كورونا آلة حصاد كونية
فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، آفة 2020 التي تجتاح العالم وتخلّف وراءها يومياً أعداداً مهولة من الضحايا، وصلت لأكثر من مليون ونصف مصاب، شفي منهم، بحسب الإحصائيات الرسمية المنشورة حوالي 350 ألف مصاب، وتوفى منهم 90 ألف مصاب، في أكثر من 175 دولة حول العالم، أعلنت على إثرها منظمة الصحة العالمية أن كورونا أصبح وباءً عالمياً، وصنفته بالجائحة.
القارة الأكثر تضرراً هي، أوربا، ثم أمريكا الشمالية، تليها آسيا، وأمريكا الجنوبية، فأفريقيا، وأوقانوسيا، ووفقا لمنظمة اليونسكو، فإن نحو 330 مليون طفل تأثروا بإغلاق المدارس في 29 دولة، إضافة إلى 60 مليون طالب جامعي.
الصين التي ظهر فيها كورونا مع بداية كانون الثاني الماضي، استطاعت أن تستوعبه بفرض حجر صحي، ومنع التجوّل، والتباعد الاجتماعي، وإغلاق المدن بما فيها المدارس والشركات والمحال التجارية، وفرض غرامة مالية على كل من لا يرتدي الأقنعة الطبية، وراحت تتبع حركات الأشخاص من خلال تطبيق الهواتف المتحركة، وإطلاق طائرات مسيرة للتوعية، والتقيد بالتعليمات واستخدام ملايين الكاميرات في الشوارع للمراقبة.
طبياً، عالجت الصين المصابين بأدوية فيروسات إيبولا والإنفلونزا والإيدز، وعزلت المستشفيات والمصابين والمشتبهين بالإصابة، وأطلقت مستشفيات ميدانية، وتغلبت على شح المستلزمات الطبية وكاشفات الإصابة بالفايروس بإنتاج كميات كبيرة منها، وبدأت المعدلات بالهبوط في منتصف آذار إلى 3.333 حالة وفاة فقط.
الصين حققت الرقم الأكبر في حالات الشفاء، 77.279 من أصل 81.802 إصابة، وهذا ما جعلها صاحبة خبرة في الحد من كورونا، ورغم ذلك تمكن الفيروس من اختراق الحدود، وقابله عدم جدية في التعامل معه في غالبية الدول التي وصل إليها، ما أدى إلى ظهور أرقام مخيفة في أمريكا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيران.
رغم اتباع غالبية الدول للإجراءات الوقائية الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية، إلا أن الوضع أصبح خارج السيطرة، إذ تتصدر أمريكا المشهد بنحو نصف مليون إصابة، وشفاء 22 ألف مصاباً، ووفاة 15 ألف مصاباً، لتكون الثانية عالمياً بعدد الوفيات، إذ أعلنت على إثرها مؤخراً أنها أمام كارثة، وطلبت المساعدة من الصين.
طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تحويل السفينة البحرية الأمريكية في نيويورك لمستشفى لمصابي كورونا، وقال إنهم توصلوا إلى اتفاق مع شركة 3 إم لإنتاج 165 مليون قناع خلال الأشهر المقبلة، وأن 125 ألف شخص يخضعون يومياً لفحص فيروس كورونا، مشيراً إلى أنَّ بلاده تصنع الآلاف من أجهزة التنفس الاصطناعي.
وصل عدد الإصابات في إسبانيا إلى نحو 150 ألف مصاباً، لكنها احتلت المرتبة الثانية بعدد الشفاء بنحو 52 ألف حالة شفاء، والثالثة من حيث الوفيات 15 ألف حالة وفاة، لأنها لم تستجب في البداية إلى تفشي الوباء، ثم مددت إجراءات الإغلاق العام حتى 25 نيسان، وفرضت إجراءات صارمة وغرامات على المخالفين، فتحول البلد السياحي إلى شبه ميت.
تواجه الحكومة انتقادات كبيرة لعدم حظر التجمعات في البداية وتخزين المعدات الطبية بمجرد أن وصل عدد الحالات إلى عدة مئات في شمال إيطاليا في أواخر شباط الماضي.
