أن يكون عبارة عن كليشة دعائية سياحية، تقدم معلومات محددة، للمتلقي، تفيده بكيفية استغلال لحظته، على أحسن ما يرام، وفق تصور النص، أو المعني به، من قبيل “كيف تتعلم اللغة الفلانية في خمسة أيام؟” أو “كيف تصبح روائياً؟”، أو “كيف تصبح ثرياً؟” وإلى آخره من العبارات ثلاثية المفردات التي يتصدر مضارعها الناقص وخبره المنصوب، اسم الاستفهام المختص بالحال “كيف؟”، وهو في حقيقته – سؤال استفزازي عادة – وملفت للانتباه، بل ومثير، أيضاً، لاسيما عندما تكتمل شروط عملية “التواصل” مع المتلقي، في إطار حدود العلاقة ثلاثية الأطراف “النص، الناص، المتلقي”.
لا توصيف جاهزاً عند أحد البتة، في ما يتعلق بكيفية تعامل المرء مع الزمن، وإن كنا سنقع – هنا – على معجم من الحكم والأمثال وأقوال وشهادات الأعلام، من فلاسفة، ومفكرين، وباحثين، وحكماء، وساسة، ومبدعين، يقدم كل منهم رؤيته حول التعامل مع ثيمة الوقت، إذ يبرز هنا تركيز هؤلاء، على ضرورة الاستفادة من رصيد الوقت الذي يعد فضاء مفتوحاً على احتمال الإبداع، والنجاح، والتفوق، والبناء، وتطوير الوعي، والإسهام في تحقيق الرقي المعرفي، والفكري، بل والمالي، أو الوطني، أو النضالي، إلى مالا ينتهي من المنجزات البشرية التي يمكن أن تتم، من قبل الفرد، أو الأسرة، أو المجتمع، أو المؤسسة، حيث تم تقويم الوقت من خلال منظور كثيرين، قديماً، وحديثاً، بما يساويه من معادله القيمي، حيث تم التأكيد أنه لا يقدر بثمن، مادام ضمن حيز استثماره، وتطويعه كفضاء للعمل والاجتهاد، بل وحتى حب الناس، وتقديم ما ينتفعون به، سواء أكان ذلك على الصعيد المعنوي، أو المادي.
ومثل أهمية الوقت، في لحظته الخامية، المعيشة، كمثل تلك الثمرة السحرية في أشجار الأساطير، التي تشترط تناول ثمارها التي تضخ الروح، بطاقة عليا، والجسد بقوة جبارة، مادامت بين يديك، وتحتفل بها، من خلال التهامها، في أوانها المحدد، كي يتحقق ما هو مرهون بتناولها، بيد أن الأمر ينقلب إلى العكس، إذ يتحول تسويف التهامها، أو التأخر فيه، إلى وبال، بل وباء عظيم، لا برء منه، بعد ذبولها، على أغصانها، أو على المائدة. إذ إن فجيعة الخسارة بالوقت، تعد هي الأعظم، والأفدح، في حياة الآدمي، وهو ما يستشعر به كل من يهدر أوقاته خارج مختبر المعرفة والعطاء والبذل والخير.
ويبدو أننا، كلما شخصنا الزمن، أو ما هو مستقطع منه، نضعه عادة بين قوسي مفتاح البدء وقفل الاختتام، نجدنا أمام ثلاثة أبعاد، هي: الماضي – الحاضر – المستقبل، حيث إن هناك علاقة تواشجية بين أطراف هذه المعادلة، التي وجدت، وتستمر، منذ بداية وعي الإنسان بالذات، والعالم، فالماضي منظوراً إليه ضمن هذا المختبر من الممكن الاستفادة منها، خارج إمكان اعتبارها فضاء للإنجاز، بل كفضاء معرفي، من الممكن ألا يكتفي بالتأثير في الحاضر، بل أن يتجاوزه إلى المستقبل، هذا المستقبل الذي يغدو رصيداً وهمياً، بدوره، مالم يتفاعل مع اللحظة المعيشة نفسها، حيث أن تقويمه، يتم من خلال ما ينجز في حدوده، لا أكثر، ليكون ما تبقى منه مجرد قبض ريح، وهو يأخذ طريقه خارج دائرة تطويعه، ومنحه القيمة اللازمة.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”