الوصيّة
أوصيك خيراً بالفرات..
وبقصتنا التي لازالت تقبع هناك في المسرح المحترق..
وفي غرفتنا السرية..
أوصيك خيراً بالعناق المؤجل..
وبكل خطوة نحو الطريق المعتق بالضباب وبرائحتنا العالقة هناك..
أوصيك خيراً بالنقطة الأخيرة..
وبكلّ أشكال الفراق
صديقي.. قبل أن تستفيق صباحاً..
دع الحلم يأخذ وقته..
فلقد تعجلنا قديماً.. ونسينا أن ننام..
نسينا أن ننسج السطر الأخير للأحلام..
تمهل صديقي..
فقد اتضح إن القهوة تُحتسى على عجل..
وإن الفرات يخرج من صنبور حقائبنا المتخمة..
وإن الطريق نحو الحلم.. معبد بآلاف الحواجز.. مليء بالباحثين عن شامة وغَرَب.. هناك في الصفحة الثانية من الهوية حيث العلامة المميزة..
صديقي..
دع الطير المرسوم يختار وجهته..
يختار صوته..
يختار موته..
دع الوقت بلا ذاكرة.. بلا أجنحة..
وانتظرني هناك حيث الأعشاش تبني نفسها بعيداً عن الحرب واللغة المقيتة..
انتظرني عند حدود الوطن..
عند الشرفة الخارجية لهيئة الجمارك.. والتفتيش..
عند آخر قبعة صنعها اسماعيل..
انتظرني.. فلا زال هناك متسع من التأخر.. والتماطل.. والبكاء…..
العرّاف
ماذا يحدث في فنجاني..
يحدث اللاشيء.. لا شيء سوى طُرُقاتٍ.. وتمزق الإسفلت على شفتيك..
يحدث أن تقوم صباحاً.. وتمارس لعبة المرآة على وجهك.. وتنظّف ما بقي من أسنانك في الرف العلوي..
يحدث كالعادة أن ترتدي ثيابك كالمهرّجين اللذين تراهم في السابعة صباحاً كل يوم.. توقظ حذاءك الذي لم يكتفِ من النوم.. وترتديان معاً طريقاً نحو النهر..
النهر يا صديقي عرس جنائزي..
عليك أن تعتاده.. فلسوف يعتادك كثيراً..
ماذا يحدث في فنجاني..
يحدث أن تسكن في جسر.. وتساعد العابرين على احتمال الضفاف..
يحدث أن تلجأ في حانة.. تقيك سفالة الوقت والانتظار..
يحدث أن يتخذك أحدهم كتاباً.. ويبيعك على أحد الأرصفة المهترئة..
يحدث أن ترجع في العمر كثيراً.. وتقلّد أحزان الكبار.. وخيبات المتقاعدين عن الأمل..
يحدث أن تكبر في العمر كثيراً.. وتصير تضمّد جراح ألعابك القديمة..
يحدث أن تمشي في ساعة.. في تكات الساعة.. وتجعل من أصابعك عقارباً.. كي تعضّ عليها فقط..
يحدث سراً.. أن يتخذ منك شارع ما اسماً له على زاوية قديمة.. تشاركه أمطار الليالي الطويلة.. وأعمدة الانارة المحنية الظهر.. كما عجوز يبيع اليانصيب..
يحدث أن تنجب قبيلة من الأشجار وحدك..
ووحدك الذي سوف تفهم معنى أن تكون حفيد سلالات التعب..
ماذا يحدث في فنجاني..
يحدث أنك لن تحدث..