قواعد الاشتباك الجديدة، وخفايا علاقات قوى الصراع
حقائق مغيّبة حول طبيعة العلاقات بين القوى الرئيسية التي تسعى لإحكام قبضتها على الإقليم، الولايات المتّحدة والنظام الإيراني وإسرائيل، تتكشّف تباعاً في سياق الأحداث:
بفضل القيادة الأمريكية الحكيمة، انتهت لعبة عضّ الأصابع الأخيرة في هجوم الرد الإيراني دون نجاح حكومة الحرب اليمينية الإسرائيلية في توريط النظام الإيراني في حرب شاملة، تُعطيها فرصة تدمير القاعدة العسكرية الإيرانية، النووية والبالستية[1]، وقد حقق النظام الإيراني في محصّلة الهجوم المُنسّق وآليات تنفيذه مكاسب تكتيكية واستراتيجية كبيرة، تتقاطع مع أهداف وسياسات مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكيّة، وعلى حساب مصالح ربيبة الولايات المتّحدة، والفلسطينيين، والأمن القومي العربي:
1- على الصعيد التكتيكي، حققت القيادة الإيرانية بفعل هجومها المدروس والمنسّق والواسع النطاق بالمسيّرات والصواريخ على إسرائيل نجاحات مهمّة على مستويات الداخل الإيراني، وفي الإقليم، خاصة على صعيد إعادة ترميم ما تهشّم في هيبتها المحلية والإقليمية، نتيجة لما حصل من تراخٍ تكتيكي في الدفاع عن شركائها في حماس وحزب الله، وحماية قادة فيلق المقاومة؛ وقد أعاد الإعلام الإيراني تحشيد دعم الإيرانيين، وتطويق ما قد يظهر من ردّات فعل داخل القاعدة الشعبية نتيجة للشعور العام بضعف موقف النظام الإقليمي وتراخي قبضته الداخلية، كما ونجح على الصعيد الإقليمي العام بتلميع صورته السابقة حول حقيقة عدائه لإسرائيل، وقدرته على مواجهتها، بالمقارنة مع تواطؤ عربي إقليمي، ودعم أوروبي أمريكي.
2- على الصعيد الإستراتيجي، نجحت القيادة الإيرانية في إثبات أهليتها وحقّها في العمل ضمن قواعد الاشتباك الجديدة، بعد أن كسرت إسرائيل في هجومها العدواني على القنصلية الإيرانية في دمشق قواعد الاشتباك الأمريكية السابقة، التي كانت تتيح للدولتين المتصارعتين على مواقع السيطرة الإقليمية حق الدفاع عن النفس تحت سقف الحروب بالوكالة وعلى امتداد ساحات الصراع الإقليمي، دون انتهاك السيادة الوطنية لأيّ من الدولتين، بهجمات مباشرة!
عندما هاجمت حكومة العدو القنصلية الإيرانية في مطلع نيسان، كسرت قواعد الاشتباك الأمريكية، في سعي واضح لجر إيران إلى حرب اقليمية، مبيتة الأهداف.
في مواجهة انتهاك قواعد الاشتباك، واستهداف السيادة الإيرانية في دمشق، أكدّ هجوم الرد الإيراني في الثالث عشر من نيسان الجاري على قدرة إيران على التعامل الميداني مع قواعد الاشتباك الجديدة، والرد على فعل انتهاك السيادة، بهجوم كبير، استهدف مواقع عسكرية وأمنية حساسة، ترتبط بالأمن القومي الإسرائيلي. في تنسيق نطاق هجوم الرد المباشر وأدواته مع الولايات المتّحدة التي تقاطعت مصالحها وسياساتها مع مصلحة وسياسات النظام الإيراني بعدم إعطاء حكومة العدو مبررات تحويل الرد الايراني إلى حرب شاملة، نجحت القيادة الإيرانية في إعطاء قواعد الاشتباك الجديدة طابعا استراتيجيّا، يشكّل مظلّة حماية لبرنامجها الحربي الاستراتيجي. كيف؟.
3- في إثبات قدرة سلاحها الهجومي على الوصول إلى المواقع النووية الإسرائيلية، خلقت القيادة الإيرانية، بالتنسيق مع واشنطن، حالة توازن تدمير نووي مع دولة الاحتلال، وباتت قواعد الاشتباك الجديدة ترتبط بقضايا الأمن القومي لكلا الدولتين – المواقع النووية – وفقاً للمعادلة الجديدة:
لجوء إسرائيل الى استغلال الضربة الإيرانية الإنتقامية الأخيرة، التي أثبتت قدرة السلاح الإيراني على الوصول إلى المواقع الأكثر خطورة في الأمن القومي الإسرائيلي، دون التنسيق مع الولايات المتّحدة، والحصول على موافقتها، لمهاجمة المواقع ذات الأهميّة الاستراتيجية في الأمن القومي الإيراني، سيعطي إيران فرصة الرد بالمثل، وهو ما يعرّض وجود دول الكيان إلى اخطار مصيرية!!