سجلت في إيطاليا نحو 140 ألف إصابة، شفي منها 27 ألفاً، فأصبحت الخامسة بعد إيران بالنسبة لحالات الشفاء، لكنها تحولت إلى نموذج مرعب إذ غدت الأولى بعدد الوفيات التي وصلت إلى 18 ألف حالة وفاة، فعملت على تمديد حظر جميع الأنشطة غير الضرورية حتى الأول من أيار المقبل. وذكرت صحف إيطالية أن الحكومة قد تستدعي الجيش للمساعدة في تفعيل القيود على حركة المواطنين، مشيرة إلى أنه تم بالفعل نشر جنود في إقليمي صقلية وكالابريا جنوب البلاد.
فرنسا، سجلت نحو 113 ألف إصابة لدى مواطنيها، شفي منهم نحو 22 ألفاً، وتوفى نحو 11 ألفاً، أي أنها صارت الرابعة بعدد الوفيات، رغم أن السلطات قد فرضت عزلاً شبه كامل، تمثل بمنع التجول، والتجمعات في الأماكن العامة، والحد من التنقل في أنحاء البلاد كافة لمدة 15 يوماً تحت طائلة غرامة مالية مقدارها 135 يورو، ويستثنى من الغرامة الخروج لحالات الضرورة القصوى.
وثّقت ألمانيا، نحو 112 ألف إصابة، وشفاء نحو 46 ألفاً، لتكون الثالثة بعدد حالات الشفاء، ونحو 2200 حالة وفاة، سبقها اتخاذ إجراءات جذرية، شملت العزل، ومنع التجمعات في الأماكن العامة لأكثر من شخصين، مع إقفال المطاعم نهائياً والطلب من العائلات وقف الاختلاط، وفرض الغرامات على المخالفين.
أصيب في الإمارات، نحو 2700 شخصاً، شفي منهم نحو 250 شخصاً، وتوفى 12 شخصاً، وقررت الإمارات عودة جميع الطلبة الدارسين خارج الدولة، وتشديد الغرامة، والسير في الإجراءات القانونية التي تصل إلى الحبس والغرامة المالية.
تأكد إصابة نحو 2500 شخصاً في قطر، شفي منهم نحو 200 شخصاً، وتوفي 6 منهم، ولمنع انتشار المرض تم إيقاف جميع وسائل المواصلات العامة، وإغلاق المدارس، كما سجلت الجزائر، نحو 1700 حالة إصابة، شفي منهم نحو 350 مصاباً، وتوفى 250 مصاباً، وشمل الحظر فيها كل الولايات، وتعليق جميع الرحلات الجوية والبحرية بين الجزائر وفرنسا، أما في مصر، فقد سجلت نحو 1600 إصابة، شفي منها نحو 300 مصاب، وتوفي نحو 100 مصاب، رافقتها إجراءات الحظر الجزئي التي ناشدت بالعزل الذاتي وعدم المخالطة.
وإلى جانب الخسائر البشرية والاقتصادية التي ألحقها كورونا بالعالم، لكن لم يتوصل العلماء بعد إلى علاج مؤكد، والمحاولات جارية، وإلى وقتها يوصي الباحثون بضرورة وقف انتشاره، ومن ضمن الخطوات الوقائية التي أجمعوا عليها، هي تأمين أدوات الوقاية من الصين، التي صدّرت منذ بداية آذار الماضي إلى أكثر من 50 بلداً 3.86 مليارات قناع و37.5 مليون بزة واقية و16 ألف جهاز تنفس و2.84 مليون جهاز لكشف الإصابات بكورونا.
ومع احتدام المنافسة بين الشركات المصنعة لتطوير اللقاح، في أمريكا والصين وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وروسيا، إلا أنها لم تتوصل بعد لإنتاج عقار وقائي لهذه الآفة وعقار علاجي للآثار التي تخلفها على بعض الذين تعافوا منها، مثل ضيق التنفس وخلل في وظائف الرئة.
يبقى أن نقول: لماذا تتفاوت أعداد الوفيات قياساً بأعداد المصابين في الدول، هل ذلك بسبب الإجراءات الطبية أم فقر المعدات الطبية؟
هل يمكن عدّ هذا الوباء امتحاناً صحياً واقتصادياً للدول مع ضرورة توفر غرف عمليات كبيرة على مستوى الدولة لمواجهة الأوبئة. إنها أسئلة ملحة تطرح باستمرار..؟