كورونا الذي كشف عوراتنا
تتوالى الأيام وتمضي و(كورونا) هو الحديث والشغل الشاغل للعالم أجمع.
فمنذ الإعلان عن مدينة ووهان الصينية كبؤرة لظهور الفيروس وانتشاره، دب الهلع والخوف أرجاء المعمورة وأصبحت مناطقها كأحجار الدومينو تتساقط تباعاً في شباك هذا الوباء الذي تضاربت الآراء عن سبب نشوئه وكيفيته. وأخذ الكل يدلو بدلوه، العالم والجاهل، الخبير المختص والهاوي المنظر، كل يقضي ويفتي ويرمي بنواقصه على الآخر.
فمنهم من اعتبره انتقام رباني للكافر والمشرك وأخذوا يضربون بسيف الله وكأنهم وكلائه في الأرض. وآخرون اعتبروه صفعة للرأسمالية والبرجوازية التي تكبرت وتجبرت على الفقراء والمستضعفين، ومنهم من اعتبره مؤامرة كونية لضرب مفاصل الحياة والقضاء على دول وأنظمة، وإعادة رسم الجغرافية وترتيب حجارة الشطرنج.
وبين هذا وذاك ضاعت القيم والمبادىء الأخلاقية والإنسانية، ليسقط الستار عن وجه البشرية القميء. وحدها الأنا وغريزة البقاء من كشرت عن أنيابها. أغلقت البارات والمراقص بالتزامن مع إغلاق دور العبادة. دول وأنظمة لم تعر الكارثة بالاً لتستمر في قمع شعوبها وقتلهم. وأخرى تكتمت عن الإعلان عن أعداد المصابين حتى انتشر واستفحل وحصد الآلاف من الأرواح البريئة. دول استثمرته سلاحاً تهدد به دول الجوار وتهرب إليها أشخاصاً مصابين لنقل العدوى وضرب مفاصل الحياة فيها. دول عظمى رفعت الراية البيضاء وسلمت بقضاء الله وقدره، ومنها من صرح مسؤولوها بأن العجلة الاقتصادية لن تتوقف وسيستمر العمل لأن انهيار اقتصاداتها أكثر ضرراً عليها من موت بعض الملايين من البشر. الاتحاد الأوربي الذي كان يعتبر واجهة حضارية ورقما صعباً بوحدته في المجالات كافة، حتى بتنا نعتبره كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وما إن جاءت الحمى حتى تلاشت وانكمشت كل دولة فيه على نفسها وأغلقت دونها الأبواب والمنافذ دون دعم ومساندة الأعضاء الأكثر ضرراً لتواجه مصيرها لوحدها.
غصات وعبرات تملأ حناجر العجزة وهم يتحدثون عن لفظ حكوماتهم لهم بعدما سرقت منهم سنيّ عمرهم في خدمتها وهاهي تريد التخلص منهم لتوفير رواتبهم التقاعدية. رسائل تطمين انتشرت عبر وسائل التواصل ومحطات التلفزة للتخفيف من هول وقوة الفيروس والدعوة لعدم الخوف منه فهو لا يقتل إلا كبار السن والأطفال الصغار قليلي المناعة. دون اكتراث لوقع هذه التطمينات على أرواح هؤلاء الكبار وهم آباؤنا وأمهاتنا الذين سقونا من دموع قلوبهم يوماً. أوليس هؤلاء الأطفال الصغار هم براعم غدنا ونداف قلوبنا. أصوات نشاز أخرى دعت إلى القتل الرحيم بحق المختلين عقلياً والمصابين بالتوحد ومتلازمة داون باعتبارهم غير قادرين على ضبطهم وإلزامهم بالحجر وسيكونون سبباً في نقل العدوى والتسبب بقتل البشرية فلابد من التضحية بهم لأجل أن يحيا العقلاء.
وهنا أتكون هذه الفئة الصغيرة والضعيفة سبباً في القضاء على عقلاء البشرية؟
هل هؤلاء من اخترع القنابل النووية والذرية وترسانات الأسلحة؟
هل هم من قادوا وخاضوا الغزوات والإبادات والحروب والصراعات المسلحة على مر الزمان؟
ربما يمكن القول إن هذا الوباء هبة ربانية لنتبصر في ذواتنا وننظر جيداً حولنا لنرى كيف أنه لم يقتلنا فحسب بل كشف عوراتنا.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”