لقد وضعت قواعد الاشتباك الجديدة التي رعتها واشنطن حكومة الحرب الإسرائيلية أمام خيارين: إمّا أن تخضع لرغبة واشنطن بعدم توجيه ضربة رد انتقامية على الرد الإيراني، أو القيام برد منسّق، لا يوجّب تصعيدا في الصراع، ويدفع النظام الإيراني للرد بالمثل.[2]
ثانياً: كيف نقرأ مصالح القوى المعنية في الوصول إلى قواعد اشتباك جديدة، فرضتها الولايات المتّحدة على الطرفين، عبر تنسيق طبيعة هجوم الرد الإيراني الأخير، والرد الإسرائيلي غير الفعّال؟
1- إذا أخذنا بعين الاعتبار إدراك إسرائيل لحقيقة أنّ حصول أيّ من الدول الإقليمية التي تتصارع معها على السيطرة الإقليمية على سلاح نووي هو مصدر الخطر الرئيسي على أمنها القومي، وبالتالي السماح بوصول إيران إلى عتبة تصنيعه هو الخط الأحمر الأبرز في سياسات الكيان الإقليمية، وقد سعت منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية، نهاية ثمانينات القرن الماضي، لتدمير المواقع النووية الإيرانية، على غرار ما فعلت في العراق، دون أن تحقق أهدافها بفعل معارضة الولايات المتّحدة تحت ذرائع وحجج، منها ضمان عدم حصول إيران على برنامج تسلّح نووي، من خلال التنسيق الأمريكي مع شركائها الأوروبيين ومنظمة حظر السلاح النووي العالمية، لتفكيك برنامج إيران النووي بشكل سلمي، ودون الحاجة لحرب مباشرة بين البلدين، قد يستجرها هجوم إسرائيل على مواقع إيران، تهدد مصالح الولايات المتّحدة في قلب منطقة مثلث الطاقة الإستراتيجي وممرات الخليج والبحر الأحمر.
2- طوال سنوات من السعي لتبرير هجوم إسرائيل على مواقع إيران دون النجاح في الحصول على موافقة أمريكية، وبفعل فشل الجهود الدبلوماسية والسياسية الأمريكية لتقييد برنامج إيران وطموحاتها عبر الاتفاقيات الدولية التي رعتها واشنطن في إطار الاتفاق الشامل المشترك حول البرنامج النووي الإيراني، سواء في محطّة توقيع الحكومة الديمقراطية الاتفاق الشامل 2015، أو انسحاب حكومة ترامب الجمهورية منه 2018، تصاعد الصراع داخل القيادات الإسرائيلية حول آليات وقف برنامج إيران، وقد وجد البعض في سياسات واشنطن نوعا من التسويف والمماطلة، شراء للوقت، بما يتيح عمليا للقيادة الإيرانية الوصول إلى مرحلة القنبلة على الرف[3]؛ وهو ما يفسّر حرص حكومة الحرب الإسرائيلية، في مواجهة عواقب هجوم طوفان الأقصى، إلى استغلال ما حصلت عليه من دعم أوروبي وامريكي، لتوجيه ضربة قاضية لمواقع إيران النووية.
3- رفض الولايات المتّحدة، والسيد بايدن شخصيا، في مواجهة عواقب هجوم طوفان الأقصى، السماح لحكومة نتنياهو بتنفيذ السيناريو الإسرائيلي المرتبط بتوريط إيران في حرب اقليمية، تتيح لها فرصة مهاجمة مواقع إيران الاستراتيجية العسكرية، ونجاحه في ذلك حتى قبل الاوّل من نيسان، عندما كسرت حكومة العدو قواعد الاشتباك السابقة في هجومها المدمّر على القنصلية الإيرانية، وما وجّبه من رد إيراني، أكّد على مشروعية القواعد الجديدة التي صنعها الهجوم الإسرائيلي.
ثالثاً: في الاستنتاج والتساؤلات!
نجاح الولايات المتّحدة في صناعة قواعد اشتباك جديدة، تشكّل عملياً مظلّة حماية البرنامج النووي الإيراني، تسقط موضوعية ما قدّمته إدارة أوباما من تبريرات سماحها للنظام الإيراني باستباحة دول المنطقة، وتهديد أمن إسرائيل، كصفقة مقابل خضوعه لقيود وشروط واشنطن، وتخليه عن طموحاته النووية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول حقيقة الموقف والمصالح الأمريكية:
1- ماهي طبيعة العلاقات بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني التي أتاحت له الوصول إلى حالة القنبلة على الرف وما حققه في سياق حروب إقليمية متواصلة منذ 1980؛ من سيطرة إقليمية، وصلت شباكها إلى عنق دولة الاحتلال؟.
2- ما هي طبيعة مصالح الولايات المتّحدة في امتلاك النظام الإيراني سلاح ردع إقليمي استراتيجي؟.
