fbpx

قصائد للشاعر السوري الراحل تميم صائب

0 183

من المنفى نناديكم

مساؤنا هنا حزينٌ مثل نورسٍ بغابة

صباحُنا معمّدٌ بالبؤسِ والكآبة

وشمسُنا يا أيّها الأصحابُ في البلادْ

غريبةٌ كأنْ على أوراقِنا البيضاء تدلُق المداد

نسألُ عن أخبارِكم

هل ظلّ حيٌّ فيكمو

أم أنّكم كمثلِنا أمواتْ؟

تطحنُكم بقسوةِ الحياةِ أرجلُ الحياةْ

نحن هنا

يا أيّها الأحبابُ نعصرُ السرابَ كي نعيشْ

وكلّ شيءٍ ضدّنا

جناحُنا الهزيلُ دون ريشْ

وفي المدى أعينُنا ترنو إلى البعيدْ

إلى مدينةٍ مذبوحةٍ من الوريدِ للوريدْ

لكنها جميلةٌ

ففي بيوتِها قلوبُ أمّهاتْ

وفي حيطانِها أسماؤنا

من قبلِ أن يسرقَنا من رَملِها الشّتاتْ

نحن هنا

مشرّدون كالرياحِ دونما وطنْ

وميّتون دونما كفنْ

فادعوا لنا إلهَنا

يعيدُنا إلى بلادِنا

لو بعدَ أن نموتْ

يعيدُنا

لو كانت العودةُ يا أحبّةَ الفؤادِ

في تابوتْ

ما غيرُ أمِّكَ

لكل الذين مازالت أمهاتهم على قيد الحياة.. رحم الله أمي:

حين تنثرُكَ الرياحُ على تلالِ الجرحِ

تهربُ من تشظّيكَ اللَّعينِ

إلى مساحات الحنانِ بلمسةٍ منها

وتغفو تحت ظِلّ الياسمين بحضنِها الكونيّ..

ترفو فيكَ ما قد كشّمتْهُ الغُربةُ الحمقاءُ

تُصلِح فيكَ روحَكَ يا لَروحِكْ !

ما غير أمّكَ

فابْكِ 

لا تخجلْ إذا ضاقتْ بعينيكَ الدموعُ أمامَها

واتركْ أصابعَها لتمسحَ عنكَ سيلَ القهرِ..

تحيي فيكَ زهراً 

يبّستْهُ يدُ المرارةِ في سفوحِكْ

وإذا شربتَ الشايَ من يدِها

فقبّل ما تسامى من عروقٍ في يديها

ربّما طارتْ إليكَ حمائمُ الأملِ الجميلِ

وحطّ عصفورُ الشفاءِ على جروحِكْ

امرأةٌ تلعبُ على أرجوحةِ القلب

-1-

المرأةُ المعجونةُ بدمِ الكلمات

المرأةُ الظِل

التي لا شكلَ لها، ولا اختزال

كتبتُها على جدارٍ

قريبٍ من قارعةِ حزني

فضحتْنا معاً

أسطورةٌ مترنّحةٌ بين الصفحات

فضحتْنا لهفتُنا إلى لقائِنا

ومن بابٍ جانبيّ

نتلصّصُ على ألمِنا

فنفيضُ شعراً 

وورداً

وانبعاثاً من الموت!

-2-

المرأةُ.. المرأة

المرأة.. المرآة

أقفُ قبالةَ ماءِ فِضّتِها مبتسماً

لأرى سُخريتي من عالَمٍ هَشّ

عالمٍ مغرورقٍ بالأسى

هاربٍ كلصٍّ سرقَ أيامَنا

وحين أمدّ يدي لأحضنَها

أحضنُني

فأضحكُ من رعونتي!

المرأةُ البلديّة

بنتُ البلدِ الرائعةُ..

بنتُ البلدِ الرائع..

في طيّاتِ ثوبِها

رائحةُ الخبزِ الناضج

وفي شَعرِها

يسكنُ دخانُ الشّيح

أتأمّلُها 

منحنيةً من شرفةِ خيالي

أحدّثُها حديثاً ساذجاً

ونعرجُ معاً على السخافةِ التي نحتاجُها

فألقي على مسامعِها نكتةً قديمة

مهترئةً كأحلامي

وإذا ضحكتْ

ينفتحُ صدري

على احتمالاتٍ لم تكنْ له من قبل

وآفاقٍ تهيّئ لي

فِراشَ الرغبةِ الحَرون

-4-

المرأةُ الوردةُ

الجارحةُ بأشواكِها

والعطِرةُ ببتلاتِها

أبتهلُ إليها

أن تدخلَ كينونتي

وتسمحَ لي 

بفكِّ (شيفرة) جدائلِها

وحلِّ معضلةِ شفتيها.

الواقفةُ كمئذنةٍ

بانتظارِ توبَتي

والمضيئةُ كقنديلٍ

على باب حانةٍ

تزخرُ بروّادِها الذين

على وشكِ الترنّح!

-5-

المرأةُ المعجزة

المنتظرةُ لرجلٍ أسطورة

أخلُدُ للنومِ

على ذراعَيْ حكايتِها

أستمرئُ البحثَ عنها

في رياضِ انشغالي بها

تبعِدُ شبحَ موتي

بنظرةٍ مباغتةٍ من كلماتِها المرمريّة

حين تنحني

لتلتقطَ فكرةً

سقطتْ من أفكارِها المدعوكة

وسطراً 

اختبأ في زوايا أسطرِها المبعثرة!

-6-

المرأة القُبلة

المرأةُ القِبلة

يأخذُ الجوريُّ الفراتيُّ

قيلولةً تحت أهدابِها

وتربو الأرضُ

حين تنهمرُ قطراتُ حبِّها

المفعمةُ بالعواطف

الزاخرةُ بالعواصف

تشتّتُني في هديلِ حَمامِ صوتِها

وتجمعُني في رائحةِ “النارنج”

ودفءِ “الشيطَنة”

ثم أتطايرُ 

مع ما يتصاعدُ من أنينِها

على ضفّة الفراتِ القديم

قبل أن يتشوّه بالحرب

لأصبحَ لغزاً

-7-

المرأةُ الحَدَأة

التي تراني

فريسةً لافتتاني بها

والتي تعرفُ أنْ لابأسَ

إذا أنشبتْ سِحرَها في قلبي

المرأةُ الحدأة

ما الذي ستفعلُه

حين تراني في العتمة

وحيداً أبكي

على مرأى من نفسي فقط؟!

-8-

المرأةُ العارية

العاريةُ تماماً من موتي

والتي لم تدركْ بعدُ

أنّ على الجانبِ الآخرِ من الحياة

ثمةَ ألم ينتظرُ القصيدة

لتفكّ أسْرَه من حصارِ الروح.

لها ما تبقّى منّي

لها جسدي الدّريئة

ولها أغنياتٌ لم تولَد بعد

ومقصلةٌ تنتظرُ رقبتي

لتقبّلها بشفةِ اشتياقي

إلى لحظةٍ نتماهى فيها معاً

تحت الصفصافةِ العجوز

-9-

المرأةُ الفارهةُ الحِنكة

المتأملةُ بمكرٍ لبحرِ انفعالاتي

والمشغولةُ بفيروزِ رغبتي

المحرّكةُ لقطارِ حلمي

تتنهّدُ فتندلِقُ الموسيقى

اللعنة عليّ!

أنا الواقف الخَجِل

بعيداً عن أملِ اقتحامِ عوالمِها

وقريباً من لغةٍ باردة

تستشري كالجُذام في أعماقي!

-10-

المرأةُ القيثارة

التي تطيرُ أنغامُها

كيمامةٍ فراتيةٍ

حين أعزفُ على أوتارِها،

تسقيني من ليالي مائِها

عصيرَ النجوم

فأزدادُ عطشاً إليها.

والتي تحتلّ مساماتي

بجنودٍ من الأبّهة والسموّ

أنتظرُها

لندخلَ في مَهْمَةِ أشواقِنا

وننزفَ عشقاً

وانتظاراً لقصيدةٍ

حين تلِجُ أبوابَنا

تسحبُ في ذيولِ فستانِها الطويل

آلافَ الكلماتِ الملائكيّة

من معجمِ دهشتِنا

في زمنٍ نسيَ الدّهشة

بالقصائدِ التي 

تولَدُ من شفةِ الروح!

-11-

المرأةُ الخضراء

ذات الثلاثين اخضراراً أو يزيد

أحبّت شاعرَها

– أنا –

حين استوطنتْ في قصيدتِه

وطلعتْ إليه حين فرَكَ الحروفَ

مارداً من قمقمِ التَّوْرِية

المرأةُ الخضراء

قتلتْ شاعرَها

– أنا –

لحظةَ أفشى

سِرَّ عينيها المليئتين بالنداء

من وراءِ بُرقعِها

المرأةُ الخضراء

هل سترحلُ عن شاعرِها

لأنه لا شيء يسعُها

إلا اتّساع الرحيل؟!

“جميع المقالات في الموقع تعبّر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي نينار برس”

لن يتم نشر عنوان بريدك الالكتروني