قلب مفاهيم الجندر
تكاثرت الخطابات والحملات التحريضية لدى بعض رجال الدين في الخطاب المعادي لمفهوم الجندر واعتباره مفهوماً دخيلاً معادياً للدين وبالأخص الإسلامي منطلقين من نظرة ضيقة ومغلوطة في الفهم والإدراك الحقيقي لمفهوم الجندر، والخلط بينه وبين مفهوم الجنس ليكون هذا دافعاً قوياً لدى المجتمع العربي بشكل عام ذو الطبيعة المحافظة، وإخافته من الصورة التي رسمت له على أنه تخل عن الأخلاق والمبادئ الإسلامية والاتجاه نحو الإباحية.
تعاظم دور هذا التيار السوداوي المتخفي وراء الدين لتعزيز دوره بالتحكم بالمجتمع، وتحقيق مصالحه الخاصة في نشر الجهل والخوف من كل جديد قد يطيح بأحلامه بالسيطرة والقيادة.
قد يجد بعضهم صعوبة بفهم مصطلح الجندر الذي يعني النوع الاجتماعي أو الدور المعطى للشخص اجتماعياً رجلاً كان أم امرأة، فهو مرتبط بالحالة الاجتماعية، ويختلف من مجتمع لآخر.
وكذلك ارتباطه بالجغرافيا، فتحديد الدور الاجتماعي يختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة لأخرى وأيضاً يختلف باختلاف الزمان فما كان عليه آباؤنا تغير عما نعيشه من عادات وتقاليد وأدوار محددة لنا تتغير بشكل دائم على عكس الجنس الثابت بكل المجتمعات والزمان والمكان.
يهدف الخطاب الجندري لإلغاء التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، فالخروج عن الدور النمطي للرجل أو المرأة، والوصول إلى المساوة هو تحقيق للعدالة والتنمية المجتمعية والاقتصادية والسياسية، وبالتالي استجابة لمقاصد الدين الأساسية المنادية بالمساواة والعدل بين البشر دون تمييز.
من جملة الادعاءات لمحاربة النضال النسوي للحصول على الحقوق الكاملة للمرأة كإنسانة لها نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، هو اتهام الحركة النسوية المتبنية للمفاهيم والمبادئ الجندرية أنها سبب في انتشار ظاهرة مجتمعية خطيرة ألا وهي العزوف عن الزواج أو (العنوسة) فعزت هذه الظاهرة لانتشار ثقافة الجندر، وتوقيع الحكومات على الاتفاقيات الدولية المطالبة بحقوق المرأة وإلغاء كل أشكال التمييز والعنف ضدها، فهل حقاً أن تبني سياسات جندرية يؤدي إلى عزوف الشباب والشابات عن الزواج أم إن ذلك مرتبط بعوامل أخرى تشكل خطورة على المجتمعات.
ماهي العنوسة وما أسبابها؟
العنوسة هي تخطي سن الزواج وهو مصطلح مجتمعي خصت به المرأة أكثر من الرجل، فيطلق عادة على المرأة العازبة التي تجاوزت سن الزواج، بالرغم من كونه مصطلح يخص الجنسين، لا يقتصر على النساء فقط بل يقال أيضا للرجل عانس. إذاً هو مصطلح اجتماعي ناجم عن حالة اجتماعية ويختلف من مجتمع لآخر حسب العرف السائد فالمجتمعات المغلقة والدينية التي تقيد المرأة، وتحجم دورها ليقتصر على الدور النمطي التابع للرجل، المرتبط به، يكثر فيها زواج الفتيات بسن مبكرة (زواج القاصرات) تعتبر الفتاة عانساً في حال بلوغها العشرين دون زواج. المجتمعات التي تعطي المرأة حقوقاً ودوراً مساوياً تقريباً للرجل، فتحصل المرأة على حريتها بالتعليم والعمل والثقافة والنضوج ما يكسبها استقلالية عن الرجل وثقة بنفسها لتكون مشاركة له في جميع مستلزمات الحياة العائلية، وبالتالي يجعل من الزواج في سن مبكرة عائقاً أمام حصولها على التعليم، وممارسة العمل، والكفاية، والتمكين الاقتصادي، والعلمي، والمعرفي وهذا يرفع عمر العنوسة إلى ما بعد الخامسة والثلاثين، وبالأحرى يعتبر هذا النمط من المجتمعات المتحضرة أن مصطلح عانس هو نوع من التنمر ولذلك يستبدلونه بـ (عازب أو عازبة).
وإذا عدنا إلى الأسباب التي أدت الى تفشي ظاهرة العزوبية بالمجتمع كظاهرة تهدد المجتمع بالانكماش والتقلص نتيجة نقص الإنجاب والولادات قياساً إلى الوفيات وإلى نتائج أخرى تشكل مشكلة اجتماعية، كتردي الحالة النفسية للعازبين والعازبات وإلى محيطهم العائلي فمن أهم أسباب العزوبية هي تردي الحالة الاقتصادية كأهم مشكلة وعقبة في وجه طالبي الزواج بالإضافة إلى الحروب بالأخص الحالة السورية لما نتج عن الحرب من دمار اقتصادي وهجرة وعسكرة واعتقالات كلها حالت دون التفكير بالزواج أو منعته.
إذاً مفهوم الجندر يخلق حالة من التوازن بالمجتمع نتيجة المساواة والعدالة التي ينشدها فهو من أهم الحلول لمشاكل المجتمعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، لأن تحرير المرأة وحصولها على كامل حقوقها يعني تحرير نصف المجتمع وتقويته وتمكينه وتطويره وتحقيق الأمن والسلام المستدامين.
“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”