ألا يُشكّل التهديد بقنبلة نووية إيرانية عصا غليظة أمريكية لفرض مصالح وسياسات الولايات المتّحدة على إسرائيل نفسها، وترويض القيادات السعودية، التي أظهرت في حقبات تاريخية عديدة عدم رضوخها لشروط الهيمنة الإقليمية الأمريكية، ويشكل في النهاية أعلى درجات السيطرة الإقليمية التشاركية بين الولايات المتّحدة والنظام الإيراني؟
3- ألا تُتيح التفاهمات الضمنية الإسرائيلية – الإيرانية الجديدة برعاية واشنطن، لإسرائيل معالجة قضية رفح ب الطريقة التي تجدها مناسبة، وتفضح مواقف الجميع، وتكشف الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني وقضيته في أتون حرب إقليمية لا ناقة له فيها، ولا جمل؟!
[1]– لن تقع حرب إقليمية ما دامت المهادنة الإيرانية – الإسرائيلية التاريخية مستمرة، وما دامت إدارة بايدن ترعى التفاهمات الضمنية في المسيرة التهادنية. انتهت اللعبة الخطيرة. لا حرب ثنائية ولا حرب مُفاجِئة. ستستمر المناوشات المنسّقة، وستستمر الحرب بالوكالة، وستمضي إسرائيل باستهداف إيران وإيران إسرائيل ضمن قواعد اشتباك مضبوطة.
كلتاهما ستمتنع عن ضرب الأخرى في الصميم وبقوة، وستكتفي بعمليات لطيفة لإنقاذ ماء الوجه. وكلتاهما ستستخدم الأراضي العربية للانتقام باسم الحروب بالنيابة عبر الوكلاء. هذه هي استراتيجية الاستباحة لسيادة الدول العربية وشعوبها بمباركة ضمنية دولية. منتهى الوقاحة الاستراتيجية.
لا حرب إيرانية – إسرائيلية، فكلتاهما في أمان إلى سلام انتقالي رغم لعبة العداء الانتقامي.
راغدة درغام، النهار العربي، 21/4/2024.
انتهت اللعبة الخطيرة. لا حرب ثنائية ولا حرب مُفاجِئة. ستستمر المناوشات المنسّقة، وستستمر الحرب بالوكالة، وستمضي إسرائيل باستهداف إيران وإيران إسرائيل ضمن قواعد اشتباك مضبوطة.
كلتاهما ستمتنع عن ضرب الأخرى في الصميم وبقوة، وستكتفي بعمليات لطيفة لإنقاذ ماء الوجه. وكلتاهما ستستخدم الأراضي العربية للانتقام باسم الحروب بالنيابة عبر الوكلاء. هذه هي استراتيجية الاستباحة لسيادة الدول العربية وشعوبها بمباركة ضمنية دولية. منتهى الوقاحة الاستراتيجية.
[2]– يبدو جلياً اختيار حكومة العدو الإسرائيلي للخَيار الثاني، كما تناقلت وسائل إعلام إيرانية وأمريكية وإسرائيلية متطابقة:
نقلت قناة إيه بي سي نيوز عن مسؤول أميركي كبير قوله إنّ إسرائيل شنّت ضربة ضدّ إيران رداً منها على الهجوم الإيراني الذي استهدف أراضيها في نهاية الأسبوع الفائت.
من جانبه، أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني فجر الجمعة بوجود تقارير عن انفجارات مُدوّية سُمعت في محافظة أصفهان بوسط البلاد، مشيراً إلى أنّ أسبابها مجهولة.
أعلنت إيران الجمعة أنّها أسقطت مُسيّرات عدّة وأنّه ليس هناك هجوم صاروخي في الوقت الحالي على البلاد، وذلك بعد سماع انفجارات قرب مدينة أصفهان بوسط البلاد.
وكانت وكالة أنباء فارس الإيرانية كشفت أن راداراً للجيش في القاعدة العسكرية بمحافظة أصفهان كان أحد الأهداف المحتملة، وأن الضرر الوحيد الناجم عن الهجوم كان نوافذ مكسورة في العديد من مباني المكاتب.
في المقابل، كشفت مصادر صحفية إسرائيلية أن الهجوم على أصفهان أصاب أصولا للقوات الجوية الإيرانية، بقرب المنطقة التي يقع داخلها موقع نووي إيراني.
وبحسب التقرير: لا يبدو أن هناك أي أضرار جسيمة في القاعدة الجوية التي يُزعم أنها استهدفت بضربة عسكرية إسرائيلية، وفقا لصور الأقمار الاصطناعية الحصرية التي حصلت عليها CNN. وأضاف: لا يبدو أن هناك أي حفر كبيرة في الأرض ولا توجد مبان مدمرة بشكل واضح، موضحاً أنه ستكون هناك حاجة إلى صور إضافية للتحقق من وجود أضرار.
علق وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الجمعة، على عملية المسيرات في إيران بكلمة واحدة على موقع التواصل الاجتماعي إكس ضعيفة.
وذكر محلل إيراني للتلفزيون الرسمي أن متسللين أرسلوا طائرات مسيرة صغيرة من داخل البلاد أسقطتها الدفاعات الجوية في أصفهان أطلقها متسللون من داخل إيران، وذلك بعد أن قالت مصادر إن إسرائيل شنت هجوماً على الأراضي الإيرانية.
[3]– لمزيد من المعلومات: